توقف عز الدين ميهوبي وزير الثقافة عند الشأن الثقافي مرافعا من أجل الاحترافية والمهنية التي تعطي للقطاع مكانته المستحقة في الأمة. وقال ميهوبي من منتدى «الشعب» خلال ندوة نقاش حول دور الاستثمار الخاص في ترقية المشروع الثقافي، أن النهوض بالثقافة الجزائرية، رفع قيمتها وإعلاء شأنها يمر حتما بإسناد المهمة لأهل الاختصاص وإدماجهم في معركة البناء الوطني، وهو بناء تحتل فيه الثقافة حلقة مركزية باعتبارها أساس بنية تكوين المجتمع واستقرار أمة وإشعاع ذاكرتها وموروثها الحضاري على الإطلاق. تاريخ الأمم وذاكرتهم الحية مصدرها الثقافة التي تعد العقل المفكر والمؤشر القوي لتوازن المجتمع، انسجامه وهويته التي يفتخر بها ويتمايز على الآخر ويختلف في محيط التنوع البشري. الفعل الثقافي هو وجدان الناس ومرجعيتهم، أحاسيسهم وتقاليدهم. والاستثمار في الشأن الثقافي يعني الاستثمار في العنصر البشري المبدع المفكر المهيئ للتسيير المعبر عن العقل الجمعي والضمير الحي للمجتمع حامل همومه وتقديم الحلول لتعقيدات ومشاكل متراكمة. فأي مكانة تحتلها الثقافة في المشروع الوطني والبرامج الإنمائية الكبرى؟ إنه السؤال الكبير الذي طرح في منتدى «الشعب»، وكان في صلب مداخلة الوزير ميهوبي خلال ندوة دامت 4 ساعات عرفت مداخلات مختلف ممثلي الشأن الثقافي من كتاب ومبدعين ونقاد ونقابات. قدم ميهوبي نظرته تجاه كيفية النهوض بالثقافة الجزائرية التي تعد منطلق بناء الهوية والشخصية لما تحمله من قيم ومعايير التماسك والتآزر والتلاحم. والمجتمع الذي لا ثقافة له هو مجهول الهوية والانتماء والمستقبل، عرضة للسقوط فريسة ثقافة الآخر وانسلاخه وضياعه. على هذا الأساس فتحت وزارة الثقافة ورشات كبرى غايتها تصحيح اختلال واقع وإعطائه ديناميكية يطالب بها الظرف ويحتمها التغيير باشراك أهل الاختصاص وإسناد لهم المهام في إعطاء دفع آخر للقطاع وجعل الفعل الثقافي منتجا وموردا ماليا اقتصاديا يساهم في النمو والناتج الداخلي دون بقائه استهلاكيا يتكل على الخزينة العمومية فقط. من أجل هذا تقرر تنظيم ندوة وطنية قبل نهاية السنة لتحسيس المستثمرين باقتحام الثقافة ومشاريعها والابتعاد على النظرة السلبية التي ترى في القطاع مسؤولية الدولة وحدها يؤدي خدمة عمومية، وتجاهل ما يدر قطاع الثقافة من مداخيل وبناء صناعة بأتم معنى الكلمة، والأمثلة تقدمها الهند التي نجحت في إقامة صناعة عالمية تدر الملايير، وكذا تركيا التي تجاوزت شهرة الأفلام والمسلسلات حدود المعمورة وصارت السينما التركية التي تؤرخ حضارة بلد ونهضتها، صناعة لها نفس مداخيل قطاعي السياحة والاقتصاد. الجزائر الغنية بثرواتها الطبيعية ومعالمها التاريخية وقوة مواردها البشرية أحق بأن تخرج من هذا الوضع الستاتيكي إلى البناء الثقافي الموسع الذي يمكن للقطاعين العمومي والخاص اقتحامه من الباب الواسع وتأسيس شراكة مربحة سواء في إنتاج الأفلام أو إنجاز ستيديوهات أو مدن سينمائية تعرض خدمات للجزائريين والأجانب تماما مثلما يجري في باقي الدول التي أدركت مبكرا قيمة الثقافة وعرفت إنها الرافد القوي للسياحة وتسويق الصورة المشرقة لها البعيدة عن الطرح التيئيسي والتشكيك في الانجازات. كشف ميهوبي من ندوة «الشعب» عن خارطة طريق يعول عليها لدخول القطاع الثقافي للمرحلة الجديدة، قائلا أنه لم يعد مقبولا إنتاج الأفلام الجزائرية بالوطن وتحويلها إلى استوديوهات خارجية لاكتمال حلقاتها وما تحمله من تكاليف اضافية. وحرص الوزير الذي تابع أهل الثقافة الخطوط العريضة لبرنامج دائرته الوزارية باهتمام، على جعل الجزائر ذات المعالم الطبيعية والأثرية والحضارية المتنوعة موطن جذب للسينمائيين الأجانب لإنتاج أفلام ساحرة. المشروع الطموح ممكن التحقيق اذا اندمج فيه المهنيون وأصحاب الشأن، عموميون وخواص، وتحررهم من أية عقدة وحاجز والقاعدة السلبية «تخطي راسي»، الثقافة الجزائرية ضحيته الأولى والأخيرة.