لم يسبق أن استفاد قطاع الفلاحة من دعم مالي هائل كما حصل في السنوات العشر الماضية ولا يزال الاهتمام مركزا على النهوض بالزراعة كدعامة اقتصادية واجتماعية يحقق التنمية المستدامة من خلال برنامج ما يسمى ب ''الرفيق'' الذي لا يمكن أن يتعثر لأسباب غير اقتصادية مثل البيروقراطية وغياب عين الرقابة، كما حصل مع برنامج الدعم الفلاحي الذي عبثت به أيدي الفساد والفاسدين من أصحاب النفوذ الاداري والمالي ومن استثمروا في مناصب مفصلية قريبة من القرار. وها هو الصندوق الوطني للتعاضدية الفلاحية يعود بنفس جديد ليلعب الدور التأميني للعاملين في قطاع الفلاحة غير أنه لا يعقل أن يتعرض هو الآخر لما يعيقه عن القيام بمهامه كسند مالي يتجدد ويحسن إدارة موارده بإحداث الجدلية الفاعلة مع عالم الفلاحة بجذب المهنيين وادماجهم في خدماته، وفقا لمقاييس في المتناول وخدمات ذات مصداقية لا تعطي فرصة لأي تلاعب أو تحايل يستهدف قدراته. ولكن عن أي عالم فلاحي يجري الحديث وصفوف الفلاحين لم تتطهر بعد الأمر الذي يقع على عاتق الغرفة الوطنية للفلاحين التي يعتقد أنها لا تزال بعيدة كل البعد عما هو مطلوب منها في هذا المجال من ضبط للعاملين في الفلاحة وتحديد هوية مهنية لهم تميزهم عن تلك الفئة المندسة في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي،ممن يحسنون الرقص على حبال التنمية المستدامة ولا يزالون يحلبون بلا حدود، بينما لا يحصد المواطنون ثمار تلك الموارد التي رصدتها الدولة للعاملين في الزراعة، كما هو الشأن بالنسبة للذين ينشطون في منظومة التبريد فانزلقوا لممارسة أعمال الاحتكار والمضاربة مستفيدين من غض الطرف من جانب مصالح وزارة الفلاحة التي لم تقدم للرأي العام حصيلة حول مكافحة الفساد في قطاعها. بالأمس فقط ضاعت مساحات هائلة من الأراضي الزراعية راحت عقاراتها يمينا وشمالا، كما ضاعت تمويلات لم تظهر استثماراتها الوهمية ولا يعقل أن يتكرر ذات السيناريو اليوم، مما يضع القائمين على برنامج التنمية الفلاحية المسمى ''الرفيق'' على المحك إن كانوا فعلا على مقدرة من اتباع أثر الملايين التي تصرف أو تفضل أسلوب الهروب الى الأمام كان شيئا لم يحدث. لقد حان وقت ضبط آليات التمويل بإعادة صياغة منظومة المؤسسات البنكية المختصة وترتيبها على أسس حديثة لتشتغل وفقا لمعايير تضمن المرونة والشفافية في نفس الوقت، مما سيساعد على انهاء حالة الارتجال في قطاع يعاني من السمسرة والمضاربة تحت عناوين براقة من استصلاح وغيره من العناوين الكبيرة التي تخفي الكثير ولا يعقل أن يستمر حال ما يعرف بالمستثمرات الفلاحية الفردية والجماعية تعاني من التشرذم وتبديد الامكانيات، بينما يعبث بها أصحاب الرساميل التي لا يعرف لها منبع مستفيدة من الفراغات القانونية وانسحاب سلطة الرقابة بمبرر تشجيع العمل الفلاحي. حقيقة يجب تشجيع العمل الفلاحي الحقيقي وليس كما هو الشأن في كثير من المناطق تحويل مساحات فلاحية كانت تنتج ذهبا في الماضي الى مزارع لتربية الخيول أو إقامة مشاريع عقارية بإطار يبدو فلاحيا أو تركها بكل بساطة عرضة للبوار وبالمقابل يد عاملة لا تحصى تتطلع للفوز بفرصة عمل. لقد كان في الماضي حول الجزائر العاصمة فقط مزارع بمثابة ورشات انتاجية توفر فرص عمل دائمة وموسمية وظرفية تحد من البطالة، لكنها للأسف راحت في مهب انهيار أسس الفلاحة، فالتهمتها تعاونيات سكنية شوهت المحيط وقلصت من المجال الاقتصادي للزراعة ونفس الامر يعاني منه ما تبقى من عقارات تابعة لديوان الخضر والفواكه مثلا التي تحولت مخازنه الى خراب تتعرض للتآكل في انتظار أن تلتهمه قراصنة الفساد.