على هامش مداخلة تاريخية نظمتها مؤسسة فنون وثقافة، التقينا السيد أحميم أعراب، المهتم بقضايا التاريخ وبالأخص المقصلة، آلة القتل هذه التي حصدت مئات الأرواح حين احتلال فرنسا للجزائر، وبالأخص إبان الثورة التحريرية. وأشار السيد أعراب في حديثه ل»الشعب» إلى التضارب الذي تجسده هذه الآلة، التي صمّمت بهدف أنسنة عمليات الإعدام، كما يقول مهندسوها، أنسنة إنما عبرت عن الوحشية والهمجية الاستعمارية. أحميم أعراب متقاعد من قطاع التكوين والتعليم المهنيين، فضل تخصيص سنوات تقاعده للنشاط الثقافي بمختلف الأشكال، ومنها النحت على الحجر. وعن سبب وقصة اهتمامه بتاريخ «المقصلة» يقول أحميم أعراب ل»الشعب»: «لقد عايشت في صغري الحقبة الاستعمارية، وسبق لي وأن قمت بمعرض فني وصادف أن حضر أعضاء الجمعية الوطنية للمحكوم عليهم بالإعدام، الذين نشطوا في نفس القاعة لقاءً عن الشهيد طالب عبد الرحمن و»معركة الجزائر»، وهنا بدأ اهتمامي بالمقصلة وشهدائها، كما طلب مني أعضاء الجمعية أن أصنع لهم مجسما صغيرا للمقصلة وصنعته بالفعل وأهديته للجمعية». تطرق أعراب في مداخلته إلى تاريخ المقصلة في فرنسا، التي كانت نتاج السياق السياسي والاجتماعي آنذاك، حيث كانت 1789 سنة الثورة الفرنسية، وهي حركة سياسية وثقافية في عمق المجتمع الفرنسي، وحركت المجتمعات الأوروبية بطريقة قوية، وكانت بمثابة المعبر إلى الحداثة. ورافق «عصر الأنوار» والثورة الفرنسية نشأة البورجوازية والرأسمالية. وهنا تكمن المعضلة، فالفلاسفة مثل ديكارت جاؤوا بأفكار حديثة، وجاء اختراع المقصلة، في بادئ الأمر، من أجل أنسنة تنفيذ الإعدام، حتى لا يعاني المحكوم عليه بالإعدام ويفارق الحياة بطريقة «رحيمة»، ولكن هذا الأمر صالح وصحيح إذا ما تمت مقارنته بما كان سائدا آنذاك، من وسائل وحشية منها السحب من الأطراف حتى الموت، لتصير المقصلة أو «الآنسة» كما تسمى وسيلة «أرحم» لإنفاذ العقوبة. ولكن هذا لم يتعد كونه الهدف، وما حدث هو أن المقصلة صارت أداة إرهاب في فترة ما يعرف ب»الرعب» التي صاحبت الثورة الفرنسية، والتي أعدم فيها قرابة 20 ألف شخص. وأشار أعراب إلى فرانسوا ميتران الذي سبق وأن شغل منصب وزير داخلية ووزير عدل في الحكومة الفرنسية، وفي عهده أعدم العدد الأكبر من المجاهدين الجزائريين، كما أن المحاكم العسكرية أعطت «الكارت الأبيض» للجيش من أجل أن يقيم محاكمات صورية ويعدم مجاهدي جبهة التحرير الوطني الجزائرية، ومن بينهم الشهيد أحمد زبانة، وكان أغلب من أعدموا بالمقصلة ضحايا هذه المحاكمات الصورية، وهو ما جاءت به المؤرخة الفرنسية سيلفي تينو، في كتابها «Une drôle de justice ; les magistrats dans la guerre d'Algérie». كيف دخلت المقصلة إلى الجزائر؟ يجيب أحميم أعراب عن هذا السؤال، ويقول إن عسكريا فرنسيا حضر عملية إعدام بالجزائر باستعمال السيف، حيث نفذ الجلاد الحكم مرتين ولم يمت صاحب العقوبة، فكان في أكتوبر 1842 أن دخلت المقصلة لأنسنة الإعدام، وبعد ذلك بسنة، أي في 1843 كانت أول عملية إعدام بالمقصلة لجزائري واسمه عبد القادر بن زلوف بن دحمان، وكانت قضية من القانون العام وليس الجهاد ضد المستعمر. أما من بين من عوقبوا على وقوفهم ضد فرنسا بالمقصلة، أرزقي البشير الذي أعدم مع رفاقه في عزازقة سنة 1895 وعمره 30 سنة، وكان من «الخارجين على القانون» وأوجع فرنسا كثيرا، ويدعى روبن هود الجزائري، حيث أثرت مقاومة المقراني والشيخ الحداد في طفولته. وإبّان حرب التحرير كان أول شهيد للمقصلة أحمد زبانة في 19 جوان 1956، وتوقفت المقصلة مرتين وتعطلت ولم يقطع رأس الشهيد، ولكن وعكس ما ينص عليه القانون، أصر الجلادون على قطع رأس زبانة، «الذبيح الصاعد» كما أسماه مفدي زكريا، ولم يطبقوا مبادئ و»أنوار» عصرهم، يقول أحميم. وبلغ عدد شهداء المقصلة في حرب التحرير 222 شهيدا، أعدم أغلبهم إثر محاكمات صورية، من ضمن 1500 محكوم عليهم بالإعدام، وهو رقم تقريبي قد ينقص أو يزيد. كما أشار السيد أعراب إلى فرنسي مناضل مع جبهة التحرير الوطني أعدم بالمقصلة هو «فرناند إيفتون»، الذي وضع قنبلة في مصنع الغاز الذي كان يعمل به في العاصمة. ورغم توفر طرائق أخرى للإعدام، إلا أن المستعمر أصّر على أن يكون كل من يعدم داخل أسوار السجن بالمقصلة، ولا نتحدث هنا عمّن كانوا يقتلون رميا بالرصاص خارج أسوار السجون، أو من استشهد تحت التعذيب وهم كثر.