شكلت قمة منتدى إفريقيا - الصين، المنعقد بجوهانسبورع، الحدث البارز في القارة السمراء ويترجم علاقات شراكة استراتيجية بين الطرفين اللذين يتقاسمان الكثير من المسائل والمبادئ والقيم ويحملان نفس الطموح والتطلع لإقامة علاقات دولية أكثر توازنا واستقرارا بعيدا عن المركزية الغربية التي ولدتها اتفاقات يالطا، بوتسدام وسان فرانسيسكو. وكانت هذه المسائل محل اهتمام القادة الأفارقة والصين منذ المنتدى الأول الذي احتضنته بكين عام 2006 وحضره رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة. وقد أرسى المنتدى والقمم التي تلته، خارطة طريق لإقامة شراكة متميزة بين مجموعتين تخوضان معركة مصيرية من أجل التنمية الوطنية، اعتمادا على القرار المستقل دون السقوط في إملاءات الخارج وتبعاته وضغوطه المهددة للسيادة، واضعا الخيارات محل مساومة. تعود هذه القضايا إلى الواجهة في منتدى جوهانسبورغ، الذي يشارك فيه سلال ممثلا لرئيس الجمهورية، مرافعا من أجل شراكة استراتيجية تليق بمقام العلاقات الثنائية بين أفريقيا والصين ومستواها السياسي المتزن الذي لم يعرف أي طارئ منذ فجر استقلال بلدان القارة السمراء. وتجاوبت بكين دوما مع مقترحات الجزائر ومبادراتها التي تحظى بالاحترام الدائم، مؤكدة أنها لن تنسى القرار التاريخي الذي اتخذته الجمعية العامة الأممية، بداية السبعينيات من القرن الماضي، برئاسة وزير الخارجية الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية حاليا، بطرد تايوان وتعويضها بجمهورية الصين الشعبية. ليس غريبا أن يقترح الرئيس الصيني شى جين بينغ بجوهانسبورغ، رفع العلاقات إلى شراكة استراتيجية مع إفريقيا التي تكالب عليها الاستعمار الغربي في حقب سابقة ولازال يلهب نيران أزماتها لإبقائها مجرد فضاء لاستهلاك سلعه والتبعية المفرطة لمؤسساته، منها البنك والصندوق العالميين ووكالاتهما العديدة. عكس هذا، ترافق الصين بلدان القارة السمراء في التنمية وتساعدها في إرساء معالم إنمائية. وقال الرئيس شي، في حفل افتتاح قمة الصين وأفريقيا التاريخية، إن أفريقيا تستكشف بفعالية طريق التنمية، تمشيا مع ظروفها الخاصة وتتبع طريقة أفريقية لمعالجة القضايا الأفريقية. وأضاف، أن القوة الدافعة للتنمية الأفريقية السريعة لا يمكن مقاومتها، مشيرا إلى أن الدول الأفريقية تسرّع بعملية التصنيع وتسعى إلى تحقيق تنمية مستقلة ومستدامة. وذكر الرئيس الصينى أيضا، أن القوة الدافعة للوحدة الأفريقية والتجديد الذاتي لا يمكن مقاومتها أيضا، مؤكدا أن القارة تسرّع بعملية التكامل والتحدث بصوت واحد على المسرح العالم. الصين القوة الاقتصادية والتجارية الأولى في القارة السمراء، نجحت في زحزحة الكثير من الدول الكبرى التي لم تتحرر من النظرة السلبية التي ترى بلدان القارة قصّر وهم يخضعون دوما إلى وصاية ولم تدرك ما أنجز في القارة من مؤسسات وهياكل تعطى الأولوية للإصلاح الأفريقي اعتمادا على الذات. على هذا الأساس قدمت الصين مقاربتها للتعاون الثنائي المعتمد على نظرة براغماتية واقعية لا تقفز على المعطيات الثابتة والمتغيرة. ورئيسها خلال تقييمه لمسار المنتدى، تحدث عن تقديم الملموس، ما تحتاجه بلدان القارة وما تتطلع له ولم تمل عليها أجندات ورزنامات مثلما تتصدر أشغال قمم افريقيا والمجموعات الأوروبية والأمريكية على سبيل المثل. وعد الرئيس الصيني تقديم 60 مليار دولار لدعم مشروعات التعاون الكبيرة مع أفريقيا وتدريب 200 ألف فني إفريقي ودعا 40 ألف شخص للدراسة في الصين. كما التزم بدفع 60 مليون دولار للاتحاد الإفريقي لدعم قوة الرد السريع الإفريقية التي تتحرك طولا وعرضا في مختلف أجزاء القارة من أجل تهدئة التوتر وحفظ السلام الذي تضعه الجزائر في صدارة اهتماماتها وتتخذه ورقة رابحة من أجل إبعاد شبح الحرب من أفريقيا التي تمتلك كل المقومات للنهوض واللحاق بركب الأمم. مع العلم، فإن قمة جوهانسبورغ تعتبر الثانية لمنتدى التعاون بين الصين وإفريقيا الذي يعود إلى 15 عاما ويضم الصين و50 دولة أفريقية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين ومفوضية الاتحاد الأفريقى.