انتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة بومرداس الدكتور عبد الرحمان تومي واقع الترجمة في الجزائر، خاصة في الجانب الفكري والعلمي والثقافي بصفة عامة، التي قال عنها “أنّها ضعيفة جدا مع غياب التفاعل والأساليب الحديثة في توظيف اللغات العالمية الحية للاستفادة من الأبحاث العملية والأكاديمية المختلفة والعكس أيضا”، منتقدا بشدّة انحصار الجزائريين في لغة ثنائية والاعتماد الضيق على الفرنسية، وهي للأسف حاليا ليست لغة عالمية خلافا للغات الأخرى كالانجليزية في الترجمة المتبادلة، وبالتالي لم يستفد لا المثقف ولا الباحث الجزائري من هذه الوضعية مثلما قال. قدّم أستاذ الاقتصاد قبل تقييمه لتحديات نقل المنتوج الفكري والعلمي الجزائري إلى العالم الفسيح والتعريف به لدى الآخر، تشريحا دقيقا لما وصفها بثنائية اللغة في الجزائر من خلال عرضه لاتجاهين مختلفين ومتضادين إيديولوجيا أحيانا. وهنا أكّد الباحث بالقول: “بداية يجب أن نفرّق في الترجمة بين فريقين من الباحثين والمفكرين الأول يكتب باللغة العربية، ويريد أن ينشر هذا الفكر وينقله إلى العالم وفريق ثاني يكتب باللغة الفرنسية، وهو الآخر يريد قبل ذلك أن ينشر إنتاجه وأفكاره إلى المحيط الجزائري ثم الخارجي، وبالتالي نتمنى أن تكون بين الفريقين منافسة في الإنتاج الفكري أولا ثم الترجمة فيما بعد”. كما ربط الباحث عامل الترجمة بصفة عامة من اللغات العالمية إلى اللغة الوطنية بعاملين أساسين، أولا العامل الاقتصادي الذي دفع سواء بالباحثين أو المتعاملين الاقتصاديين إلى الإقبال على عملية الترجمة وتعلم اللغات الرئيسية كالانجليزية والصينية من أجل مواكبة الواقع الاقتصادي الجزائري، والتطلع على الثقافات والإبداعات العلمية العالمية لكنه بعيد عن التاطير الأكاديمي في الغالب، أما الاتجاه الثاني فربطه الأستاذ بالعامل الثقافي، وهنا عبّر الباحث عن أسفه الكبير لهذا الواقع المتردي وعدم قدرة الباحثين والطبقة المثقفة في الجزائر من التحرر عن الأفكار المسبقة والعقدة الراسخة بأهمية اللغة الفرنسية في ربطهم بالعالم غير مدركين أن هذه اللغة في تقهقر كبير ولم تعد لغة العلم الحديث، حسب قوله. وفي سؤال عن إشكالية موضوعنا المتعلقة بتقييمه لمدى نشاط الترجمة العكسية لنقل الإنتاج الفكري والثقافي الجزائري ومختلف الأبحاث الأكاديمية سواء المكتوب باللغة العربية أو الفرنسية للتعريف به في الخارج، تأسّف أستاذ الاقتصاد عبد الرحمان تومي لهذا الواقع وقال: “بتجربتي المتواضعة لا يزال الجزائريين والجزائريات متخلفين والسبب يعود إلى المحيط الذي يضغط على الباحث، منها عامل الزمن والاحتياجات التي يريد هذا الأخير تحقيقها في الميدان، تعقد عملية الترجمة نفسها في نظر الباحث أو المثقف لأنه لا يحسنها، وبالتالي يلجأ أحيانا إلى بعض الدوائر الفكرية ومراكز الترجمة لنقل أعماله إلى اللغات العالمية، لكنها مبادرات قليلة ولا تكاد تذكر في السوق الثقافي المحلي وليست أمينة، باستثناء المجال الأدبي والثقافي الذي استفاد قليلا من عملية الترجمة لكن في الغالب ليست بأقلام جزئرية، لكنها مبادرات من دور نشر عربية أو أجنبية عمدت إلى ترجمة بعض الرّوايات الجزائرية إلى عدة لغات على أساس أهميتها الأدبية والتّجارية وكذا سمعة كاتبها. كما انتقد أستاذ الاقتصاد، افتقاد الجامعة الجزائرية والمعاهد المتخصّصة للمخابر العلمية والتّقنية الحديثة لدفع بعملية الترجمة إلى الأمام، وتوفير مناخ ملائم لهذه المحاضن العلمية بنشر وترجمة الكتب التي تعتمد من طرف المجالس العلمية والمساهمة في نقل الأبحاث الجزائرية إلى مختلف اللغات العالمية. في الأخير، ثمّن الأستاذ مبادرة رئيس الجمهورية بدعمه لميدان البحث العلمي عن طريق معهد الترجمة الذي بإمكانه تدارك الوضعية، وإعادة مكانة الجامعة والأبحاث العلمية الجزائرية إلى عهدها السابق، مع إلحاحه أيضا على ضرورة إعادة النظر في التشريع الجزائري في المجال، الذي اعتبر معقّدا وغير محفّز، وهذا بإيجاد آليات جديدة تسمح بتحيين المنظومة القانونية، وتساعد الكاتب في أن يتطلّع إلى منافذ يمكنه من خلالها نقل مجهوده الفكري والعلمي إلى العالم، ومنه التّسويق لمنتوج جزائري متميز في سوق السياحة الثقافية الوطنية والأجنبية، على حد قوله.