من حقنا كمثقفين في هذه البلاد أن نخطأ، لكن من واجبنا أكثر من غيرنا أن نعود عن أخطائنا بأسرع من غيرنا إذا تبين لنا الحق. لقد تحدثت في مناسبات سابقة؛ خاصة في التسعينيات عبر وسائل الإعلام عن وجع الجزائر الذي تراكم خاصة فيما يتعلق بالجامعة في الجزائر تاريخا وواقعا. وقد بررت عدم اكتراث من كان بيدهم الأمر بمبررات أهمها العشرية الحمراء، السوداء.. وتحدث غيري ولا شك عن هذا الوجع وأمثاله في هذه المناسبة أقصر حديثي عن الجانب التاريخي للجامعة في بلدي. إن شهر ماي في التاريخ الجزائري كان بامتياز من شهور الشعب مجدا وتضحية وبإمكاننا أن نسرد أحداث عظيمة عبر تاريخنا حدثت في ماي، هذا الشهر الكبير. كم تمنيت ان نكون في شهر ماي هذا 2009 في مستوى ما كان عليه آباءنا ذات 5 ماي ,1931 حينما اجتمع 70 عالما ونيف في نادي الترقي بمدينة الجزائر آنذاك، حيث لم تكن عاصمة بسبب الاحتلال. وكان لذلك الاجتماع أسباب وغايات؛ لعل أهمها على الإطلاق الرد الثقافي العلمي العقلي والحضاري من طرف أناس لم يحوزوا شهادات الماجستير والدكتوراه؛ لكنهم ردوا بنضج كبير على غطرسة المحتل المحتفل يوم 5 جويليه 1930 بمئوية الاحتلال الفرنسي لبلادنا. إن وجود الاحتلال وعلى مدى 100 عام حتما أوجد واقعا ملموسا في الجزائر، يؤكد على انهزامنا المادي، قطعا كان الوجود الفرنسي في الجزائر أمرا يومي وشامل وعميق، جزما كان رد 5 ماي 1931 عظيما ومستمرا من خلال برنامج جمعية العلماء المسلمين الذي أبطل وهم الاحتلال بكلمات نيرات أضاءت الدرب وأعانت المخلصين. ومن الكلمات التي تردد صداها عاليا[ :الجزائر وطننا... العربية لغتنا... والإسلام ديننا.] وبإمكاننا ان نتحدث عن شهر ماي من خلال الحقد الاستعماري الذي وصل ذروته يوم 8 ماي 1945 في كل من سطيف، خراطة وقالمة وغيرها.وكذا 19 ماي 1956 حينما عانق الطلبة والثانويون الجبل كمدرسة ممتدة في تاريخ الجزائر وكفروا بكلية الاحتلال الفرنسي للجزائر. La Fac dAlger ان احتفال البعض بمئوية ڤجامعة الجزائر''لا يمكن ان يجعلنا نتهم زملائنا وإخواننا من الذين قرروا وأسهموا في الاحتفالية لكننا ندعو إخواننا وأنفسنا والنخبة في هذه البلاد إلى كلمة سواء في ما يتعلق بالتربية والتعليم في بلدنا. من حقنا أن نتساءل عن الذي احتفل به هؤلاء هل كان احتفالهم بالمحتوى العلمي او بغايات ومرجعية الجامعة الاستعمارية أو بالجدران. لقد امتلأ ذهني ومخيلتي منذ طفولتي بأسماء لجامعات قيل عنها أنها تمتد لقرون وقرون ولا شك ان الكثير من أبناء جيلي عاشوا هذا الأمر. بالنسبة لجامعات سمعنا عنها أو قرأنا عنها أو لأشياء أخرى مجدها أبناؤها؛ بل في بعض الأحيان صنعوا لأشيائهم تاريخا. كم كانت صدمتي عميقة حينما زرت بعض الجامعات الأوربية في نهاية طفولتي وبداية الشباب وتأكدت أن تلك الجامعات الشامخات ما هي إلا جامعات بنيت في غير التاريخ المعلق على أبوابها وواجهاتها فهل كذب الأوربيون ، كلا لكنهم قاموا بتثمين تاريخهم وتمجيد أبنائهم، وربما بالغوا في بعض ذلك. ان جامعة السوربون، على سبيل المثال،كل ما فيها يوحي ويؤكد أنها جامعة حديثة وعصرية، ولما سألت بعض القائمين عليها وأنا ألاحظ انه ما ظهر من تناقض بين هيئة الجامعة ومظاهرها وتاريخ تأسيسها الذي يعود الى القرن الثالث عشر فأفهمني أولئك أن الأمر يتعلق بغرفتين اثنتين عاش فيهما راهب في القرن الثالث عشر وعلم فيهما تعليما كهنوتيا إنجيليا. وعملت الأمة الفرنسية على ربط ذلك تاريخيا واستخدموا الراهب كإسم لهذه الجامعة الشهيرة في باريس؛ بل لم يكن موقع هذه الجامعة هو نفسه الذي مارس ذلك الراهب تعليمه فيه في القرن الثالث عشر، ونفس الأمر حدث معي في جامعات أخرى، خاصة في الجامعات البريطانية. كم تألمت وأنا ألاحظ في بلدنا أننا نبدأ من الصفر في معظم الأشياء؛ وخاصة بما يتعلق في الجامعة رغم أن ما لدينا أكبر مما كان في أوربا العصر الوسيط. ولا فخر، فتلك الأيام يداولها الله بين الناس، فكم منهم، أي الأوربيون، اعترفوا أنهم تعلموها هنا. ويكفي بأن نذكر بجاية وتلمسان والجزائر، بالإضافة إلى الجنوب. فما الذي يضرنا أن ربطنا جامعتنا بتاريخها العلمي والتعليمي؛ بل لم نتأخر في هذا الأمر بالنسبة إلى الأوربيين فقط إنما بالنسبة إلى لإخواننا في الأقطار العربية أيضا؛ ولما سألنا عن أصل القرويين في فاس والزيتونة في تونس وجدنا أن أصلها شبيه؛ بل يطابق فضاءات علمية وتربوية في الجزائر تاريخيا. كيف يمكن لشعب بنا بأمواله وعرقه وعلمه جامعة الأزهر الشريف لإخواننا في مصر ألا يكون قد أسس مدارس وجامعات في نفس الزمن في بلده، وكيف أصابتنا الغيبوبة التاريخية حتى أصبحنا نحتفل بمئوية''جامعة الجزائر. ''وكأننا لم نكن قبلها شيئا مذكورا. د. شيخ بوشيخي