تراجعت أسعار النفط بأكثر من 50 دولارا في ظرف شهرين فقط حيث انتقلت من 143 دولارا شهر جويلية الماضي الى 92 دولارا أول أمس الثلاثاء ويعتبر هذا التدني في الأسعار مؤشرا خطيرا على اقتصاديات الدول التي تعتمد على عائدات البترول على غرار الجزائر المطالبة بالتقشف في استعمال أموال النفط لتجنب الهزات المالية التي قد تنعكس سلبا على الاستثمارات العمومية. ------------------------------------------------------------------------ أرجع المختصون انهيار أسعار النفط بالسرعة الحالية الى تواصل الأزمة الاقتصادية العالمية وتدني أسعار الدولار ما جعل اقتصاد الولاياتالمتحدةالأمريكية يسجل تباطؤا كبيرا في النمو جراء أزمة الائتمان الرهني التي لازالت تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، حيث يعزف المستثمرون على استعمال أموالهم تخوفا من الركود الاقتصادي وارتفاع مستويات التضخم فالحصول على الأرباح وتغطية حجم الاستثمارات أصبح مستحيلا في الوقت الراهن ،وتؤدي كل هذه الظروف الى رفع نسب المخاطرة من قبل البنوك وترفض شركات التأمين التعاقد مع المستثمرين في ظل التراجع القياسي لأسعار النفط.وتسعى الجزائر التي تمثل المحروقات 98 بالمائة من عائداتها بالعملة الصعبة لتجنب الهزات الاقتصادية والمالية من خلال ترشيد استعمال المال العام والحفاظ عليه ومحاربة الاختلاسات وأكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في جلسات الاستماع التي خصصها لمختلف الوزراء الذين لديهم علاقة بالمالية والاقتصاد الوطني الى الحذر من تبذير المال العام وأكد على ضرورة تفادي الإطالة في المشاريع العملاقة التي تكلف خزائن الدولة خسائر فادحة رغبة منه في تجنيب البلاد عواقب انهيار أسعار النفط التي لا ترحم وقد تجهض جميع مجهودات الدولة في تحقيق التنمية المستدامة التي خصصت لها منذ 2005 فقط أكثر من 200 مليار دولار وتتمثل في منجزات جد عملاقة من السكن الى النقل والمياه وغيرها من المجالات.وكان الرئيس بوتفليقة قد حذر في العديد من المرات من الاتكال على النفط فقط ودعا الى البحث عن مجالات جديدة لخلق الثروة من خلال الاستثمار في السياحة والزراعة وإعادة الاعتبار للنسيج الصناعي الوطني على الأقل للتقليص من الواردات التي زادت بأكثر من 110 في المائة في الخمس سنوات الأخيرة ومتوقع ان تصل هذا العام الى حوالي 33 مليار دولار.وإذا تواصل تدني المحروقات بهذا الشكل ستكون الدولة مجبرة على تسطير برنامج يعتمد على التقشف وترشيد استعمال المال العام لضمان تجسيد ميع المشاريع الإستراتيجية لأن الذين يتحدثون عن البحبوحة المالية فهم مخطئون كثيرا لأن احتياطي الصرف الذي قارب 140 مليار دولار لن يكفي لأكثر من 4 سنوات استيراد وبإضافة الاستثمارات العمومية التي لم تكتمل فلا يمكن الحديث إلا عن 3 سنوات استيراد.وتوجد الكرة الأن في مرمى المستثمرين المحليين الذين لم يفلحوا في استغلال الأوضاع والتحولات الاقتصادية التي تمر بها الجزائر لتحقيق الإقلاع الاقتصادي بالرغم من استفادتهم من أكثر من 2000 مليار دينار كقروض وبقيت الجزائر على وضعها الاقتصادي المتردي فلا الصادرات فاقت المليار دولار ولا التضخم تراجع ولا نسبة البطالة هبطت بالشكل اللازم وأكبر دليل على تدني الاقتصاد الوطني هو ميزانية التضامن الكبيرة التي تخصصها الدول سنويا والتي تفوق ال 5 ملايير دولار لتدعيم القدرة الشرائية ومساعدة العمال على توفير الحد الأدنى لأسرهم عند الدخول الاجتماعي.وتبين أن الاقتصاد الوطني ليس موجها لخدمة الدولة وإنما لخدمة أفراد معينين على غرار المستوردين وعكس اقتصاد السوق الذي لم تحضر الجزائر نفسها له كما ينبغي ووجدت نفسها محاصرة ببارونات ترفض الإصلاحات وتشجع الفساد بنشر الرشوة والاختلاسات وهو ما أدى الى إرهاق مؤسسات الدول في تصفية الأجواء من المفسدين.ولعل ما زاد من متاعب الجزائر الاقتصادية وجعلها فقط تعتمد على المحروقات هو تخلي الأجانب عن تجسيد وعودهم في نقل الاستثمارات المنتجة وهو الأمر الذي لم يحدث أبدا لأن ذلك سيقلل من صادراتهم نحو الجزائر ما جعلنا نخسر ومالا كثيرا جراء الانخراط في مسار برشلونة واتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي فضح الأوروبيين بعد 3 سنوات من تطبيقه ودخوله حيز التطبيق.وعليه فكل المعطيات تشير الى أزمة اقتصادية عالمية على شاكلة التي حدثت في 1929 والجزائر التي قدمت الكثير للوصول الى ما وصلت إليه يجب الحذر في تسيير أمور الاقتصاد والمال لأن المتربصين بسيادة الدولة كثيرون وظهر أن الاقتصاد العالمي وأسعار النفط بأيدي الشركات المتعددة الجنسيات التي تنسج العلاقات الدولية والأنظمة فترفع من تشاء وتنزل من تشاء وفقا لأهوائها وبرامجها الجهنمية البعيدة المدى. ------------------------------------------------------------------------