يخطو مسيرته الأدبية بخطى ثابتة، يسجل حضوره الروحي كلما سمحت الظروف بذلك يبدع بصمت، يصنع من كلماته جمالا مميزا، لا ترهبه القيود الوهمية، يستحضر نصوصه من حالة اللاوعي التي يعيشها المبدع بين الذات والروح، وسرعان ما يغرق فيها لتأتي زبده الخلوة جنسا أدبيا يشبه الفن القصصي بل هو القصة بذاتها. القاص مسعود غراب التقته «الشعب» وهو يستعد لحضور فعاليات الصالون الدولي للكتاب، وقد اختار جديده هذا الموسم الثقافي ليكون «السر الذي لم يدفن مع الحمار»، موعدا مع قرائه في الجزائر وفي الوطن العربي، فكانت لنا معه هذه الوقفة. ❊ الشعب: ماذا حمل إصداركم «السر الذي لم يدفن مع الحمار»؟ ❊❊ القاص مسعود غراب: «السرّ الذي لم يدفن مع الحمار»، هي مجموعة نصوص قصصية أحد عشر نصا تحاول أن تقتنص بعض الصور الحياتية العادية من زاوية نظر متأمّلةً الحدث اليومي البسيط لتضفي عليه بعض المعني الحالم حينا والساخر حينا آخر، الصورة التي تُضمر في ذاتها وتحمل في تفاصيلها المبعثرة الكثير من التناقض واللاانسجام، مما يُحفّز الكاتب ليحفر في ذلك، وفي تلك الصور دون تعال أو فوقية بل ليرافقها ويقاربها من الداخل حيث تكمن الكثير من الأسرار، فهي مجرد محاولة للكتابة، كل ما في الأمر أنني أعبّر عن تلك الحالة المرّكبة التي كثيرا ما تمرّ بنا وأمامنا بأشكال شتي ونغفل عنها، بل أن غفلتنا أكبر بكثير، فالكتابة محاولة للقبض علي بعض المعاني المتناثرة في الحياة من وجهة نظر الكاتب. (صفة الكاتب ليست تمييزا أو وساما تفضيليا بل إن كل انسان يحمل في نفسه كاتبا مبدعا..)، فمجمل القصص تحاول في هذا السياق لكشف وتعرية بعض الخفايا في النفس البشرية. وهنا يمكن الاستئناس بما ذكره الأستاذ ضيف جيلاني في تقديمه للمجموعة: (..من خلال هذا السرّ الجميل أضاف مسعود سرّا آخر من أسرار الإبداع والأدب الساحر الذي ينعش الذوق ويبهج الفكر ويرحل بالخيال إلى عوالم متماثلة حينا ومتباينة أحيانا أخري من النفس البشرية الموجوعة...)، وهو كلام كبير بقدر ما يسعدني يشعرني بحرج كبير أمام هيبة الكتابة ومسؤولية الأدب. ❊ ماذا تناولتم فيه أو أهم المواضيع التي تطرّقتم لها؟ ❊❊ في الحقيقة أني لا أفشي سرّا إذا قلت لك أنني لم أكتب بعد، وليس تواضعا مبتذلا، فأنا على عتبة باب فسيح ينتابني دوما الإحساس بالأسف أني تأخرت في اقتناء الريشة وعلبة الألوان، وأن أؤثّث مرسمي الحلم، الذي افتتحته منذ سنوات البراءة والحب. كم هي خطيئتي؟! وأنا أعدم بالتسويف والتأجيل تلك الألواح الصور أعني «الأرواح»، قد تكون هناك ظروف ما ولكن الظروف غير الملائمة دائما متوفرة. ربما يخفف من وطأة هذا التأنيب إيماني بأن لكل شيء أجلا وكتابا، وأن حلما يسكنني يضيء لي الدرب المعتمة ويكشف النتوءات الطارئة وسط الطريق. ❊ حدّثنا عن إصداراتكم السّابقة؟ ❊❊ أما عن الإصدارات السابقة صدرت لي مجموعتي الأولي: «رؤوس ممسوخة» عن وزارة الثقافة بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007،فكانت مناسبة رائعة حقيقة لأنها أخرجت الكثير من الكتاب الشباب إلى النور في القصة والشعر وغيره، فأُخرجت الأعمال بشكل جيد، ودُفعت الحقوق للمؤلفين،ورغم ما يذكر من نقائص في تسييرها وتنظيمها. وما رصد لها من مال كاستثمار ثقافي و معرفي - ينبغي أن يستفيد منه أولا بشكل مباشر وغير مباشر الكاتب والقارئ - لا أن يكون آخر وأقل المستفيدين. وهو موضوع آخر يتعلق به أيضا مشكل التوزيع وإعادة الطبع لتكون في متناول القراء، وعلي كل حال ينبغي توجيه الشكر لكل من ساهم ودعّم نشر تلك الأعمال البواكير لأسماء غير مكرّسة، كما صدر لي في مجال تخصصي كتاب: الملكية العقارية في الجزائر سنة 2012 عن دار الأوطان. ❊ كيف تقيّمون راهن السّرد في الجزائر؟ ❊❊ وعطفا علي ما سبق فأعتقد أن تلك المناسبة مثلت منعرجا ثقافيا بعثت من خلاله الكثير من الكتابات السردية إلي الساحة الأدبية الجزائرية والعربية، وأنا هنا لست بصدد تقييم الكتابة السردية أو راهن السرد الجزائري كما جاء في سؤالكم، بل أنني كثيرا ما أستفيد وأستمتع وأنا أقرأ النصوص الجديدة، كما استمتع بنصوص أسماء مشهورة. وعلي العموم يمكن ملاحظة انتعاش السّرد في السنوات الأخيرة في حين يلاحظ ضعف الحركة النقدية المناسبة والدراسات المواكبة لذلك. ويجدر التنبيه لبعض النقاشات التي تطفو علي السطح أحيانا لخلق بعض الاختلال والتوتر في العلاقات الأدبية التي ينبغي أن يسودها الاحترام والتقدير من جميع الأطراف، هذا الاحترام الذي لا يعني التبعية، ويعني فيما يعنيه احترام حق الإبداع وحق الإختلاف وحق النقد، وهي مسؤولية النخبة الحقيقية. ❊ هل من كلمة أخيرة؟ ❊❊ بخصوص «السرّ الذي لم يدفن مع الحمار» ستكون حاضرة بإذن الله بمعرض الكتاب آخر الشهر. وهنا أوجّه الشكر والتحية للأستاذة والمبدعة آسيا علي موسي صاحبة دار ميم للنشر علي ما تبذله لخدمة الكتاب الأدبي، وتحيتي لكم ولأسرة التحرير بيومية «الشعب»، ولصفحتكم الثقافية التي أتمني لها التألق والنجاح.