تعرف الأسواق الموازية في الجزائر انتشارا مخيفا على مدار السنين فارضة تحديها على الجميع بالرغم من التحذيرات والتهديدات بالقضاء عليها بالإجراء التنظيمي الحاسم. وتغزو الأسواق الأحياء من كل مكان في حركة مكملة للبيوت القصديرية التي تجاوزت بدورها المعقول، وصارت تشوه صورة المدينة وتعطي مشهدا سوداويا للعمران الذي لا يخلو هو الآخر من الفوضى والجنون. في ظل هذه الفوضى الذي لم يعرف الجزائر مثيلا لها اتخذت الأسواق الموازية من الأرصفة والممرات فضاء لبيع كل شيء دون مراعاة لأبسط القواعد التجارية وتدابير الوقاية الصحية وأمن المستهلك. ولم تنجو مداخل البناءات والعمارات من هذا الغزو الممتد إلى أبعد الحدود طابعا مشهد المدينة ويوميات الجزائريين بلا استثناء. وصار من الصعب على المارة والساعيين لقضاء حاجياتهم المرور بأيسر الأحوال عبر الطرقات المكتظة عن آخرها بالباعة الفوضويين المسوقين لسلع مغشوشة وماركات غير أصلية تحمل كل مخاطر الاستهلاك والاقتناء. في هذا الجو المشحون بالفوضى، واللصوصية والاعتداءات، تباع المواد الغذائية السريعة التلف، غير مغلفة عرضة للفيروسات بدل أن تكون إجبارية في تجهيزات التبريد والتغليف. ونجد المواد الغذائية تباع إلى جانب مختلف الزيوت والسوائل الأخرى المنبعثة لروائح كريهة لا تحتمل، ورغم تقارير فرق قمع الغش وحماية المستهلك المنتظمة حول حجز مواد غير صالحة وعرض القضية على المحاكم للحد من الفوضى وعدم تكرار التلاعب بصحة المواطنين وإعلائها فوق الحسابات الربحية، تستمر الأنشطة التجارية الموازية في التحدي غير عابئة بالمواجهة. تظهر هذه الأنشطة التي اشتكى منها التجار النظاميون الذين يطالبون بإلحاح بتنظيم السوق الموازية وتطهيرها من السماسرة والطفيليين الذين يجرون وراء الربح بلا وجه حق، في كل الأحياء العاصمية من بئر خادم إلى باب الزوار مرورا بعين النعجة، ولم تخلو منها القصبة بفضاءاتها التجارية الشعبية، منها شارع بوزرينة الممتد إلى ساحة الشهداء، و"رود شارد"، ونهج لالير، وغيرها من الأزقة التي يكثر التهافت عليها بسبب تنوع منتوجها وسعره المعقول. وزاد الوضع اكتظاظا دخول الصينيين على الخط، مضيفين على النشاط تنافسية كبيرة. ولم يكتف الصينيون الذين فهموا قوالب السوق الجزائرية وأسرارها، بالبيع في الطاولات المعروضة هنا وهناك وشراء محلات بأكملها، بل صاروا يقيمون ورشات التصنيع التي تزود بلا انقطاع نشاطهم التجاري المفتوح، ويكثر نشاط الصينيين بالخصوص في سوق الجرف بباب الزوار، حيث يفاجئون المتهافتون على سلعتهم بمخاطبتهم بالعربية لتزيل كل إكراه اتصالي، وتقربه أكبر، وترسخ ثقة ومصداقية مسهلة لأمر التعامل والبيع والشراء. ورغم القيل والقال تظل الأسواق الموازية مكانا مفضلا لاقتناء الحاجيات وخاصة من الفئات الميسورة التي أكوت جيوبها لهب الأسعار وشرارتها وصار من الجنون شراء الحاجيات الأساسية والضرورية في ظل غلاء فاحش غير مبرر لم تقو آليات الضبط على تنظيمه واعتداله. وتركت السؤال المحير ماذا بعد ؟ وكيف هوت الأسعار في كل جهات المعمورة بسبب الأزمة المالية العالمية وبقت في الجزائر صاعدة إلى الأعلى. ولا يمكن تجاهل ما توفره الأسواق الموازية من مناصب شغل تخفف أعباء البطالة التي وإن تراجعت بفعل المشاريع الكبرى وبرامج الاستثمار والنمو تبقى الشبح المخيف المهدد للاستقرار الاجتماعي والألفة، والمولد لأشكال الانحراف والإجرام، وتتحدث الأرقام عن امتصاص السوق الموازية لثلاثة ملايين جزائري، تمثل إيرادات سلعها الآتية في الغالب من البلدان الأسيوية في صدارتها الصين، 5,8 مليار دولار سنويا، وتمثل 13 في المائة من الناتج الوطني الخام خارج المحروقات. هذه الوضعية التي تحتل السلع المستوردة ما يعادل 4,5 في المائة من واردات الجزائر، والعاملون فيها يمثلون 35 في المائة من القوى الحية لا يمكن التخلص منها بالإجراء الردعي، لكن عبر تنظيمها بصفة تسمح بالحركية التجارية الأوسع وبإيرادات لخزينة في أشد الحاجة إلى توظيفها في خدمات واستحقاقات وما أكثرها. لقد أدت الرواتب الزهيدة البعيدة تماما عن الأسعار الملتهبة، الأسر الجزائرية إلى المداومة على الأسواق الموازية لاقتناء سلع بأثمان في المتناول عموما بالتفاوض مع البائع. وحتمت الشهرية الضعيفة على الكثير منهم اللجوء الاضطراري إلى الملابس المستعملة " فري بري"، وهو وضع لا يحتاج إلى تفسير، ويفرض تدابير استعجالية لإعادة السكينة للنفوس والاعتبار لها بعيدا عن التأويلات و الحسابات الظرفية.