«لا مزايدة سياسية على التاريخ» لم تكن الثورة التحريرية المجيدة معركة نصر فحسب، ولا حرب مصالح ضيقة، إنما كانت كما أراد لها المجاهدون والشهداء الأبرار أن تترسخ في ذاكرة الأجيال، ثورة مباركة لتحرير البلاد والعباد من محاولات الاستعباد وطمس الهوية، فكانت امتدادا لثورات ومقاومات شعبية أرخ لها التاريخ واستعانت بها الأمم في ضرب أرقى الأمثلة عن الحرية والتحرر. بغض النظر عما يحتاج إليه التاريخ من تثمين وإعادة الاعتبار ترسيخا للهوية والثوابت الوطنية، فإن الهجمات الشرسة التي يتعرض لها مراراً وتكرار رموز الثورة المجيدة، أصبحت أقرب إلى الوصف أنها محاولات همجية متعمدة لزعزعة أركان الدولة وضربها في قلب شرعيتها ومرجعيتها التاريخية المؤسسة على المبادئ النوفمبرية التي سطرها قادة وزعماء الثورة التحريرية المباركة، حيث تأتي مزاعم التشكيك وتحريف التاريخ بمثابة هجمات عنيفة تستهدف تاريخ الأمة وتقرأ كرد فعل مضاد للجهود المعلنة تثمينا لإعادة كتابة التاريخ وبناء مجتمع متماسك يعتز بمقوماته التاريخية. استفحلت مظاهر المساس برموز الثورة داخل المجتمع الجزائري مؤخرا، لاسيما من طرف شخصيات سياسية أو ناشطين في حقل الإعلام والأدب. وإن كانت مبادئ الدولة الجزائرية تنص في أسمى وثائقها التي يرتكز عليها قيام الدولة، على الحريات الفردية وكذا حرية النشر وحرية التعبير، إلا أنها تجسد أيضا مفاهيم الحفاظ على رموز الدولة وهوية الأمة ورموز ثورتها التحريرية المجيدة، هؤلاء ممن قضى بعضهم نحبه في سبيل تحرير الوطن من قبضة الاستعمار الغاشم أو مات وهو يحاول الدفاع عن مبادئ الوطن المؤسس على ركام من جماجم ورفات الشهداء. كل ذلك استخلصته «الشعب» من خلال اتفاق جميع من وقع عليه الاستطلاع، في كيف نحمي هوية الأمة ورموزها التاريخية والثورية من الهجمات المغرضة التي تستهدف ركائز وأركان دولة لم تشف بعد من جراحها وظلت محل استهداف لمؤامرات خارجية، منها المعلنة وتلك التي تبقى طي التخطيط الدنيئ. ردع التجاوزات في حق رموز الثورة أكد المجاهد الحاج منصوري، 74 سنة، مناضل في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني منذ 1956، على مستوى المنطقة الرابعة التابعة للولاية الخامسة التاريخية، والأمين الولائي لمنظمة المجاهدين بمعسكر حاليا، أن حالات الهجوم على رموز الثورة ليست وليدة اللحظة، لكنها أخذت أبعادا خطرة في السنوات الأخيرة، عبر محاولات التخوين أو تحريف الحقائق والوقائع. كما أشار الحاج منصوري، إلى أن المجاهدين تعرضوا للخيانة مرارا وتكرارا أثناء حرب التحرير من أبناء جلدتهم وهو يتساءل: كيف يسلم تاريخ الوطن من التشويه والتزييف من قبل من يحمل الضغينة للثوار؟. وبنَفَس منهك واصل الحاج منصوري حديثه ل «الشعب» عن المسار الذي واصله المجاهدون بعد الاستقلال خلال مرحلة التشييد والبناء والمرحلة الأمنية الصعبة في تسعينيات القرن الماضي، موضحا أنه يعتقد أن من يسيء إلى شريحة المجاهدين لم يجرب قسوة الليالي الحالكات في الجبال والفيافي، بل يكاد أن لا تكون له صلة ولا انتماء بالثورة المباركة. وأضاف منصوري، أن المجاهدين والشهداء أدوا ما عليهم وما بقي لا يعدو أن يكون سوى أمانة للأجيال وجب الحرص على حفظها والتمسك بها، من خلال ردع كافة التجاوزات في حق رموز الثورة التحريرية المباركة، لأن المغرضين ومن يحملون ضغينة ضد تاريخ الجزائر يحاولون، بحسب الحاج منصوري، البحث عن ثغرة يشتتون بها شمل صفوف الجزائريين وخلق الفتنة بينهم. أوضح الدكتور المختص في تاريخ الجزائر حمايدي بشير، أن المساس بالشخصيات الوطنية، سواء كان لها دور في الحركة الوطنية أو في مراحل الثورة المباركة، في مفهومه العام يعتبر دعما لجهود العدو بالدرجة الأولى. مؤكدا، أنه في حال التخصيص يجب تثمين المواد المنصوص عليها في الدستور التي يحتاج تجسيدها إلى ضوابط، من بينها إشراك متخصصين في المرحلة المدروسة أو الشخصية المراد الحديث عنها. كما يجب، بحسب حمايدي، مراعاة كافة الجوانب والتأثيرات المحيطة بالشخصية التاريخية حتى يوضع الحديث عنها في سياقه الصحيح، بعيدا عن المزايدة والمناقصة، الأمر الذي تفتقر إليه التحليلات والمرافعات الإعلامية حاليا حين يتم الحديث عن الشخصيات الوطنية والتي تكون أحيانا أحاديث من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالتخصص، محاولا القول إنه يجب ضبط الإعلام خلال تعاملاته مع المعطيات التاريخية، وأنه «لا مزايدة سياسية على حساب التاريخ». وبحسب الأستاذ الجامعي حمايدي بشير، فإن الوعي والالتزام السياسي والأخلاقي في الخطاب السياسي أمر لابد من مراجعته في هذا الصدد، باعتبار أن أغلب حالات المساس بالشخصيات الوطنية والثورية تصدر من شخصيات سياسية أو ذات تأثير اجتماعي. ورافع حمايدي في حديثه ل «الشعب»، لأجل ضبط قوانين تحد وتردع السلوكات السلبية التي تستهدف رموز الدولة وتاريخها المجيد، مادام الجانب القانوني واضح وقد وفر الأطر اللازمة للحد من محاولات تزييف التاريخ، إلى جانب عدم التقليل من شأن رجالات الدولة الذي يهدف عكسه إلى زعزعة الانتماء الوطني للثورة ويجعلها عاملا لدعم الأيادي المشككة والحاقدة على إنجازات الوطن، فضلا عن تمحيص الأقوال والتحقيق في المصادر والمراجع والحرص على مراجعة المناهج التربوية وتوظيفها لخدمة المواقف الوطنية وليس خدمة ظروف معينة. كما أشار حمايدي بشير، إلى ضرورة مراقبة ما يحاك من مؤامرات على الشبكات العنكبوتية وتشجيع ثقافة البناء والانتماء بأخذ ما هو إيجابي وعدم الارتكاز على أخطاء الأشخاص ودون نسبها للدولة أو طرف معين. في الموضوع أيضا، علق المحامي بلقرينات العربي جواد، على المساس برموز الثورة بالقول، إن المشرع الجزائري جرّم إهانة الهيئات النظامية والقضائية وكذا رئيس الجمهورية والمسؤولين ورموز السيادة الوطنية كالراية الوطنية وباقي رموز الدولة، لكن المشرع ذاته، بحسب المحامي، لم يتطرق بصفة مباشرة ومحددة إلى رموز الثورة، مشيرا إلى أنه يجب وضع نصوص قانونية تمنع أي شخص المساس أو إهانة رموز الثورة وتعرض المخالفين إلى العقوبة الجزائية.