يرصد البرفسور سيد أحمد بن روان المحاضر في المناجمنت الاستراتيجي والتنظيم بجامعة مينيسوتا الأمريكية والخبير الدولي، أهم المؤشرات الاقتصادية، وأبرز الإجراءات المتخذة، يتصدرها النموذج الاقتصادي والقرض السندي، التي تمّ إطلاقها خلال السنة الجارية، ومن المقرر أن تنقض بعد أيام قليلة، ويقف بالكثير من التحليل عند المكاسب المحققة، على ضوء اتفاق الجزائر التاريخي لدول منظمة «أوبك»، والآثار التي يمكن أن تفضي إليها على صعيد تماسك الأسعار، وكذا تقديراته حول السقف، الذي يمكن أن تستقر عليه أسعار النفط على المديين القريب والمتوسط.. «الشعب»: كيف تقيّمون الجهود المبذولة من أجل تماسك أسعار النفط، وإعادة توازن سوق المحروقات، على ضوء مساعي الجزائر، وتتويج لقاء سبتمير التاريخي بأرضية توافق، ثم تمّ تجسيد الاتفاق شهر نوفمبر في لقاء فيينا من أجل تثبيت تخفيض الإنتاج، الذي سوف يسري مطلع شهر جانفي الداخل ولمدة ستة أشهر.. وما هي توقعاتكم بخصوص السقف الذي سوف تستقر عليه الأسعار؟ - البرفسور سيد أحمد بن روان: جاء وقع اتفاق الجزائر بمثابة المفاجأة للأسواق النفطية، وحتى بالنسبة لأعضاء منظمة أوبك، ويعود الفضل في التوصل إليه إلى عدة عوامل من بينها الدبلوماسية الجزائرية ورصيدها التاريخي، إلى جانب أهمية الاعتراف بأن تأثر الدول اقتصاديا بفعل تراجع أسعار النفط، عجلت بالتتويج باتفاق الجزائر، أي جميع الدول بما فيها المنتجة والمستهلكة، كانت أمام حتمية السير بخطى ثابتة نحو أرضية التوافق. أما على صعيد الأسعار، يمكن القول بأنه في ظلّ استمرار فائض في الإنتاج والفائض المسجل على مستوى السوق، يبقى انتعاشها إلى مستويات أعلى جدّ صعبا للغاية، على الأقل خلال السنتين المقبلتين، وعلى اعتبار أن امتصاص تخمة العرض لن يتجسد إلا بانتعاش الحركة الاقتصادية في العديد من البلدان، في صدارتها الصين وكذا البلدان الأوروبية، لكن بعد السنتين المقبلتين، يتوقع أن يسجل الانتعاش المحسوس على مستوى الأسعار، لكن ليس بمستويات عالية، وإنما سيتراوح ما بين 60 دولارا للبرميل إلى 70 أو 80 دولارا، غير أنه خلال 2017 و2018 لن يرتفع كثيرا وسيبقى محصورا ما بين 45 و55 دولارا للبرميل. والجدير بالإشارة، أنه لا يمكن أن نغفل عن عامل جوهري، أثر كثيرا على تماسك الأسعار ويتعلق باقتحام الولاياتالمتحدةالأمريكية مجال الاستثمار في الغاز الصخري. ملامح النموذج الاقتصادي الايجابية ستتجلى بعد سنة من تطبيقه أطلقت الجزائر القرض السندي لمدة ستة أشهر، وأسفرت العملية عن جمع أزيد من 500 مليار دينار، وفي شهر أفريل الماضي جسد النموذج الاقتصادي الجديد، الذي يعوّل عليه في ترقية الإنتاج وتكثيف الاستثمار والتحرر من التبعية النفطية، عن طريق تنويع الاقتصاد الوطني.. ما رأيك في الجهود، وماذا تتوقعون أن تفضي إليه؟ - يمكن وصف عملية إطلاق القرض السندي بالمبادرة الايجابية، التي قامت بها الحكومة، لكن يجب الوقوف على غياب ثقافة القرض السندي، لدى المواطن والمتعامل الاقتصادي وأصحاب المؤسسات على حدّ سواء وأخذ ذلك بعين الاعتبار، وبالرغم من أنه تمّ تحصيل غلاف مالي معتبر من هذه العملية، غير أنه لا يعكس الإمكانيات الموجودة، أي توجد إمكانية لتحصيل رقم أعلى من ذلك المحقق، هذا من جهة ومن جهة أخرى، لو تصورنا أن عملية القرض السندي قد أطلقت منذ عقدين، فكل سنة كنا نحصل أموال معتبرة تحول للاستثمارات المنتجة، التي تخلق الثروة ولن نكون في حاجة لإيرادات النفط أو تحت قبضة البترول. وبالنسبة للنموذج الاقتصادي الجديد، الذي دخل حيز السريان منذ أشهر، يمكن القول إنه يصعب تقيمه في الوقت الراهن، حيث لا يمكن أن تبرز ملامح الايجابية إلى غاية سنة من بداية تطبيقه، والجلي في النموذج الاقتصادي أنه سوف يحرّر الاقتصاد الوطني من التبعية، وينقل مسؤولية خلق الثروة إلى المؤسسة الاقتصادية بدل الدولة، بل ويعول عليه في إعادة تنشيط دينامكية القطاع البنكي والمنظومة المصرفية بشكل عام، علما أن البنوك مازالت لا تلعب الدور الكبير المعوّل عليها، في إعادة تدوير القروض ورؤوس الأموال، وما ينبغي التفاؤل به إدراك صانع القرار وجود خطر في الاستمرار في التبعية النفطية والتحضير للخوض في تجربة تطرح البديل الحقيقي، ويمكن في هذا المقام الاستفادة من تجربة بعض الدول، التي سبقتنا في تجسيد نموذج اقتصادي تنموي، حتى نتحرّر من تبعية المحروقات بشكل نهائي. «يفضي لبعث المشاريع الاستثمارية» لاشك أنه مما عزّز الحياة الاقتصادية، تعديل قانون الاستثمار مع الحفاظ على القاعدة 49 / 51 في المشاريع الإستراتجية وتضمنه على العديد من التحفيزات.. هل من شأن هذا أن يشجع في استقطاب الاستثمار؟ - أعتقد أن التعديلات التي أدرجت في قانون الاستثمار، بمثابة التغيير الجذري الذي يكتسي أهمية والمكسب الذي توّجت به المنظومة التشريعية، خاصة ما طرأ من تعديلات حول القاعدة الاستثمارية 49 / 51 ومحافظتها على المشاريع الاستثمارية، ويتوقع أن يسمح ذلك ببعث المشاريع الاستثمارية واستقطاب الاستثمار الأجنبي بشكل أكبر، لأنه يتضمن على العديد من المؤشرات الإيجابية، ويضاف إلى كل ذلك التحفيزات العديدة، التي جاء بها هذا النص التشريعي، ويتعلق الأمر بكل من التحفيزات الجبائية منها والعقارية وكذا توفر المرافقة والدعم من طرف الدولة. على ذكرك للتحفيزات العقارية.. هل من شأنها أن تسرع من وتيرة استحداث النسيج المؤسساتي الاقتصادي المكثف؟ - توفير العقار للمستثمرين يندرج ضمن النموذج الاقتصادي الجديد، ولعلّ توفره في العاصمة وكذا الولاياتالشمالية، حيث تتمركز الكثافة السكانية نوعا ما صعبا، لكن في باقي ولايات منطقتي الهضاب والجنوب، نقف على مشكل كيفية التعامل مع العقار الصناعي، وجاء النموذج الاقتصادي ليسمح بخلق حظائر اقتصادية، ويسمح كذلك للمستثمر باستعمالها في مزاولة نشاطه الاقتصادي، غير أنه تبقى صعوبات أخرى مثل أهمية تهيئة العقار، والبلديات والولايات مطالبة بتهيئة العقار الصناعي، حتى يسرع من وتيرة ميلاد المشاريع، حيث بقدوم المستثمر ينطلق مباشرة في تجسيد مشروعه ولا يضطر لاستغراق سنتين لتهيئة العقار، ونحن في حاجة ماسة إلى تسريع العملية الاستثمارية في الوقت الحالي. ما رأيك في أهم المؤشرات التي جاء بها قانون المالية 2017؟ - قانون المالية أدرج قرارات صعبة، ولكنها ضرورية في ظلّ الظرف الاقتصادي الصعب، في صدارتها الزيادة في بعض الرسوم والأسعار مثل أسعار البنزين، ولأن هذا من شأنه أن يرفع من نسبة التضخم، لكننا كنا ننتظر كخبراء أن يتطرّق هذا القانون المهم للدعم الذي حان الوقت ليفتح للنقاش حوله، حتى يذهب الدعم الاجتماعي للشرائح المعنية به ولا يستفيد منه الغني والفقير، وبخصوص السعر المرجعي للنفط، فإن الخيار جيد، ويسمح ذلك باستفادة الدولة من أي زيادات قد تشهدها أسعار النفط، إلى جانب ضبط لنفقات المؤسسات بل ويجعلها تنفق من قدراتها الحقيقية. القطاع البنكي مازال في حاجة إلى إصلاحات عميقة هل عملية ضخّ القروض لتمويل الاقتصاد، أي لفائدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كافية؟ - كما هو متفق عليه لا يمكن أن يتحرك الاقتصاد بدون تمويل، ولن ينتعش من دون قروض، وتنشيط الاقتصاد يحتاج إلى ضخّ مستوى معتبر من القروض، ومازال القطاع البنكي لدينا في حاجة إلى إصلاحات عميقة، وكون الاقتصاد مازال يحتاج إلى تمويلات معتبرة. كيف تقيّمون أداء المؤسسة الإنتاجية الخاصة؟ - أعطى التحول الاقتصادي بفعل العولمة حيزا واسعا وفضاء كبيرا للمؤسسة الاقتصادية الخاصة، لكن في الجزائر آنذاك لم يكن الاقتصاد مهيأ للقطاع الخاص كي يتولى مهمة إطلاق القيمة المضافة وخلق الثروة، وواجه القطاع الخاص البيروقراطية، وكان الإنتاج مطالب بالكثير، مثل تحقيق الجودة والتقليص من تكلفة الإنتاج وكل ذلك كما هو متعارف عليه لن يتحقق بسرعة، ويجب أن يندرج ضمن نسق اقتصادي معين، حتى لا يكون ضغطا على المؤسسة الإنتاجية، ويجب أن نسلط الضوء على أن بعض المتعاملين الاقتصاديين يهتمون أكثر بالربح ويهملون بذلك الجودة وتكوين الموارد البشرية والسير نحو تطوير المؤسسة، وتواجه الجزائر اليوم، تحدي التركيز والنهوض بفعالية أداء المؤسسة الخاصة القادرة على استحداث الثروة ومناصب الشغل، على اعتبار أن القطاع الخاص مازال لم ينضج جيدا، كونها عملية مهمة في اكتمال الدورة الاقتصادية. نظم منتدى الاستثمار والأعمال الإفريقي بالعاصمة، وتستعد الجزائر لاقتحام الأسواق الإفريقية.. ما هي الحظوظ وأسرار التموقع؟ - كانت التفاتة جيدة، وضروري أن تهتم المؤسسة الجزائرية بإفريقيا، كونها أكبر قارة ناشئة، ومتوسط الربح عبر أسواقها مازال عاليا، ولذا يجب الخروج من أي نقاش سطحي، حتى لا يهمل الهدف الاستراتيجي للمؤسسات الإنتاجية، وهي مطالبة بالتحرك في تنظيم الرحلات وعرض منتجاتها والمشاركة في المعارض وبناء العلاقات مع الشركاء الأفارقة، ومن ثم تجسيد الاتفاقيات على أرض الواقع.