تقييم العملية أمر ضروري والمواطن معني بإنجاح النموذج الاقتصادي يقف الدكتور امحمد حميدوش خبير اقتصادي بالكثير من التحليل وبنظرة معمقة، على عملية اكتتاب القرض السندي قبل أيام قليلة من انقضاء ستة أشهر على إطلاقها وإمكانية غلقها بانتهاء الآجال المحددة، ويخوض برؤية استشرافية في مجال رهانات إرساء النموذج الاقتصادي الجديد وكذا تحديات ترقية الاستثمار وتوسيع أفق جذبه لبناء نسيج مؤسساتي كثيف ذي تنافسية من شأنه أن يخلق الثروة ويسرع من وتيرة النمو. كل التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته «الشعب» مع الخبير حميدوش. الشعب: تقترب عملية اكتتاب القرض السندي للتطور الاقتصادي على نهايتها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما تقييمكم للتجربة، وهل تتوقّعون تمديد آجالها المحددة بمدة ستة أشهر؟ الدكتور امحمد حميدوش: القرض السندي أو السندات الحكومية عبارة عن اقتراض لفائدة الدولة، حتى تضمن مداخيل أو إيرادات تكون محدّدة مبدئيا من حيث السعر أي (مبلغ الاكتتاب وسعر الفائدة) ومن حيث مدة الاكتتاب وكذا مكان التداول المتمثل في البورصة وحتى من حيث الحجم المالي (عدد السندات في سعر تداولها) ولكن في غياب الهدف المحدد لهذا الاكتتاب والذي قد نلخصه في الحجم المالي الذي لا يمكن معرفة ما إذا تحقّق هذا الهدف أو أهداف أخرى مثل تحسيس الأسر والمؤسسات على توظيف ادخارهما، وبالتالي وزارة المالية الممثلة بالمديرية العامة للخزينة الجهة الوحيدة القادرة على تقييم ما تحقّق. الملاحظ أن القرض السندي عملية مؤسساتية لا يجب أن يطالها الطابع الشعبوي، علما أن الصكوك الإسلامية من الحلول ولكن تتطلب إصلاح في التشريعات والتنظيمات (النقد والقرض، السوق المالي والضرائب، الجنائي...إلخ)، أما فيما يخص تمديد الآجال في اعتقادي أنه من الأفضل غلقها والقيام بالحصيلة، وفي حالة الحاجة إلى إيرادات أخرى يمكن فتح كل شهر اكتتاب إلى 3 اكتتابات للسندات قد تختلف من حيث المحددات التي ذكرناها سابقا (الحجم والسعر وآجال الاكتتاب والنضج) تثمين المبادرة الاقتصادية كيف تقيّمون الإقبال على الإكتتاب، هل كان أكبر من طرف المواطنين أو المؤسسات العمومية أم الخاصة؟ الإكتتاب على مستوى الأسر (المواطنين) ينحصر عند فئة قليلة لها من الادخار ما يجعلها في غنى عن الحاجة، لاستعمال النقود ولكن تبقى مثل صناديق الادخار والتأمينات والتقاعد في حاجة إلى توظيف الادخار وكذا المؤسسات الاقتصادية التي تحبس بعض الأموال على شكل مدخرات، أي تحجز أموال كل سنة لإعادة تمويل استثماراتها من آلات الإنتاج ومعدات نقل، التي تتطلّب على العموم خمس سنوات من حبس رأس المال، ولكن في غياب السيولة الخاصة بالقرض السندي، يصعب أن يكون محل الإقبال للعام والخاص، حيث السيولة تعني القدرة على بيعه في أي وقت في السوق، لأنه في الوقت الحالي لم تعد الأسر والمؤسسات تكتفي بالعائد الذي يترتب عن القرض السندي، وإنما القدرة على بيعه في أي وقت مع الاستفادة من الربح، الذي يمكن الحصول عليه من خلال المضاربة، في ظلّ غياب سوق مالي (بورصة) مفتوحة على العالم، لأنه لو كان هذا هو الحال فإنني متأكد أن كل السندات التي تطرح تشترى بالعملة الصعبة وتباع بالعملة الصعبة. هذا يعني أنني أكون شخصيا أحد المستفيدين من هذه العملية (إكتتاب) لأنني متيقّن من أن أسعار الفائدة المطبقة حاليا للقرض السندي الجزائري لا يمكن أن ينافسه أي اكتتاب في سوق مالي في العالم، وبالتالي سوف أجني شخصيا أرباح مباشرة، بالإضافة إلى سعر الفائدة وهذا الكل يكون بالعملة الصعبة، وهذا ما يتركني أقول بأن المنظومة المالية تحتاج إلى إصلاح بغية تثمين المبادرة الاقتصادية. بدو أن خطوة تحويل سيولة القرض السندي إلى استثمار منتج، يعد التحدي الأكبر فما هي الخطوات الناجعة لبلورة الأموال في مشاريع تنموية حقيقية؟ تحويل السيولة إلى استثمار منتج مفهوم خاطئ، لأن القرض يعد إحدى المداخيل للدولة بالإضافة إلى الجباية البترولية والجباية العادية والديون من المؤسسات المالية الدولية ومداخيل أخرى للخزينة، مثل أرباح الشركات العمومية الموزعة وفوائد القروض المودعة لدى المؤسسات المالية الدولية ..الخ وليس بالضرورة أن نقول هذا المبلغ يوجه لتسيير وهذا المبلغ يوجه لتجهيز (الاستثمار) وهذا مبدأ ميزانية الدولة، حيث لا تخصص إيرادات لتمويل نفقات معينة، وهذا ما يظهر في كل قوانين المالية بعد تقدير المداخيل المتوقعة للخزينة ويتم من بعدها تقييم النفقات بدون تحديد مصدرها. هل نجح اكتتاب القرض السندي في امتصاص ألاموال المتداولة في السوق الموازية؟ الأموال المتداولة في السوق الموازي على العموم مخصصة للتجارة في الجملة والتجزئة وتحقق ربحية تفوق 100% وقد تصل في بعض السلع والمواد إلى 300%، بالإضافة إلى حصدها نسبة 17% المبلغ المخصص لدفع الرسم على القيمة المضافة وبالتالي تعدّ أرباح كبيرة خالية من الضرائب والرسوم، بينما الاكتتاب قد يحقّق فائدة في أحسن الأحوال تعادل 5,75% وخاضعة للضرائب مع العلم أنه لا يمكن تحصيل هذه الفائدة إلا بعد نضجها، أي مرور سنة بصفة دورية، بينما القطاع غير الرسمي يجمع ربحه في مدة قد لا تتجاوز الشهر وفي بعض الأحوال الأسبوع وحتى اليوم والساعة. إصلاحات إستراتيجية في هيكل الاقتصاد دخل النموذج الاقتصادي الجديد الخدمة، إلى أي مدى يمكن للقرض السندي أن يدعم تجسيد أهداف النموذج الجوهرية، من إنعاش للاقتصاد والانفتاح الحقيقي على الاستثمار لخلق الثروة وامتصاص البطالة؟ عندما نتحدّث عن نموذج اقتصادي، يعني هذا أننا سوف نغير في سلوكنا وتفكيرنا وأعمالنا وأن تتوافق العقلنة لتتقارب في اتجاه يخدم المصلحة العامة، وكلمة جديد يعني أننا نتوجه نحو إصلاح أو إصلاحات يتحتم علينا جميعا فهمها وإن محاورها تكون على شكل مبادرات إصلاحات إستراتيجية، تخصّ هيكل الاقتصاد الوطني والتي قد تتمحور بالدرجة الأولى حول تطوير الرأسمال البشري، ثم تحديد مدى وزن ما تساهم به الدولة في الاقتصاد وتوطيد المالية العامة، بغية تحقيق العدالة في دفع الضرائب وتوزيع الثروة والاهتمام الكبير بالمعايير والقياسات لضبط وتحديد ميزان النوعية والتنافسية وحجم الخوصصة، ليس من منظور إيديولوجي وإنما لتمكين المؤسسات الاقتصادية من جمع الادخار الوطني والعالمي والاعتماد على الكفاءات الوطنية والدولية لغزو الأسواق العالمية. وبالموازاة مع ذلك يجب تقليص الفوارق من خلال تحسين الدخل لدى الفئات الضعيفة المحددة جغرافيا، وكل هذا يتطلب تحديد القطاعات المعنية والتي سوف يتولد عنها نمو جديد (محركات النمو)، وبالتالي بروز عدد معين من المشاريع ذات الأولوية وأخيرا المال الذي يموّل كل ذلك وبالتالي النموذج الاقتصادي الجديد، الذي يجب أن يكون محل اهتمام المواطنين، لأنه من يصنع مستقبلنا. اللجوء إلى المديونية خيار غير محبّذ في الظرف الراهن هل يمكن القول، إن قرار اللجوء إلى المديونية الداخلية والامتناع عن الخارجية، عزّز من التوازنات الاقتصادية ولديه آثار على المديين المتوسط والطويل؟ بالنسبة للمديونية الداخلية، علينا أن نحدّد من صاحبها ويجب وضع مستقبلا الفارق بين الإدارات العمومية والجماعات المحلية من جهة ونسبتها بالمقارنة مع الدخل القومي مع الرصيد للميزانية السنوية والرصيد العام لتنفيذ الميزانية و مقارنتها مع السنوات السابقة ومدى وزنها في المالية العامة، أي نسبة الدين في تمويل الميزانية ومدى عجز الميزانية من جهة أخرى. وأرى بأنه في غياب حائط الميزانية (مبلغ العجز الأقصى) مثلما الحال في ميزانية الولاياتالمتحدةالأمريكية والذي يفوق 15 ألف مليار دولار أو معيار التقارب الأوربي، الذي يفرض نسبة العجز بأن لا تتجاوز 3% من الدخل القومي سنويا، وإن تراكم هذا العجز لكل السنوات السابقة لا يتجاوز 60% من الدخل القومي. بالتالي، هذا مازلنا نفتقده في ميزانيتا مثل الدول العربية وفي غياب الانضباط في الميزانية (النفقات)، حيث كان صندوق ضبط الموارد، من يضمن هذا العجز والذي أصبح يستحيل مستقبلا والذي قد يتجاوز 20 مليار دولار سنويا، وبالتالي حان الوقت لوضع سقف للعجز الميزانية في قانون المالية لهذه السنة، حتى لا يتجاوز هذا العجز 6 مليار دولار. أما بالنسبة للمديونية الخارجية فهناك لبس يجب فهم بأن المديونية الخارجية التي يقوم بها القطاع الخاص والتي تختلف مصدر ضمانها فهي لا خوف عليها لأنها في النهاية تحمل استثمارات سوف تنجز في الجزائر وقدر يربحان أو يخسران معا (الممول الأجنبي والمستثمر المحلي) ومهما كان الحال الجزائر رابحة لأنه لا يمكن نقل هياكل وعقارات إلى الخارج. أما بالنسبة للمديونية الخارجية الحكومية لا يمكن الحكم عليها بالمجدية وغير المجدية لأن لكل وقت ظرفه الاقتصادي والمالي سواء من كساد أو نمو، بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الجو سياسية والإستراتجية ويبقى من الضروري تقييم كل هذه المتغيرات المعقدة لأخذ القرار الصحيح لأن هناك بعض الحكومات تلجأ إلى مديونية بأسعار فائدة أقل من أسعار التي تقوم هي بدورها في إقراضها لهيئات حكومية ودول، هدفها قد يكون مالي وسياسي لتوطيد النفوذ وبالنسبة لسؤالك فإن الامتناع عن المديونية الخارجية في الجزائر وفق السياق الحالي هو ايجابي.ما توقعاتكم لمرحلة ما بعد القرض السندي، كيف هي المؤشرات في اعتقادكم؟ ^^ الحديث عن مرحلة ما بعد القرض السندي يعني التطرق إلى المستقبل الذي يعد دون شك نعمة، على اعتبار أنه غني بالفرص والماضي كذلك نعمة كونه غني بالدروس والتجارب وبالتالي سنة 2016، ضاعت للجزائر فرصة رفع الإنتاج في البترول، لكن حتى نتدارك تراجع الأسعار لأسباب عديدة وهذا ما يعني أنه يجب أن نستدرك كل ذلك سنة 2017 في مادة الغاز الطبيعي، علما أنني أتوقع زيادة في أسعار الغاز (أكثر من1,5% دولار أمريكي للواحد مليونBTU) بالمقارنة مع السنة الماضية ويمثل هذا المؤشر المرتقب فرصة لتحسين مداخيل الجزائر للسنة المقبلة، من 3 إلى 6 مليار دولار مقارنة مع السنة الجارية. استقطاب الكفاءات الأجنبية تمّت مراجعة قانون الاستثمار، هل يمكن للتعديلات أن تساهم أكثر في تحفيز المتعاملين الوطنيين والأجانب؟ أعتقد أن إصلاحات الاستثمار تعني بالدرجة الأولى التفكير في جاذبيته، وهذا ما يتطلّب خطة حكومية على المدى المتوسط، تبدأ من قطاع التكوين أي (التربية والتكوين المهني والتعليم العالي) لتكون موجهة للمهن المستقبلية، ثم تبنى سياسات موجهة لتنوع القطاعات، وتحسين الإنتاجية وتوفير اليد العاملة المؤهلة وفتح السوق، ليصبح جذابا وتنافسيا وقادرا على إعادة التصدير ما تمّ إنتاجه واستيراده بكل مرونة وتحسين هياكل النقل (لا سيما مجال النقل بالسكك الحديدية والطيران)، لتصبح الجزائر منطقة عبور للسلع والأشخاص، نحو مختلف القارات بحكم موقعها وتوسيع هياكل الاتصال وإنشاء أقطاب جامعية لها مكانة عالمية وربطها بمراكز البحث والتطوير، واستقطاب المهارات العلمية وتشجيع شركات (Start up) التي تقدم الحلول والعمل نحو توجه جديد من الأقطاب الصناعية إلى الأقطاب التنافسية، التي ترتكز على الإبداع من خلال الربط مع الجامعات الوطنية والدولية وإعداد ورقة الطريق التي بموجبها تقدر حجم الضرائب، التي سوف يتم تقديمها على شكل مزايا للقطاعات المحسوبة وتتعلق بكتلة الأجور وقروض الضرائب الموجهة للبحث والتطوير وإعادة صياغة قانون خاص بالبحث العلمي وقانون العمل وقانون التقاعد والقانون الخاص ببراءات الاختراع وتحديد الشركات المبدعة والقطاعات الواعدة والتحضير لإنجاز مدن حضرية عصرية تمكن من العيش الهادئ وتوفر فيها كل متطلبات الرفاهية، حتى تستقطب الكفاءات العالمية وإنشاء أوسمة (label) على شكل معيار، يجب أن تحافظ عليه هذه المناطق الحضرية، إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيات الحديثة من خلال تحديد المبالغ، التي تقدمها الدولة على شكل مخططات وتحسين مناخ الاستثمار وفق نظام التسهيل والتبسيط والوصول إلى تقليل كلفة العمل وعولمة الاقتصاد وفتح مسابقات خاصة بصناعة المستقبل ومرافقة الاستثمارات الناجحة للمشاركة في المعرض العالمي للتكنولوجيات الذي يقام في (Las Vegas) وإعداد قانون خاص لتحسين المساواة للفرص الاقتصادية ومشاريع القوانين والبرامج الخاصة بالرقمنة والانتقال الطاقوي والقوانين الخاصة باستقطاب الكفاءات الأجنبية وقانون الهجرة والجنسية والطاقة والمناجم والقوانين والتنظيمات الخاصة باستثمارات المقيمين بالخارج وقانون النقد والقرض، وكل ما يتعلّق بتحويل ونقل العملة الصعبة من وإلى الخارج، وإعادة النظر الكلي في السوق المالي والمنظومة البنكية والاهتمام بمخزون الاستثمارات الجزائرية في الخارج وكذا الاهتمام بالتصنيفات العالمية بغية تحسين التصنيف وتقبل التحكيم الدولي.