رحل شوقي مدني فجأة، اختطفته يد الموت، وهو الذي كان يمني النفس بالعمر الطويل، لم أكن قد التقيت به منذ مدة طويلة بعد أن كان قد زارني في مكتبي وكان يحدثني عن أحلامه وآماله العريضة. كان حديثه حديث طفل بسيط رغم ضخامة جسده، لم يكن يتوقف عن الحديث في السياسة، في الأدب، في الإعلام، كان حديثا شاملا مسترسلا، وكأنه يخاف من أن تتوقف الكلمات في حلقة. كان سعيدا رغم صعوبة الحياة، وفرحا رغم أحزان الإعلاميين الجزائريين وما أكثرها. كان يقول أن من لم يمت برصاص الإرهاب وخنجره لا يموت أبدا، هل كان يحلم؟ أم كان ينتظر الموت المفاجىء على سيارة الإسعاف ؟ هكذا كان شوقي الإنسان البسيط المتواضع الأخ والصديق. حين أخبرني زميلي سعيدي بموته المفاجىء تذكرت كم هو جبان الموت لأنه لا يخبر أحدا بموعد وصوله، الموت جبان غادر، يأتي الإنسان دون أن تكون له الشجاعة لإعلان موعده أو لحظة وصوله. لا يحزنني سماع خبر الوفاة بقدر ما تحزنني ذكريات من رحل . يرحل الميت إلى مثواه الأخير وترحل روحه الى الملكوت الأعلى، لكن ذكرياته تبقى تحفر يوميا حفرا عميقة في القلب الصغير. شوقي هو اليوم الأخير في قائمة الصحفيين وغدا سوف يفاجئنا الموت الجبان بشخص آخر، هكذا نحن رجال الإعلام نمضي الواحد تلو الآخر، نطوي الزمن عوض أن يطوينا، ننطوي على أنفسنا قبل أن نموت. لم يمت شوقي في أكبر المستشفيات ولا في أفخم الفنادق ولا فاجأه الموت بين ذويه وخلالهم بل فاجأه في غرفة ضيقة من غرف فندق الصحفيين، حيث السكن المؤقت لكل المعذبين من رجال ونساء المهنة. مات شوقي المدني وما تت معه الأحاسيس الكثيرة، الموت غادر لا يرحم، ونحن شهود نتساقط كحبات المسبحة الواحدة تلو الأخرى، لم يحزنني الموت لكن ظروف الحياة اليومية هي التي تحزنني. رحمك الله يا شوقي وما أشد شوقي للذين غيبتهم عنا الموت مرة أخرى الموت جبان رعديد رغم جبنه إلا أنه قاهر ظالم للأحياء قبل الأموات