تغمر ربوع ولاية سكيكدة أجواء رمضانية متميزة، حيث يمثل هذا الشهر الكريم بأيامه ولياليه للعائلات، فرصة سانحة للتضامن والتراحم فيما بينهم، حيث تجتمع الأسر حول مائدة إفطار واحدة مليئة بالأكلات والأطباق التقليدية منها والعصرية، لمد أواصر التسامح وجسور الأخوة. مباشرة بعد الانتهاء من الفطور تتوجه العائلات التي لا تزال متمسكة بتعاليم دينها، مباشرة إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، ومنهم من لا يفوت فرصة المشاركة في مسابقات حفظ القرآن، وبعد الانتهاء تتبادل العائلات الزيارات وتتجاذب أطراف الحديث، في أجواء حميمية يطبعها وجود موائد مميزة بالحلويات التقليدية مثل المقروط والقراقش وكذا الفلان والشاي، وهناك حلويات لا يجب أن تغيب عن مائدة السهرة مثل الزلابية، في حين يفضل البعض منهم خاصة الشباب قضاء سهراتهم في المقاهي، فأماكن الترفيه شبه منعدمة خصوصا ليلا. ويعرف وسط مدينة سكيكدة خلال ساعات الليل من شهر رمضان، ازدحاما مروريا وحركية للعائلات إلى غاية الساعات الأولى من الصباح، حيث يتهافت المئات من المواطنين على المحلات التجارية من أجل التسوق، خصوصا في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل، أما بالقرب من الملعب البلدي بحي 20 أوت 55 فيسجل ازدحاما مروريا كبيرا منذ بداية شهر رمضان، لكن الأمر يتفاقم خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما استدعى حضور مصالح الأمن لتنظيم المرور بنقطة الدوران الواقعة بالمكان. ويشتد اختناق الحركة المرورية خاصة عبر الشارع الرئيسي ديدوش مراد أو طريق الأقواس وذلك على مدار اليوم، وما يزيد الطين بلة كون المركبات تصطف على حافتي طريق الأقواس وسط المدينة دون حراك لمدة طويلة رغم أن هذه الطريق ضيقة ولا تستوعب هذا الكم الهائل من المركباات ما يعرقل حركة المرور خصوصا في فترة بعد الظهر عندما يشرع الكثير من السكان في الذهاب للتسوق وسط المدينة في ظل الارتفاع المحسوس في درجات الحرارة، وكذا معدل الرطوبة. ووجد بعض الشباب في توافد العائلات فرصة لكسب بعض المال، حيث أصبحوا يقومون بكراء سيارات كهربائية صغيرة مخصصة للأطفال على مستوى بعض الساحات مقابل مبالغ قليلة، في وقت يظل فيه التوافد الأكبر على محلات بيع الملابس ومحلات المثلجات، أما المقاهي فتعرف هي الأخرى إقبالا كبيرا، خصوصا بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، حيث تعج بالمواطنين للجلوس وتبادل أطراف الحديث، وأحيانا من أجل متابعة مقابلات كرة القدم. كما يشهد ميناء سطورة حركية غير عادية خلال السهرات الليلية، حيث يتحول إلى قبلة للعائلات من مختلف أحياء المدينة،فهي فرصة مواتية للتنزه والاستمتاع بنسمات البحر، فبعد أن تتناول العائلات وجبة الإفطار وفروغ المصلين من صلاتي العشاء والتراويح، تبدأ الحركة على مستوى ميناء سطورة تتزايد شيئا فشيئا، حيث يشهد الأخير توافد المئات من العائلات من مختلف المناطق، أين يتراءى للزائر الوفود البشرية التي تجوب مختلف أماكن الميناء مشيا على الأقدام، فالتمتع بنسمات البحر وروعة المكان تنسيهم جزءا كبيرا من الضغوطات اليومية، وتلجأ بعض العائلات لتناول المثلجات والمرطبات أو الشاي والمكسرات في المقاهي والمطاعم الموجودة بالميناء، ورغم ما سبق إلا أن بعض النقائص لا تزال تؤرق الوافدين على الميناء ويؤكدون أن هذا الصرح يمكن له أن يتحول إلى قبلة سياحية وعائلية أولى في الولاية. للإشارة، السلطات الأمنية الولائية قامت بإجراءات خاصة لتأمين ميناء سطورة، حيث تم تسخير قوات شرطة من الفطور إلى غاية السحور لتأمين العائلات المتوافدة للميناء. الإفطار على رمال الشّواطئ يتحوّل إلى عادة وليس ببعيد تتحول شواطئ مدينة سكيكدة قبيل ادان المغرب، إلى أماكن للإفطار لبعض العائلات، بسبب موجة الحر التي تنتاب المنطقة خاصة أن الشهر تزامن مع بداية موسم الاصطياف، حيث يتجنب المواطنون الخروج نهارا، فتصبح الأحياء شبه فارغة من شدة الحر، لتخرج من هدوئها إلى الصخب والحيوية ليلا، فتجد العديد من الأشخاص يتجهون مباشرة بعد الإفطار إلى الشواطئ. ولا يقتصر ارتياد الشواطئ على الرجال وحسب، وإنما الأمر يتعدى إلى العائلات، التي وجدت ضالتها هناك، بل العديد منها وجدت ضالتها في الإفطار على الرمال، خاصة في ظل انتشار الأمن عبر الشواطئ، وهو الأمر الذي استحسن من قبل الوافدين على امتداد شواطئ سطورة بسكيكدة، حيث لاحظنا وجود عشرات وهي تصطحب طعام الإفطار هربًا من حرارة المنزل، لتنعم بنسمات هواء عليل، ومياه منعشة. كما يتزايد الإقبال على المثلجات منذ أول يوم من شهر رمضان لتزامنه هذه السنة مع فصل الصيف الذي يتضاعف فيه عادة استهلاك المثلجات، والملفت هده الأيام الأخيرة من شهر رمضان إقبال الصائمين على تناول المثلجات مباشرة بعد الإفطار، ممّا أدى في الكثير من السهرات إلى نفاد ه بسرعة من بعض المحلات بمدينة سكيكدة، خاصة أمام مغادرة عدد كبير من العائلات لبيوتهم للتنزه والاستمتاع بوقت يقضونه في تناول الحلويات وخاصة المثلجات التي احتلت الصدارة في مبيعات ليالي رمضان. وأصحاب محلات هم المستفيد الأكبر من الإقبال المتزايد للمواطنين على شراء المثلجات، حيث أكد بعضهم أنها تنفذ سويعات قبل الإفطار، كما يقول صاحب محل لبيع المواد الغذائية «الصائمين في رمضان يفضلون عادة الحلويات التقليدية أو الحلويات الأخرى كحلوة الترك وغيرها، لكنني لاحظت أن المثلجات هي الأكثر طلبا في رمضان خلال السنوات الاخيرة، حيث تشهد إقبالا كبيرا عليها ساعات قبل الإفطار فتنفذ كل الأنواع بسرعة». ومن خلال جولة قامت بها جريدة «الشعب» بمدينة سكيكدة بعد الإفطار وجدت أن العديد من العائلات السكيكدية تغادر بيوتها نحو الشارع ليلا، حيث يجد فيه الكثيرون مبتغاهم، على الأقل من حيث تغيير الجو مشيا على الأقدام قبل الوصول إلى محلات بيع المثلجات، التي احتلت الصدارة في مبيعات ليالي رمضان الساخنة، وحافظت على شعبيتها بالرغم من التغييرات التي أدخلها شهر الصيام على الكثير من العادات الصيفية للمواطنين، حيث أصبح «كورنيش سطورة» ملاذ العائلات بالإضافة إلى المحلات المتواجدة بمختلف، أحياء المدينة بحي الممرات و20 أوت 55، أو «بالكور» وسط المدينة القديمة. وأنت نتجول في شوارع ديدوش مراد «الأقواس» تلاحظ الديكور الذي صنعته ملابس العيد في المحلات، حيث تدب الحركة في الشوارع وخارج البيوت والمساجد بصفة خاصة في النصف الثاني من رمضان، وتتميز بحركية مميزة واستثنائية، استعدادا للاحتفال بعيد الفطر، كما تنشط المحلات التجارية والأسواق إلى ساعات متأخرة من الليل، مشهد يجمع بين التجارة والتجوال والسهر، وتحرص العائلات على شراء لباس جديد لأفرادها، وخاصة الأطفال الصغار بمناسبة العيد. هواية الصيد بالصنارة ملاذ الكثير من الشباب في الشّهر الكريم وللصيد بالصنارة حكاية أخرى مع الشباب السكيكدي فهي هواية بامتياز، تمارس طيلة ايام السنة، إلا أنها بالشهر الكريم لها ميزة خاصة، وذلك لملء أوقات الفراغ في انتظار آذان المغرب، فعلى طول كورنيش سطورة، والجهة الشرقية من المدينة بطريق الماعز وشاطئ العربي بن مهيدي، تجد الشباب والشيوخ مصطفين في شكل طوابير حاملين صنارتهم حديثة كانت أم تقليدية وهم يرمون بخيوطهم في انتظار ما يصطادونه، وذلك ليس فقط لشغل الوقت في انتظار آذان المغرب وإنما للراحة والاسترخاء والاستمتاع بنسمة البحر خصوصا في أيام الحر، وتجد هؤلاء المهوسين بالصيد في أغلب الأحيان بعد صلاة العصر يتوافدون أفواجا على الشواطئ الصخرية بالأخص، ليختار كل واحد منهم مكانا، ومنهم من يختار النزول إلى الشاطئ. انتشار ظاهرة موائد الإفطار بمختلف الأحياء والمساجد ولم يعد تنظيم موائد الإفطار الجماعي مقتصرا على المدن الكبرى وبعض الأحياء السكنية، فقد انتقل إلى قرى ومداشر بلديات الولاية، حيث عرفت الكثير منها منذ بداية الشهر الفضيل تنظيم موائد إفطار جماعي استقطبت عددا كبيرا من سكان تلك المناطق، إضافة الى العديد من المساجد التي نظمت فوائد افطار الصائمين على غرار مسجد الشهداء وعلي الادب بوسط المدينة، وعاشت ساحة أول نوفمبر»لابلاس» ليالي رمضان للإنشاد والمديح في طبعة جديدة، وهذه التظاهرة المنظمة من طرف جمعية المنار الفنية والثقافية شارك فيها أحسن المنشدين من داخل الوطن، وقد استمتع الجمهور على مدار 5 ليالي متتالية بهذه التظاهرة التي تليق بشهر رمضان، حيث كان الموعد مع أعذب أصوات المنشدين الذين كشفوا عن قدرات صوتية في أداء الأناشيد والمدائح. وقد وضعت مديرية الثقافة للولاية برنامجا فنيا وثقافيا بسهرات شهر رمضان الكريم، واحتضنت تلك الفعاليات قصر الثقافة والفنون ودار الثقافة، بأحياء السهرات الرمضانية لنجوم الأغنية الجزائرية في الشعبي والأندلسي والمالوف إضافة الى برمجة العديد من العروض المسرحية من مختلف ولايات الوطن، التي عرفت توافدا كبيرا من محبي الشأن الفني والثقافي، كما كانت ساحة اول نوفمبر المعروفة ب «لابلاس» تظاهرة ليالي رمضان للإنشاد حيث كانت سهرة متميزة بتنشيط من المنشد الشيخ أبومحمود الترمذي من الأردن والمنشد الجزائري أبو المجد رافقتهما فرقة المنار الإنشادية، كما تمّ تكريم أقدم المؤذنين في مدينة سكيكدة وتكريم الشيخ الترمذي، وإطلاق الطبعة الثامنة لحفظ القران الكريم في أجواء رمضانية متميزة بالمكتبة البلدية العيدي بوصوف، والمنظمة من قبل جمعية لجنة الحفلات لبلدية سكيكدة، والتي تعرف إقبالا كبيرا من رواد المساجد والمهتمين بحفظ كتاب الله.