يقول أحد الظرفاء: »ليس في استطاعة الإنسان غير الواعي أن يتذوّق الدعابة ولو أنه شاء ذلك، لأن الدعابة هبة من اللّه. ومن يتمتع بالقدرة على تذوق الدعابة يكون قد أصاب خيرا كثيرا، ويكون قد حقق لنفسه الهدوء النفسي وراحة البال. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن الدعاية الفكاهية، ولكن من المفيد تقديم النماذج التالية: 1 دخل أبو دلامة على المنصور فقال له: ما خبرك يا أبا دلامة؟ فقال: ولدت لي صبية فأنشأت أقول فيها: ما ولدتك مريك أم عيسى ولم يكفلك لقمان الحكيم ولكن ولدت لأم سوء يقوم على أمرها زوج لئيم فقال المنصور: وماذا تريد؟ قال أبو دلامة: أريد مكافأة مالية لأستعين بها على تربيتها وتنشئتها النشأة الصالحة؟! 2 كان أبو جعفر المنصور جالسا فسقط عليه الذباب وكان يتحرك على وجهه، فشعر بقلق وضيق شديد ثم قال: أنظروا من بالباب؟ فقالوا له: مقاتل بن سليمان، فقال: عليّ به. فلما دخل عليه سأله: هل تعلم لماذا خلق اللّه الذباب؟ قال سليمان: نعم ليذلّ اللّه به الجبابرة؟! 3 دخل أبو دلامة على المنصور وعنده جماعة من الأشراف، فقال له: إن لم تهج أحدا من الحاضرين في المجلس لأقطّعن لسانك. نظر أبو دلامة إلى الحاضرين فوجد كل واحد منهم يتوسل إليه بنظراته. فقال: أنا واحد من الحاضرين ولم أجد أحق بالهجاء من نفسي، وأنشأ يقول: ألا أبلغ إليك أبا دلامة فليس من الكرام ولا كرامة إذا لبس العمامة كان قردا وخنزيرا إذا نزع العمامة 4 قدم رجل على ملك فمكث ببابه، فأرسل ورقة فيها أربعة أسطر لا أكثر يقول فيها: الأول: الضر والأمل أقدماني إليك. الثاني: الفقر لا يكون معه صبر على المطالبة. الثالث: الإنصراف بلا فائدة شماتة للعدو. الرابع: أريد نعم مثمرة أولا مريحة. لما قرأ الملك الورقة وقع تحت كل سطر منها بألف مثقال وأمر له بها. 5 سافر هارون الرشيد لأداء فريضة الحج، وبعد الانتهاء من مناسك الحج ذهب إلى المدينة وأراد أن يقابل أنس بن مالك الذي سمع عن علمه ونبوغه، فأرسل يستقدمه فقال مالك للرسول: قل لأمير المؤمنين: إن الطالب يسعى إلى العلم والعلم لا يسعى إلى أحد. ذهب هارون الرشيد إلى دار الإمام مالك ولكنه أمر بإخلاء المجلس من الناس، فأبى مالك وقال: إذا منع العلم عن العامة فلا خير فيه للخاصة.