«هل تقبل الرواية الذوبان في الشريط المرسوم؟» هو السؤال الذي تمحورت حوله الندوة التي نشطها فنان الشريط المرسوم الفرنسي جاك فيرانديز، سهرة أول أمس الثلاثاء بالمعهد الفرنسي بالجزائر العاصمة، بمناسبة نزول فرنسا ضيف شرف على الطبعة العاشرة للمهرجان الدولي للشريط المرسوم. في حديثه عن هذا الموضوع، انطلق فيرانديز من تجربته الخاصة كرسام سبق له وأن اقتبس روايات وحوّلها إلى أشرطة مرسومة، على رأسها روايتا «الغريب» و»الرجل الأول» لألبير كامو. يعدّ الفرنسي جاك فيرانديز، الذي ولد سنة 1955 بحي بلكور الشعبي بالعاصمة، من الفنانين الذين يبحثون عن أكبر جرعة للواقعية في أعماله المرسومة. من الأمثلة على ذلك سلسلة «دفاتر الشرق» التي جمعت 10 ألبومات رسمها فيرانديز بين 1987 و2009. يتحدّث فيرانديز عن تاريخ هو جزء منه، وهو ما نفهمه من شهادة الإعلامي مزيان فرحاني، الذي أدار النقاش بالمعهد الفرنسي أول أمس الثلاثاء، قائلا إنّ جاك فيرانديز «لديه هاجس التواجد بالقرب من الحقيقة». خاض فيرانديز العديد من التجارب على مدار مساره الفني، حيث قدم أعمالا في النوع البوليسي، والعجائبي، والشريط المرسوم / الربورتاج، ثم الروائي، من خلال تصوير القصص والروايات في قالب مرسوم. وعن خصائص أعماله يقول الرسام الفرنسي: «ليست لدي شخصية محددة في أعمال أو بطل تتمحور عليه ألبوماتي، وأنا أغير طريقة الرسم والشخصيات في كل مرة، حسب العمل والقصة». وبعد تقديمه لقصة «المُضيف» ورواية «الغريب» لألبير كامو، يعود إلينا فيرانديز باقتباس ل «الرجل الأول»، آخر روايات كامو التي نشرت بعد وفاته، وهي نتاج جمع مخطوطات وجدت في حقيبة صاحب جائزة نوبل خلال حادث السيارة القاتل الذي تعرض له. اشتغل فيرانديز على رواية كامو كما نُشرت، وعلى أشياء «غير موجودة ولكن كان من الممكن لها أن تكون»، يقول الرسام، على غرار اسم «جيسيكا»، الذي وجد في ملاحظات كامو ووظفه فيرانديز. ولكن الرسام لم يجد الحرية الكاملة في اقتباسه هذا، خاصة وأن هذه الرواية تعدّ أقرب إلى السيرة الذاتية لكامو، ما اضطره إلى العودة في أكثر من مناسبة إلى ذوي الحقوق، وبالأخص كاترين كامو ابنة الروائي الشهير. يقول فيرانديز عن «الرجل الآخر» إنها طريقة كامو في قصّ تاريخ من لا تاريخ لهم، وفي قصّ ما حدث في الجزائر (المُستعمرة) من الداخل، وهي أيضا (الرواية) كانت طريقة «لقول الأمور بشكل أحسن وأكثر تأثيرا من المقالات». ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها اقتباس «الرجل الأخير»، التي سبق وأن حُوّلت إلى فيلم أخرجه الإيطالي جياني أميليو، «كنت متخوّفا حينما شاهدته»، يقول فيرانديز عن الفيلم الذي خشي أن «يغزو» على جزء من قراءته للرواية، ولكن مخاوفه تبددت بعد ذلك: «على عكس السينما، يمكننا كرسامين إعادة تشكيل الديكور الحقيقي كما هو في الواقع، مثلا، تم تصوير الفيلم بمستغانم وليس ببلكور (بلوزداد حاليا)..لقد رسمت الجزائر العاصمة كثيرا وعبر عدة عصور، وأحب أن يتطابق الديكور مع زمان القصة»، يؤكد فيرانديز، خرّيج المدرسة الوطنية لفن الديكور بنيس الفرنسية. وعن خياراته، يقول فيرانديز غنه هو الذي اختار اقتباس هذه الرواية، وكان أول لقاء له مع كاترين ابنة ألبير كامو سنة 2008، كما حصل على الحرية الكاملة من الناشر (غاليمار) في الاقتباس، الذي نتج عنه ألبوم شريط مرسوم يتشكل من 150 لوحة (صفحة)، وعن صعوبة الانتقال من الرواية إلى الرسم، فإن الأمر تطلب تحويل المونولوغ الموجود في «الرجل الأول» إلى حوارات، يقول جاك فيرانديز، الذي سبق له وأن استغل مع الروائي الجزائري الراحل رشيد ميموني، ونقل المبدعان للعالم جمال قصبة الجزائر وحكاياتها.