المخرج والممثلون شوهوا "سعد القط" من فرط الإرتجالحاورته مريم بحشاشي "لست راض عن سلسلة سعد القط، و السيناريو تعرض للتشويه بعد أن حاز على إعجاب لجنة القراءة..." قال الروائي و السيناريست عيسى يوسف شريط منتقدا سوء انتقاء الممثلين و أدائهم و ارتجالهم الذي لم يخدم السلسلة بقدر ما أساء إليها . و كشف صاحب رواية " الحاجز المزيف"، " الجيفة" للنصر عن مشاريعه الدرامية الجديدة "كالعصفور المنسي" كما تحدث عن تحويل روايته "لاروكاد"الحائزة على جائزة مالك حداد سنة 2003 إلى عمل درامي و تفاصيل أخرى تطالعونها في هذا الحوار *الكثيرون انتقدوا سلسلة "سعد القط" و أعابو كثيرا على السيناريو و على الارتجال المبالغ فيه فما تعليقك؟ *- بدون تعليق، فالسيناريو حاز إعجاب لجنة القراءة التي اشترطت عملية إخراجية جيدة و توزيع الأدوار و اختيار ممثلين ملائمين حتى تكون السلسلة من أنجح الأعمال ، لكن ما حدث أدى إلى نتيجة عكسية فالارتجال لا يمكن أن يتضمنه السيناريو يقينا إنما يحدث أثناء عملية التصوير و الإخراج، و هنا تكمن مشكلة العمل التلفزيوني تحديدا، فالمخرجون يريدون في كثير من الأحيان إضافة بعض من خرجاتهم التي تتجاوز السيناريو فيقعون في الارتجالية. * نفهم من هذا أنك غير راض على الممثلين؟ - نعم أنا لست راض. * كيف لا ينتبه السيناريست للتغييرات التي تطرأ على نصه قبل بث العمل؟ - لأنه ببساطة لا يحضر التصوير و لا سلطة له على ذلك، فعندما عملت في سلسلة "عمارة الحاج لخضر "الأولى التي كتبتها تمكنت من تمرير أمور لابأس بها ساهمت في نجاح السلسلة جماهيريا رغم المشاكل التي واجهتها مع المنتج لكن بعد ابعادي حدث ما حدث . نفس الشيء بالنسبة لسعد القط الذي لم أحضر عمليات تصويره، فالمخرجون هكذا و سيظلون كذلك طالما أنهم لا يتفاعلون مع ما يكتبه الآخرون، و هذا عجز صارخ لديهم، فهم لا يمتلكون القدرة و الكفاءة الثقافية و التجربة الحياتية و المهنية التي تمكنهم من ذلك. *حدثنا عن "العصفور المنسي" و هل القصة فعلا مستوحاة من حياة خليفي أحمد؟ -العصفور المنسي هو فيلم غنائي يحاول بعث الأغنية الصحراوية الجزائرية (ياي ياي) تم تصويره بين مدينة بوسعادة والجزائر العاصمة، أخرجه عبد القادر مرباح وأنتجته مؤسسة أمين إنتاج. الفيلم يسرد حكاية شاب له موهبة غنائية خارقة في هذا النوع الغنائي تحديدا، يكتشفه أحد المستثمرين في فضاء الأغنية، يعجب بصوته فيقرر مساعدته، لكنه في الحقيقة بمجرد ما يختلي به بالعاصمة يعمل على استغلال صوته في الغناء التجاري، وبانحرافه الفني هذا، يدخل هذا الشاب دوامة ذلك وما يترتب عنها. و بالتوازي مع هذه القصة، هنالك قصة حب تربط الشاب بإحدى بنات بلدته، هذه الأخير مثقفة تجد نفسها مصادرة من قبل عادات مجحفة تحاصرها وتنتهي بها إلى الوفاة إثر حادث يقع لها بعدما قررت الفرار والالتحاق بعشيقها. القصة خيالية لا علاقة لها إطلاقا بحياة الفنان العملاق خليفي أحمد رائد هذا الطابع الغنائي، ولكنها كتبت تحية له ولما قدمه طيلة حياته الفنية، نرجو من الله أن يشفيه كي يعود إلينا ويطربنا بصوته الرجولي القوي الثاقب الذي حير الدنيا.. الفيلم الآن في مرحلة التركيب. * بعد فترة القحط والسنوات العجاف التي عانتها الساحة الفنية في مجال كتابة السيناريو، ها نحن اليوم نتفاجأ بأسماء معروفة و أخرى لم نسمع عنها من قبل تقتحم عالم الكتابة بالصور كما يحلو للبعض تسميته، فما رأيك؟ - رأيي أن فترة القحط التي عانتها السينما الجزائرية في فضاء كتابة السيناريو هي نتيجة مشكلة مزيفة أصلا جاءت لتكرس فكرة غياب أو افتقار الساحة السينمائية لكتاب سيناريوهات. هذه المشكلة المزيفة نتجت عن ظاهرة المؤلف المخرج التي كانت متفشية بشكل مرضي ، بمعنى أن المخرج هو الذي كان يتكفل بكتابة السيناريو بحجة أنه لا يستطيع التفاعل مع شخصيات وأفكار كتبها غيره، لكن الحقيقة هي أخرى، الظاهرة نتجت عن فعل تحايلي يسمح للمخرج بالحصول على مستحقات التأليف (السيناريو) بالإضافة إلى مستحقات الإخراج. هذه الظاهرة استفحلت في السينما الجزائرية بشكل مرضي مما أدى بالضرورة إلى تهميش كل من كان يمكنه أن يشكل سيناريست، وهي في اعتقادي ظاهرة غير احترافية. تغير الحال الآن قليلا وكان لازما العودة إلى القليل من الاحترافية العامل الذي سمح بظهور بعض الأسماء ولو بشكل محتشم. *عندما يحترف المخرج البعيد كل البعد عن إجادة فن استخدام الكلمات و الأشخاص البعيدين عن الحقل الأدبي فن كتابة السيناريو كيف ترون مستقبل هذه المهارة و التخصص؟ - ينبغي أولا أن نحدد في البداية من هو كاتب السيناريو..هو كاتب بأتم معنى الكلمة ، بمعنى أنه شخص له القدرة على رسم الشخصيات بمختلف تراكيبها النفسية فضلا على أنه يمتلك سعة الخيال ما يمكنه من تخيل وبناء وحبك أحداث القصة، السيناريست إذن هو كاتب قبل كل شيء..مما يجعلني أجزم أن كتاب القصة والروائيين يمكن أن يشكلوا كتاب سيناريو بلا منازع إذا ما أتيحت لهم الفرصة، ولا يستلزم منهم لفعل ذلك سوى الإحاطة ببعض العناصر البسيطة في كتابة السيناريو من الناحية الشكلية وناحية السرد الدرامي. هذا بالنسبة للكتابة الدرامية التلفزيونية، أما سيناريو الأفلام الطويلة فهذا يحتاج إلى تخصص حقيقي. مستقبل كتابة السيناريو يمكن أن يكون زاهرا عبر أشخاص لهم الاستعداد بأن يكونوا كتاب سيناريوهات مثل القصاصين والروائيين الذين سيحدثون الإضافة المثمرة يقينا. *اعتمدت السينما في بداية عهدها على النص الأدبي بشكل يحتم على المخرج تتبع خطوات الكاتب لكن عصر التكنولوجيا تجاوز النص الذي تراجع أمام الصورة، فأين نحن من هذا كله؟ -الاقتباس في العمل السينمائي ظهر مع ظهور السينما التي اعتمدت في بداياتها على اقتباس الأعمال الأدبية كالفيلم الصامت "رحلة إلى القمر" المقتبس من رواية بنفس العنوان للكاتب "جول فارن" وغيره من الأفلام. الأدب إذن أعطى كثيرا للسينما والعكس صحيح، تأثرت الرواية بدورها بهذه الوسيلة الفنية وأصبحت توظف تقنيتها الكتابية. النص الأدبي لم يتراجع في اعتقادي قبالة هذه التقنية بل حاول التأقلم معها لدرجة ظهور ما يعرف الآن بالرواية الرقمية أي أن النص أصبح بفضلها يحتوي على الصوت والصورة أيضا،وتظل السينما تعتمد على الأعمال الأدبية يقينا، كثير من الأفلام الأميركية بمختلف أنواعها ظهرت وتظهر اعتمادا على رواية سبقته أو انطلاقا من فكرة جاءت بها هذه الرواية نفسها.. تواصل السينما والأدب بدأ في المهد وسيظل كذلك مهما بلغت تقنية السينما من تطور مذهل. *قال المخرج الفرنسي الشهير"جون رينوار"أن الفيلم يفترض أن يكون مشابها لفعل الثورة، و على كتاب السيناريو أن يأخذوا مسؤولياتهم في التأثير في المشاهدين فما هي الخطوات التي يتبعها عيسى شريط للتميّز و التأثير في المتلقي؟ - ربما لا يدري الكثير منا أن السينما والعمل السمعي البصري له قدرة عجيبة وثاقبة في تغيير الكثير من السلوكيات الاجتماعية فضلا على استحداث سلوكيات جديدة، عندما يلتقي عاشقان في مشهد رومانسي حول مائدة غذاء على ضوء شمعدان، هذا التواصل والسلوك الاجتماعي استحدثته السينما، الإنسان لم يعرف مثله قبل ظهور السينما، هنا تكمن خطورتها باعتبارها سلاحا ذا حدين قد ينفع وقد يضر. هي وسيلة ترويج وتوعية إذا ما أحسن استعمالها قد تحدث ثورة تأتي على الكثير من الشوائب التي تعرقل تطور الإنسان وتشوش على تحسين نمط معيشته، ربما هذا ما أستهدف قوله "جون رينوار". أنا شخصيا أميل كثيرا إلى اعتناق هموم الإنسان الجزائري عبر جرأة نقدية اجتماعية وبأسلوب ساخر يمكن من خلاله تمرير ومضة تنبه المتفرج إلى سلوك غير لائق وقد يعدل عنه نهائيا، بذلك يتحقق فعل التأثير. *ما هي المشاكل و الصعاب التي يعانيها السيناريست في بلادنا؟و ما أكثر المراحل صعوبة في كتابة السيناريو في رأيك؟ - ينبغي على كل من يريد خوض كتابة السيناريو أن يعرف بأنه كوثيقة لا قيمة أدبية أو جمالية له على الإطلاق، تتجلى هذه القيم حين يشرع في صناعته ، ويبعث بالتالي فيلما أو مسلسلا، السيناريو إذا بقي رهن الدرج فهو بصراحة لا يساوي شيئا وقد أهدر كاتبه وقتا وجهدا هباء. من أصعب وأعقد الكتابات في اعتقادي كتابة السيناريو، هي تعتمد على منطق عقلي جاف عبر بناء جملة من المشاهد المتسلسلة والمرقمة تتخللها حوارات، فضلا على أن هامش المناورة الكتابية به ضيق جدا، حيث لا يمكن كتابة أو إدراج ما لا يمكن تصويره، العامل الذي يفقد متعة الكتابة، أقول هذا وهو رأي خاص، أما في فضاء الكتابة الروائية فالأمر يختلف تماما، الرواية فضاء ترمي فيه العواطف بكل ثقلها ، فضاء لا حدود لشساعته يبيح للكاتب عوالم من الأحداث والشخوص والتأمل الفلسفي والجمالي لا نهاية لها. *ما سر نجاح السيناريو في تقديرك؟ - الفكرة الجيدة أولا، البناء الدرامي المحبك تصاعديا حتى بلوغ ذروة المشكلة ثم الانفراج، زرع عقد وحبكات فرعية تعمل في الخفاء على شد المتفرج، تجنب إثارة أي تساؤل لدى المتفرج كي لا يبتعد أو ينشغل عن العمل..نحن في الجزائر لم نبلغ بعد هذا المستوى من السيناريوهات. * ما رأيك في الدراما الجزائرية ؟ - إنها تخطو خطواتها الأولى، وينبغي توفير البيئة الملائمة التي تساعدها على النمو بشكل طبيعي حتى تصل إلى بر الأمان، أما في الظروف الحالية وفي ظل قوانين سمعية بصرية تكاد تكون منعدمة فضلا على تمركز هذا القطاع بمدينة واحدة، فلن تقوم قائمة للدراما الجزائرية. * و ماذا عن مشاريعك في مجال الدراما؟ - مشروع مسلسل درامي أنا بصدد إنهاء كتابته، سيقوم بإخراجه المخرج الشاب نزيم قايدي إن شاء الله.. *و ماذا بعد لاروكاد؟ ألم تفكر في تحويلها إلى عمل درامي؟ و ما هي الروايات التي تنوي تحويلها إلى أعمال درامية؟ - فكرة المشروع الدرامي الذي ذكرته في الحقيقة مستوحاة من رواية لاروكاد، مع الاحتفاظ بكل شخصيات الرواية تقريبا وبعضا من أحداثها، مع إضافة أحداث أخرى وشخصيات أخرى فضلا على تغيير ديكور الأحداث، فبدلا من الحي بالرواية، انتقلت إلى قرية جبلية بكل تفاصيلها. أفكر فعلا في العمل على اقتباس بعض الروايات لكني لم استقر بعد على عمل روائي يسهل اقتباسه باعتبار أن أغلبها اعتنق تأملات ذاتية لا توفر فرصة الاقتباس، تأملات تفتقر إلى الشخوص والأحداث والمواقف المختلفة والمتنوعة مما يجعلها صعبة التحويل أو بالأحرى لا يمكن تصويرها، لأن الاقتباس يعتمد على نقل ما يمكن تصويره فقط.. واعتقادي أن الاقتباسات الناجعة في هذا المجال والتي يمكنها أن تنتج أفلاما وأعمالا درامية ناجحة هي التي تعتمد على الإقتباس عن القصة القصيرة لأن أنجح الأفلام هي التي اعتمدت على مجرد فكرة أو حدث عاد مهما كانت طبيعته.