عبد الناصر عادت المستشارة "الحديدية" الألمانية أنجيلا ميركل نهار أمس، في افتتاح أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي، لقرع طبول قديمة عن أحداث الهولوكوست، في بكائية يبدو أن دموعها لن تجف حتى تغرق وتمسح دولا بأكملها عن الخارطة العالمية، بالرغم من أن هاته الدول لم تكن أبدا حطبا أو بنزينا في هاته المحرقة المزعومة التي حتى وإن كانت حقيقية. فالأكيد أن موطن جهنم العصر الحديث في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين لم تكن لها يدا.. ولا حتى "أنفاس نفخ" في هاته المحرقة التي جعلوا نارها بردا وسلاما على إسرائيل. ميركل أمام ممثلي أربعين دولة تحدثت باسم المجتمع الدولي وأقسمت بأغلظ "الأمريكان" أن العالم لن يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، فتحول مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي إلى نحت مزيد من تماثيل "الشفقة" لإسرائيل، وتحميل إيران المحارق المندلعة في بقاع المعمورة، وهذا ما أكده غيتس نهار أمس، عندما تحدث عن أدلة قاطعة تمتلكها أمريكا تورط إيران في العنف الدائر رحاه في العراق. بالرغم من أن ما يتهاطل على فضائيات العالم من أخبار تتحدث جميعها عن تجاوز رقم قتلى الأمريكان في العراق ثلاثة آلاف جندي وعن بلوغ رقم القتلى في الشهر الأخير 36 قتيلا، ناهيك عن القتلى العراقيين، مما يعني أن الحرب في العراق واضحة المعالم في اسم المعتدي والمعتدى عليه بشهادة "أهل المعركة"، حتى الرئيس الروسي بوتين حمّل أمريكا ضمنيا محارق الكون الحالية عندما أشار إلى أن تطاولها على الدول بالحديد والنار هو الذي جعل عددا من البلدان تسعى لامتلاك السلاح النووي الردعي ليكفيها الزمن شر القتال. المشكلة أن لإسرائيل دولا تبكي "محرقة" جاوز زمنها الستين عاما ولا نجد نحن من يبكي محرقتنا.. بل محارقنا التي ابتلعت تاريخنا وحاضرنا وتحاول ألسنتها ابتلاع مستقبلنا، فحتى صراع الانتخابات الفرنسية لم يرد استخراج محارق الجزائر من الدرج المنسي على الأقل لاجتذاب مئات الآلاف من الناخبين المسلمين في فرنسا. محارق المعمورة اختزلت النار في الهولوكوست وفي أرمينيا، وتجاهلت لهيبا أحرق الملايين قبل وأثناء الثورة الجزائرية وفي صبرا وشتيلا وسراييفو وسينا.. وتجاهلت لهيبا حديثا و"هولوكوستات" تأكل جثث العراقيين والأفغان والفلسطينيين واللبنانيين والصوماليين والقدس الشريف، المشكلة أننا أصبحنا في كل هاته "الهولوكوستات" التي تلتهمنا عود ثقاب.. فأنّى يكون لمحرقتنا نصير.