حسين عيسى، من مواليد 02 مارس 1956م بمدينة "شلالة العذاورة" بولاية المدية، وهو خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة في جوان 1982م حاصل على شهادة الفنون العامة بدرجة جيد والشهادة الوطنية بامتياز. زاول الدراسة الابتدائية والمتوسطة بمسقط رأسه والتعليم الثانوي بثانوية "الإمام الغزالي" بسور الغزلان. في أوائل التسعينييات من القرن العشرين تم اختيار مجموعة من أعماله التصغيرية على مستوى أكاديمية الفنون لتشارك في المعرض الوطني بسوق أهراس ومنه بالصين ثم بالمعرض الدولي بالشارقة، إلا أنه لم يلق أدنى التفاتة تشجيع رغم نيل شهادة استحقاق استملتها الوزارة المعنية مقابل فوز خمس لوحات لخريجي المدرسة. قبل الالتحاق وبعد التخرج من الفنون اختار مهنة التعليم التي استفاد منها الكثير من الممارسة الفنية والتربوية، وقد أشرف على سن التقاعد دون أن يستفاد من تجربته لمدة 22 سنة بالتعليم الثانوي وأكثر من 5 سنوات بالتعليم المتوسط جمع فيها حصيلة ثلاثة كتب في الرسم والخط والزخرفة. له مشاركة دائمة بالمسابقة الدولية لجائزة "إرسيكا" للتمييز في الخط العربي، والمسابقة الدولية للخط العربي بأنواعه المقامة "باسنطبول" وقد دعي للمشاركة بالورشة الوطنية للخط بكل من بسكرةوالمدية مرتين أنت خريج الفنون الجميلة تخصص منمنمات.. المشكلة اليوم أن هذا التخصص أصبح كأنه في خلفية التخصصات بعد غلبة التخصصات الحديثة الفنية طبعا - إلى ماذا ترد عدم الاهتمام بالمنمنمات؟ قلة المتخصصين في الرسم التصغيري كان سببا في ندرته على الساحة الفنية مع صعوبة إنجازه التي تحتاج إلى صبر ومهارة ودقة في العمل. فإنجاز 20 لوحة في الفن الحديث تقابله واحدة في المنمنمات، وبالتالي فإن تنظيم المعرض التصغيري يحتاج جهد سنوات. والحقيقة أن الفن التصغيري أخرته الندوة والهروب من الواقعية إلى التجريبية والانطباعية وغيرها من الفنون الحديثة لسهولة العملية وإمكانية التقديم أكثر دون مراعاة المحتوى، أشبه بحداثة الشعر والغناء اليوم "كثرة بلا معنى وبمحتوى أجوف". فالحداثة عند الغربيين كلها مرت بالواقعية واستمدت قوتها من الحقيقة، في حين الحداثة في العالم العربي أخذت من السطح بفهم قصير المدى تسبب مباشرة في عدم خلق مدرسة عربية الطبع والطابع حديثة المنهج والقوعد. ألا تعتقد أن المنمنمات تستمد شرعيتها من الفنون الإسلامية وأنت تعلم أن الحضارة العربية شهدت عصر انحطاط، إذا صح التعبير، الأمر الذي أدى إلى عدم الاهتمام بكل ما له علاقة بها ومن ثم التهافت على الفنون الحديثة؟ الفن ككل يستمد شرعيته من تعاقب الحضارات وتفاعلها وكل مدرسة تستمد أصولها من مبادئ وعادات وتقاليد الشعوب. والمدرسة الإسلامية واحدة منها استمدت قوتها من الفارسية والمغولية والصينية ووجهتها القيم الإسلامية السمحاء بما يتفق والأخلاق السامية بعيدة عن الوثنية والفساد. أما عصر انحطاط الحضارة العربية لم يغير المبادئ والأصول بقدر ما تغيرت الذهنيات وانقادت لغيرها في كل شيء، فعجزت اليد الماهرة وتوقف الإبداع في كل ميدان، فالعالم لم يكن في غنًى عما حققه العرب والمسلمون وهم لحد الساعة ينهلون من نبعها الوافر ويعتبرون آثار الحضارة الإسلامية مفخرة بشرية تتجلى في كل مرة في كثير من مستحدثاتهم. ما هي المشكلة بالنسبة لخريجي الفنون الجميلة، بمجرد التخرج يختفون على المستوى الإبداعي. إلى ماذا ترد ذلك؟ خريجو الفنون الجميلة هم موؤودون لحظة الميلاد، إن المدرسة الوطنية للفنون الجميلة فتحت أبوابها منذ العهد الفرنسي بالجزائر فماذا قدمت وسائل الإعلام عن النوابغ الفنية التي تخرجت في الرسم؟ وهل عرّفت بانتاجهم المطمور بأرشيف هذه المؤسسة؟ غير بعض التحقيقات المحتشمة من باب "حتى احنا عندنا رسامين" ولم يكن ذلك إلا مع أسماء محدودة دخلت لوحاتها المتاحف الغربية. ان علينا ألا نحرم المشاهد من التعرف على أعمال الأجيال الفنية ونخصص لها جناحا بمتحف الفنون الجميلة ونعطيها وقتا هاما عبر وسائل الاتصال لتحليلها من قبل النقاد وأصحاب الاختصاص كي ترقى إلى الاحترافية، فبهذا نبني في جمهورنا الذوق الفني الراقي ونحرك همة وعزيمة الأجيال القادمة وإلا نكون قد حكمنا بالموت المسبق على ثقافتنا التي أصبحت تقتصر على الأغاني فقط وكأنها الفرع الوحيد الممثل لثقافة الأمة. فأين هم أدباؤنا وشعراؤنا ورسامونا وخطاطونا، أين هم المبدعون في هذه البلاد خريجو الجامعات الجزائرية؟ فهل نصيب الأمة من الثقافات فقط الغناء؟.. أخاف من أن يحل بنا ما حل للصرصور مع النملة. غنّى بالصيف ومات جوعا في الشتاء. ماذا تقول بشأن من يدعون إلى عصرنة فن المنمنمات؟ الفنون الأصيلة هي أحق بالعصرنة والحداثة، فالمستحدث لن ينجح ولن يعيش ما لم يأخذ قواعده من الأصول القديمة. والفن التصغيري والمنمنمات من أقدم الفنون عرفت عند الفراعنة كأشرطة مرسومة ومكتوبة طورها الصينيون والفرس والمغول وأهل العراق وسوريا وانتقلت من المشرق إلى المغرب وإلى أوروبا أيام فتح الأندلس. فإذا كانت الدعوة إلى عصرنة المنمنمات بتذويبها في السريالية والوحشية والتجريدية والانطباعية وغيرها من المدارس الغربية الحديثة فأنا أرى غير ذلك. أن تكون العصرنة باستعمال أدوات التكنولوجيا الحديثة في تطوير مهارة الرسام التصغيري مع المحافظة على الأصول في دقة الوصف وصناعة الرموز الواقعية الملموسة، وإلا سنخرج عن مصطلحها ونأخذ لها اسما مستعارا لا يليق بها. ما هي العوائق التي تواجهك أنت كفنان وتراها تحد من انطلاقك وتكبح إبداعك؟ من أمرّ ما يواجهه خريجو الفنون بقطاع التربية، التهميش وعدم الاستفادة من تجربتهم الفنية والتربوية. فأنا واحد ممن قطعوا شوطا يتعدى 25 سنة بالتعليم الثانوي والتقني وتم تحويلي إلى التعليم المتوسط لأتفه الأسباب، وهددت بالتوقيف عدة مرات مما أصابني بالإحباط وعدم الثقة. فلا التربية استفادت من تجربتنا الطويلة ولا نحن تفرغنا للعمل الفني وقدمنا للجمهور والتاريخ والوطن ما يمثله في المحافل الدولية والتظاهرات الثقافية.. فالإبداع تنميه وتحييه الرعاية والاهتمام ويميته التهميش والإبعاد...أتمنى أن تصل كلمتي هذه مسمع القائمين على الثقافة في الجزائر وتؤخذ مأخذ الجد، فلو بقينا على هذا التناقص لافتقدنا من يمثلنا يوما ما بعد فوات الأوان ونفقد حلقة من ذاكرة الأمة لا قدر الله. حاوره. ميلود بن عمار