إبراهيم قارعلي هاهو الشعب يستدعى مرة أخرى إلى صناديق الإقتراع للإدلاء بأصواته المتعدّدة في رابع انتخابات تعددية من أجل اختيار المترشحين الذين ينوبون عنه في البرلمان ويشرعون باسمه القوانين تحت القبة البرلمانية. وهاهم السادة النواب يكونون قد شرعوا في شد أحزمة حقائبهم من أجل العودة إلى القرى والمداشر والدواوير التي نزلوا منها إلى العاصمة أول مرة. لكن قبل ذلك، يجب على الجميع أن يتوقف ولو لحظة من أجل أن يضع النقاط على الحروف الهاربة أو المبعثرة، خاصة فيما يتعلق بالأداء التشريعي للجهاز البرلماني. صحيح أن البرلمان يمثل المدرسة الأساسية للممارسة الديمقراطية، خاصة وأن البرلمان يجمع مختلف ألوان الطيف السياسي للطبقة الحزبية، حيث تتنافس الأحزاب فيما بينها. أيها يقدم للبلاد أفضل الأفكار والمشاريع وأكفأ الأشخاص الذين سوف يتحولون من مناضلين إلى رجالات دولة أو إلى إطار أمة في المستقبل القريب.. هذا ما يجب أن يكون. ولكن ماهو كائن شيء آخر، فشتان بين الأفكار النظرية وبين الممارسة العملية أو بين القول والفعل. وبالمختصر غير المفيد، شتان بين الخطاب المعسول أثناء الحملة الانتخابية بين الواقع المهول تحت القبة البرلمانية. هل يجب التذكير، أن الأحزاب السياسية هي وحدها قبل غيرها تتحمل مسؤولية رداءة الممارسة التشريعية في البلاد، حيث أنها لم تحسن منذ البداية عملية اختيار مرشحيها للانتخابات البرلمانية، وهذا ما تفضحه مختلف حركات التمرّد الحزبية بعدما أصبح يتصدر القوائم الانتخابية من يدفع أكثر أو من ينبطح أكثر. وهل يجب التذكير أن البرلمان قد تحول إلى غرفة تسجيل لمختلف القوانين التي تودعها الحكومة، فلم يحدث أن تقدم النواب بمشروع قانون وكأن دورهم الأساسي هو إثراء المشاريع القانونية والمصادقة عليها بالإجماع مثلما كان يفعل المناضلون في عهد الحزب الواحد. ولعل فضيحة الفضائح هي أن يسارع النواب في كل مرة إلى المصادقة على المراسيم الرئاسية التي ماانفكت تنتظرهم كلما يعودون من عطلتهم الخريفية أو الربيعية مثل التلاميذ في المدارس الإبتدائية. بالتأكيد، أن قانون المحروقات الذي أصدره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في شكل مرسوم رئاسي وصادق عليه النواب وهم على درجة كبيرة من الانضباط، سوف يبقى وصمة عار في جبين هؤلاء النواب الذين رفعوا أيديهم له وهو القانون الذي جعل رئيس الجمهورية الذي أصدره يعترف بفداحة الخطأ الاستراتيجي القاتل ويلغيه حتى لا تباع البلاد والعباد في المزاد الأجنبي. وهل يجب التذكير، أن السادة النواب بعد ما فقدوا سلطتهم التشريعية، قد فقدوا أيضا حقهم في الرقابة الشعبية، خاصة ما يتعلق بالمال العام الذي ينهب من الخزينة العمومية، فهل يعقل أن فضيحة مالية مثل فضيحة بنك الخليفة التي هزّت الرأي العام العالمي ووصفت بفضيحة القرن، لم يحقق النواب الذين اختارهم الشعب في قضيتها. ينص الدستور على أن النواب يتمتعون بالسلطة التشريعية، لكنهم قد تخلوا بمحض إرادتهم عن هذه السلطة الدستورية، ليتحوّل الكثير من أصحاب الحصانة البرلمانية إلى ما يشبه الموظفين في الجهاز التنفيذي. بل إن الأسئلة الشفوية التي كان يتطاول بها النواب على الوزراء في الحكومة، سرعان ما فضحتهم أمام المواطنين من وراء التلفزيون حين يهملون القضايا الوطنية ويتشبثون بالدفاع عن المصالح الجهوية والعشائرية من أجل الحصول على عهدة برلمانية ثانية أو ثالثة... الشعب يريد برلمانا فيه نواب يمثلونه ولا يمثلون عليه ويتحركون مثل عرائس القراقوز، ولا يريد نوابا يدخلون البرلمان من أجل الحصانة البرلمانية والأجرة الخيالية.