إبراهيم قارعلي: [email protected] تعد منطقة القبائل من أهم الأرقام الأساسية في المعادلة السياسية للبلاد. وكلما اقتربت المواعيد الانتخابية وخاصة الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات البرلمانية تزداد أهمية هذه المنطقة، خاصة وأن الأمر يتصل بالسيادة الوطنية التي هي ملك الشعب والتي يمارسها من خلال ممثليه في المجالس المنتخبة، ولاسيما المجلس الشعبي الوطني. لقد فعلها. الزعيم التاريخي الحسين آيت احمد وقاطع الانتخابات البرلمانية مرة ثانية، في حين يريد الدكتور سعيد سعدي أن يملأ الفراغ بدخوله المعترك الانتخابي بعد خمس سنوات من الغياب الإرادي عن المشهد السياسي. وللأسف، أن البلاد سوف تجد نفسها مرة أخرى أمام برلمان تشعر فيه منطقة القبائل بالعزلة السياسية التي كرستها الأحزاب التي نصبت نفسها ناطقا رسميا باسم هذه المنطقة من الوطن من غير أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية. صحيح أن بقية الأحزاب الأخرى، التي تخوض الانتخابات التشريعية إلى جانب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لن تستورد مترشحين من خارج منطقة القبائل، ولكنها سوف تخوض غمار الانتخابات بأبناء المنطقة. ولكن غياب مترشحي جبهة القوى الاشتراكية سوف يقلل من حرارة الحملة الانتخابية وحتى من ديناميكية البرلمان القادم. عندما اندلعت أحداث منطقة القبائل في منتصف سنوات التسعينات، استطاع نواب جبهة القوى الاشتراكية إخماد نيران الفتنة عندما كانت ممثلة في البرلمان، ولكنها عندما وجدت نفسها خارج البرلمان بعد مقاطعة الانتخابات لم تستطع أن تفعل أي شيء مع أحداث الربيع الأسود. لقد زادت أحداث منطقة القبائل من جهوية أحزاب المنطقة وخاصة جبهة القوى الاشتراكية التي ظهرت منذ البداية بخطابها الوطني، نظرا لما تمتلكه من رصيد تاريخي وطاقات بشرية. وعندما جعلت من أحداث المنطقة حصان طروادة في معارضتها للسلطة صغرت في أعين المواطنين وحتى في أعين أهل المنطقة، وخاصة إطاراته النضالية التي لم تجد الإطار السياسي التي تدافع فيه عن المطالب الاجتماعية والثقافية للمواطنين من أبناء المنطقة. هذا هو حال الأحزاب السياسية التي تبنى على الأشخاص والتي سرعان ما تتحوّل إلى ما يشبه الزوايا السياسية، خاصة عندما تسيطر الزعاماتية على رؤساء هذه الأحزاب، حيث يسود منطق أنا ومن بعدي الطوفان أو منطق لا أريكم إلا ما أرى. لقد تحولت مثل هذه الأحزاب إلى ما يشبه الغيتوهات السياسية عندما سيطرت عليها فكرة "الربوة المنسية"، حيث لم تخرج إلى الجزائر العميقة، من تلمسان إلى تمنراست. لكن الأغرب من ذلك أن الأحزاب الوطنية والاسلامية الكبرى، هي الأخرى لم تستطع أن تخترق هذه الربوة المنسية. لاشك أن الساحة السياسية في حاجة إلى إعادة بناء، وتمثل الانتخابات البرلمانية إحدى أدوات البناء، لكن أهم أداة هي إرادة المواطنين التي تستطيع وحدها أن تتجاوز الهياكل التقليدية للنضال السياسي.