سالم زواوي هل الشعب هو الذي كان عليه أن لا يتواجد يوم 11 أفريل في أماكن التفجيرات الإرهابية أمام قصر الحكومة ومحافظة باب الزوار، أم أن السلطة هي التي كان عليها أن تكون في هذه الأماكن على الأقل لمحاولة تفادي ما حدث ولو من باب القيام بالواجب وتحمل المسؤولية؟ ما يفهم من المسيرات "العفوية" لأول أمس هو أن السلطة تُظلِّم الشعب وتحمله مسؤولية الإرهاب وأعماله، من حيث أنها تعامله من وراء هذه المسيرات وكأنه راض بالإرهاب عن طيب خاطر، وتشككه حتى في تضحياته الجسام ومعاناته المأساوية من هذه الآفة لأكثر من 15 سنة ولذلك وجبت قيادته في مسيرات "عفوية" وإرجائه إلى أجواء وظروف اعتقد أنها ولّت إلى الأبد حتى تتأكد أنه ضد الإرهاب وأعماله الإجرامية. السلطة لا تكتفي بهذا، بل إنها تُولي أمر قيادة المسيرات وتنظيمها إلى ما يسمى بالمجتمع المدني المحصور عندنا في جمعيات مرضى الأمراض المزمنة وجمعيات نظافة الأحياء والمساندة والدعم من مختلف الآفاق والتي يتستر وراءها في الغالب مقتنصو الفرص والمستفيدون من مصائب الناس، وهذا يعني أن المتاجرة بدم الشعب وبالإرهاب لاتزال مستمرة على حالتها السابقة، كما قبل إجراءات المصالحة الوطنية ولا يثني أصحابها عن ممارستها لا عامل الزمن والتقادم والخسائر الفادحة في الأرواح والأرزاق ولا قانون المصالحة، على الرغم من أنه القشّة الوحيدة التي أصبح المجتمع يتشبث بها من الغرق، فكانت هذه المسيرات، بالإضافة إلى الطمع المادي، فرصة للتناحر السياسي ومحاولة اصطياد الناخبين قبل موعد الإنتخابات التشريعية. ثم لماذا تتعمد السلطات الجزائرية فصل الأحداث المأساوية الأخيرة عن سياقها الأمريكي أو عن الجانب الأمريكي فيها على الأقل، والعالم كله يعرف علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية وسفارتها في الجزائر بهذه الأحداث من قريب أو من بعيد وبصفة مباشرة أو غير مباشرة، منذ إعلان واشنطن عن اكتشاف ما يسمى بفرع القاعدة في "المغرب الإسلامي" والمعروف أن من أنشأ القاعدة أول مرة في أفغانستان هو أمريكا ومن أماتها هو أمريكا ومن أحياها في "المغرب الإسلامي" هو أمريكا، ثم إعلان السلطات الأمريكية قبل أقل من شهر من 11 أفريل عن احتمال قيام هذه القاعدة بعمليات تفجير انتحارية في الجزائر وتحذير الرعايا الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين من ذلك، مع أن كل المختصين يؤكدون استحالة نفاذ هذه القاعدة إلى المغرب العربي وخاصة إلى الجزائر بالذات بحكم عدد من العوامل الموضوعية، الدينية، الإجتماعية والسياسية. لكن أمريكا وسفارتها في الجزائر جعلتها أمرا واقعا حتى يكاد يكون ثمة إجماع بين الجزائريين وغير الجزائريين على أن التفجيرات الأخيرة من عمل القاعدة وليس من عمل بقايا الإرهاب الجزائري المحلي، خاصة وأن لا أحد بإمكانه معارضة الفرضيات التي تفرضها أمريكا نتيجة الإندماج الأعمى للسلطات الجزائرية في المخطط الأمريكي لمكافحة "الإرهاب الدولي" الذي أنزلته السفارة الأمريكية في قلب الجزائر، ولم يتوقف الكلب الأمريكي عند هذه الحدود وحتى بُعيد التفجيرات أعلنت سفارة الدولة أن هذا القلب سيتعرض لسلسلة من التفجيرات الإرهابية "القاعدية" في اليوم الموالي، والحمد لله أنها لم توف بوعدها حتى الآن. وإذا كانت هذه دلائل على أن أمريكا تدبر لأمر عظيم في الجزائر، مثلما دبرت في أفغانستان والعراق باستعمال القاعدة، فإن ما يجب أن لا يخفى عن الأذهان هو أن هذه القوة العظمى بكل ما تملك، بالإضافة إلى نزعة الظلم والإعتداء والإبادة الجماعية للشعوب، تريد أن تذوق في أقرب وقت من لحمنا، وإذا تركناها تفعل دون أن نبدي أي رد فعل أو مقاومة، فإنها ستلتهمنا عن آخرنا مثلما تفعل في أفغانستان والعراق، لأن مثلها كمثل أسد الأدغال إن ذاق مرة من لحم البشر أصبح لا يستغني عنه حتى ولو مات دونه. وكان المفروض، قبل التشكيك في مواقف الشعب الجزائري ونواياه أن تنظم مسيرات للتنديد بالتدخل الأمريكي السافر وذلك أضعف الإيمان.