فجّر ملف تحويل الأراضي الفلاحية عن طابعها واستغلالها كوعاءات عقارية لاستيعاب المشاريع العمومية، خلافا كبيرا وجدلا بين الوزير الأول أحمد أويحيى ووزيريه للداخلية والعدل في الحكومة، نور الدين بدوي والطيب لوح، واتخذ من ولايات الجمهورية ميدانا له، بعد أن وصلت الولاة تعليمات وتعليمات مضادة من قبل الجهاز التنفيذي. أصدر الوزير الأول أحمد أويحيى تعليمة مؤرخة في 27 ماي الماضي، أخذت طريقها إلى رئيس الجمهورية على سبيل عرض حال، وإلى الأمين العام للحكومة ووزرائها وولاة الجمهورية، حملت طابع التذكير، حرص من خلالها على إبراز الإطار القانوني المنظم لعمليات اقتطاع الأراضي الفلاحية لتلبية احتياجات الأزمة المرتبطة بإنجاز المشاريع العمومية للتنمية، وهي تعليمة أردفت مباشرة تعليمة شبيهة لها في الشكل إلا أنها مختلفة عنها تماما في المضمون، أصدرها وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية نور الدين بدوي بتاريخ 24 ماي أي ثلاثة أيام قبل تعليمة أويحيى، خاطب فيها الولاة مباشرة يأمرهم بمنع كل عمليات تحويل للأراضي الفلاحية عن طابعها الفلاحي بناء على توجيهات تلقاها من رئيس الجمهورية. تعليمة بدوي للولاة كانت واضحة، حيث منعهم صراحة من تخصيص الأراضي الفلاحية لفائدة مشاريع عمومية كالبرامج السكنية بمختلف صيغها أو أي تجهيزات عمومية أخرى، وهدد بالمتابعة القضائية كل مسؤول عن الجرائم المرتكبة في حق الأراضي، وأمر الجماعات المحلية بتكثيف الرقابة على التعاونيات الفلاحية لحصر التجاوزات. أما تعليمة الوزير الأول، فبدت كوسيلة من يسعى لاسترجاع حق مسلوب، وبدت واضحة جدا في مضمونها أنها مجرد رد على تعليمة بدوي، وحاول من خلالها تذكير الوزراء بأن مسعى وقف تحويل الأراضي الفلاحية عن طابعها ليس جديدا، على اعتبار أن كلا من وزير العدل ووزير الداخلية تحركا مؤخرا بقوة في هذا الاتجاه. أويحيى تعمد أن يذكر أن هناك إطارا قانونيا يحكم عملية تحويل الأراضي الفلاحية الخصبة جدا والخصبة عن طابعها من خلال خضوع الملف لدراسة لجنتين الأولى تقنية قطاعية مشتركة على مستوى الولاية يسيرها ممثل وزارة الفلاحة والثانية لجنة وزارية مشتركة يرأسها الوزير الأول وتعرض عليها تقارير وتوصيات اللجان التقنية الولائية وتتجسد قرارتها بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. هاتان اللجنتان اعتبرتهما تعليمة رقم 1 أصدرها الوزير الأول في 19 أفريل 2010 كجهاز لمراقبة اللجوء إلى الأراضي الفلاحية تدارك التأخر المسجل في المنشآت القاعدية والبرامج في جميع الميادين. واستند الوزير الأول في تعليمته على المادة 36 من القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 والمتضمن التوجيه العقاري والتي تنص على "أن القانون هو الذي يرخص بتحويل أي أرض فلاحية خصبة جدا أو خصبة إلى صنف الأراضي قابلة للتعمير…"، فيما ذهبت تعليمة بدوي إلى منع كل عملية تحويل للطابع الفلاحي للأراضي الفلاحية سواء باقتطاعها من أجل مشاريع عمومية خارج إطارها القانوني أو استغلالها خارج وجهتها الفلاحية خاصة على مستوى المستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية. وطلب الوزير الأول من الولاة "اتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل تنفيذ هذه التعليمات والسهر شخصيا على عدم تجسيد أي عملية تخصيص للأراضي الفلاحية لفائدة مشاريع عمومية كالبرامج السكنية بمختلف صيغها أو أي تجهيزات عمومية أخرى". كما طلب "توجيه تعليمات للمصالح المختصة من أجل تكثيف خرجاتها الميدانية إلى المستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية لردع أي محاولة إخراجها عن طابعها الفلاحي"، مشددا على ضرورة "عدم ادخار أي جهد في مباشرة المتابعات القضائية" ضد المخالفين لتعليمات عدم تحويل الأراضي الفلاحية عن طابعها الفلاحي. تعليمة أويحيى تعد ردا واضحا على تعليمة بدوي وتصريحات الطيب لوح القائلة بأن القانون بالمرصاد لعمليات التعدي على الأراضي الفلاحية، ولو تعلق الأمر بإنجاز مشاريع عمومية، كما يأتي هذا الجدل في سياق أكبر يتعلق بالخلاف الذي أثارته المادة المتعلقة بفتح مجال أمام الأجانب للاستثمار في المجال الفلاحي، ضمن المشروع التمهيدي لقانون المالية التكميلي لسنة 2018 بين الرئاسة والوزارة الأولى وكان سببا في تأخير المصادقة عليه في مجلس الوزراء.