فاطمة الزهراء زرواطي من وجه إعلامي معروف ومحبوب إلى وزيرة لقطاع حساس لا يتوقف شغفها بالبحث وتطوير البيئة في الجزائر، وتمثيل الجزائر في الكثير من البرامج والمنظمات الدولية.. تتحدث، في هذا الحوار عن شخصيتها، عن الانتقادات التي تتلقاها ولا تقف عندها، عن حياتها الخاصة مع أسرتها، وكيف تتلقى الدعم والسند من زوجها… وتسترجع ذكريات العشرية السوداء، خلال عملها بالتلفزيون، تحبس دموعها بشجاعة، يرتجف صوتها وهي تتذكر آخر مواقفها مع إسماعيل يفصح، رشيدة حمادي وغيرهم… كيف خدمكم الإعلام والتخصص في مسيرتكم المهنية؟ درست البيئة والإيكولوجيا، في جامعة باب الزوار، وكان تخصصا جديدا في الجامعة آنذاك، حيث كنا أولى الدفعات، فجزء كبير من الدراسة مبني على الميدان واللقاء مع المجتمع العميق. وبحكم تخصصي في المناطق السهبية وشبه الصحراوية، اكتشفت عالما مليئا بالأصالة، والعمق في المفهوم الحقيقي لقيمة الأرض، وقيمة الأمن الغذائي، الذي نحاول تأمينه بكل الاستراتيجيات… هذا العمل الميداني، يوجب علينا آليات التواصل مع الآخر، والتجاوب منه، وبالتالي تولد القبول. التخصص البيولوجي، بصفة عامة له، علاقة مباشرة بالإعلام. فلو نبحث حولنا، لوجدنا الكثير من الإعلاميين في التخصص البيولوجي، أصبحوا صحفيين كبارا، لأن التخصص يعطي قدرات للشخص، وفيه عمل ميداني كبير. فدخولي إلى الإعلام، لم يكن من أجل الإعلام، بل من أجل البيئة. بدايتي، في سنة 1992، صادفت قمة الأرض في ريو دي جانيرو. فبتوصية من عميد الجامعة آنذاك، السيد جبايلي، الذي اغتيل في سنة 1994، شجعني، حيث كانت لدي تلقائية في التقديم والتواصل، بحكم نشاطي في الإعلام منذ الثانوية، حيث كانت لدي جريدة ومجلة وكنت أقوم باستطلاعات. تشجعت في تقديم البرنامج، وكنت أحمل في قلبي الكثير من الحب والحزن على المناطق السهبية، التي كنا نراها تتدهور، وهي الحزام الواقي من التصحر والجفاف. تقدمت بمشروع إلى التلفزيون الجزائري، دون موعد أو ترتيب، حول هذه المناطق. وكانت الجزائر، بحكم مشاركتها في قمة الأرض، مطالبة في قنواتها العمومية، باستحداث برنامج يروج للبيئة.. ومن هنا، بدأ دخولي إلى الإعلام. لم يكن لدي هاجس للتموقع في التلفزيون، بقدر المسؤولية، لإعطاء نقلة لمفهوم البيئة في الأذهان. أردت أن أجعل للبيئة صوتا وصورة… كيف عشتم تلك التجربة خلال العشرية السوداء؟ "تلملم دموعها، التي أغرقت عينيها خلف نظارتها، ورجف صوتها كثيرا… وهي تتحدث بألم عن سنوات الإرهاب وما عاشوه" تقول.. كنا مجندين في خدمة الوطن، اقترح عليا تقديم برنامج مباشر، ليكون فيه تفاعل أكبر، وإعطاء أمل من خلال التلفزيون. لم نركع للإرهاب، رغم التضحيات التي كانت كبيرة.. فالإرهاب أتى على الأخضر واليابس، أنهك نفسية الناس، شردهم، رمل النساء، يتم الأطفال.. ما قدمناه نحن في التلفزيون، لم يكن سوى قطرة في بحر. كانت والدتي تقول: لو تنسحبين من التلفزيون ومن البرنامج، بسبب الخطر الذي كنا نعيشه. فأجبتها بأننا كلنا في خطر.. لقد مات ناس لم يكونوا في التلفزيون.. قتلوا ناسا لم يكن لهم أي ذنب. كنت أقول لأمي: الموت أمام الحفاظ على البلد. وبقينا بتلك العزيمة والقوة، ولم نبك على الأطلال. فقدت أصدقاء كثرا.. رشيدة حمادي، وشقيقتها، الكاتبة رجا، وزوجها.. أتذكر أنني التقيت إسماعيل يفصح- رحمه الله- وكان قد عقد قرانه، ولم يدعنا إلى حفل زفافه، وكنت ألومه وأعاتبه على ذلك. قال لي: لم أدعكم لأن الأمور سارت بسرعة، لكن أعدكم بأن أدعوكم إلى حفل عيد ميلادي بالأربعاء ناث إيراثن.. وسألني إن كنت سآتي؟ فقلت له: طبعا… لكن، فعلا ذهبنا إلى المنطقة في موكب كبير.. لكن لتشييعه، وليس لعيد ميلاده… حضرنا كلنا وغاب إسماعيل. في تلك الفترة، الذين تألموا أكثر، هم من عاشوا وليس من ماتوا… هذه الذكريات، لا أريد أن أعكر بها صفو الشباب اليوم، لكن، تأكدوا من أن الجزائر لم تأت من العدم. هذا الإحساس، هو الذي أعطانا القدرة على الاستمرارية. من الإعلام إلى السياسة.. كيف كانت التجربة؟ ولماذا النضال في حزب تجمع أمل الجزائر دون غيره من الأحزاب الكبيرة؟ كنت مناضلة في صفوف الطلبة، وفي صفوف الشبيبة، وأدرّس محو الأمية للبنات.. كنت أقوم بالكثير من الأمور. يعني، لست جديدة على النضال والعمل الجمعوي. أردت أن أرفع رسالة البيئة إلى أعلى درجات المنابر، وبحكم التواصل مع المواطن وبرنامج صباح الخير الذي أقحم فيه دائما ركن البيئة، وفي سنة 2000، عقدنا مؤتمرا يضم كل الفاعلين والمهتمين بالبيئة، وكان تحت رعاية رئيس الجمهورية، فكان ميلاد الفدرالية الوطنية لحماية البيئة. وطلب مني رئاستها. دعمنا المصالحة الوطنية، وكان شعارنا "التصالح مع الأرض". استمر النضال خارجيا، وانتخبت عضو مجلس إدراة الشبكة الإفريقية لمياه الصرف، لعهدتين، ثم انتخبت كمنسقة للجزائر في الشبكة العربية للبيئة والتنمية المستدامة. فلا يمكن أن أتحدث عن النضال السياسي، دون أن أقول كيف بدأ، ومن أين جاء. رأيت أن البيئة تحتاج إلى قرارات سياسية، فمنحت لي فرصة من ذهب، بل من ألماس، للانخراط في حزب تجمع أمل الجزائر، وهي الماسة التي رصعت التاج بالنسبة إلي. لماذا حزب تاج بالتحديد؟ كنت من المجموعة الأولى، التي اهتمت بالحزب الجديد، ليس لأنني رفضت باقي الأحزاب، لا. رأيت أنه علينا التوجه إلى فضاءات أخرى، وانفتاحات سياسية أخرى. هذا الحزب، سمح للكثير من الجزائريين بالانخراط فيه، دون شروط ودون إقصاء. تعرضتم لحملة انتقادات بعد قيامكم بحملة تنظيف في شوارع وأحياء العاصمة البعض قال بأن البيئة أكبر من مكنسة أو تسيير نفايات.. كيف كان ردكم؟ عندما تقوم بعمل ويقابله رد فعل، سواء سلبي أم إيجابي، فهو إيجابي في كلتا الحالتين. الكارثة، عندما تقوم بعمل لا يراه أحد. ربما لأنني محسوبة على المجتمع المدني والبيئي، والرئيس بوتفليقة وضع ثقته في شخصي. فكل وزراء البيئة في العالم هم مناضلون ومدافعون عن البيئة. لست الأولى ولا الأخيرة. ومن الأحسن أن يكون للبيئة من يرفعها، لأنها ليست مشاريع عمودية، بل أفقية. فإذا كانت ثقة رئيس الجمهورية في شخصي، فهو يكون قد أخذ بعين الاعتبار هذه المكونات. يجب أن يكون لدينا الكثير من الصبر والإيمان لترسيخ مفهوم البيئة في كل القطاعات. ما انتقدت عليه، وانقلب في ما بعد، أنني خرجت أنظف كمواطنة مارست حقها. ثانيا، لماذا يقال إنني خرجت للتنظيف، لأقول للناس إنكم لستم نظيفين؟ ولماذا لا يقال إنني خرجت لأنظف كمواطنة أرادت أن تقوم بالتفاتة؟ أنا لا أقول لأحد لماذا لا تقوم بهذا الشيء، بل أبادر وأطلب المشاركة.. أنا لم أدخل بيوت الجزائريين لأنظفها، وأنا متأكدة من أنها أنظف البيوت، وإنما ذهبت إلى فضاء نتشارك فيه، هو ملكنا ومسؤوليتنا. عندما تأتي مبادرة من وزير تكون لها دلالة، لها رمزية، أقول معا ننظف محيطنا، وهذا له علاقة بحياتنا اليومية، وليس له علاقة بالمشاريع، لأن البيئة معقدة جدا. في العالم، يروجون لأشياء ومبادرات بسيطة جدا، وعندما يقوم وزير بأي عمل وينشرها على فايسبوك، يتعرض للانتقاد، ويتهمونه بالرياء، علينا أن نترك الانتقادات والمزايدات بعد أن نؤدي مهامنا، وعندما "نتنقاو ما نعودش نخرج". كيف ترون تراجع دور المواطنين في الحفاظ على البيئة؟ استفزني كثيرا عيد الأضحى.. هل يعقل أن يشتري مواطن أضحية ب50 ألف دينار، ولا يستطيع أن يشتري كيسا بلاستيكيا يلقي فيه الفضلات؟ لا حظنا أيضا تراجعا لدور المرأة في الانخراط في هذه العملية. في السابق، لم نكن نلقي بأي جزء من الأضحية. ينتقدون عمال النظافة، هؤلاء أيضا مواطنون، ألا نفكر فيهم؟ فمهما عملوا، لن يستطيعوا جمع الفضلات التي تلقى في أي وقت، ومتى شاؤوا؟ والقافلة الخضراء؟ أشارك في القافلة الخضراء، نهاية الأسبوع، من صباح الجمعة حتى يوم السبت ليلا، مع نخبة من الفنانين والرياضيين. نخرج على حساب راحتنا ووقت عائلاتنا، ونتنقل في الحافلة. هذا يتطلب جهدا كبيرا. نريد أن نشجع الطفل ونحسس المواطن ونزرع فيهم الثقة في مسؤوليهم. فالجزائر دولة تحب الريادة، خاصة في إفريقيا، لأن التنمية المستدامة لا نريد أن تكون مجرد استراتيجية فقط، بل واقعا حقيقيا نعيشه وننعم به. ما دوركم تجاه المناطق الملوثة بالتفجيرات النووية في كل من رقان وعين صالح وتمنراست؟ لا أعطي تفاصيل كثيرة، فقط تأكدوا من أن هذا الملف رفعناه إلى أقصى درجة من المسؤولية. هناك لجنة متعددة القطاعات للتكفل التام بإزالة آثار التلوث. كما سيتم الاهتمام الصحي المباشر بكل السكان، واستحداث لجنة على مستوى الوزارة الأولى. وأظن أنه لأول مرة تتخذ قرارات وزارية، وتحدد مسؤولية كل قطاع. فلا يمكن الانتظار كثيرا، وسنظفر بحقنا من الذين ارتكبوا هذه الجرائم، ولكن الدولة ستتكفل بالمتضررين، رغم الضائقة المالية.. فصحة سكان الجنوب وصحة الأراضي أولى الأولويات. ما اهتماماتكم خارج مجال البيئة؟ العمل الخيري.. كيف توفقون بين كثرة انشغالاتكم وضيق وقتكم بين العمل والعائلة؟ أنا إنسانة ليس لدي وقت، حتى قبل الاستوزار، دائما مشغولة. عائلتي لا تدري أين أكون، يقولون عني إنني مصابة بمرض البيئة. التفاهم داخل الأسرة، وتقبل الشخص بأفكاره، هي البداية الصحيحة. إذا كان هناك تصادم، فالأحسن الاهتمام بالأسرة، لأن الإنسان الذي لا ينجح داخل العائلة لا يمكن أن يتكلم عن النجاح خارجها، لأنها السند، وهي التي تعطيك القوة. فعندما تكونين مرتاحة مع العائلة، عندما تخرجين تبدعين، لكن إذا كان العكس فخروجك سيكون مجرد انتقام وتصادم وإخراج مكبوتات. علاقتك ببناتك؟ بناتي، أتناقش معهن، أستمع إليهن بقدر ما أستطيع.. حملتهن المسؤولية منذ الصغر، لديهن شخصية مستقلة قوية، لديهن وعي ومتشبعات بالقيم، لا أخاف عليهن حتى لو "قطعن البحار". وكيف هو دعم الزوج لكم؟ أنا متزوجة منذ 25 سنة، الحمد لله، بسبب التوافق الفكري وليس الاجتماعي أو المادي والمظهري، المرأة لا تدوس بعض الأشياء الصغيرة، ولكنها مهمة جدا في حياة الزوج، فقيمة العائلة لديه وقيمة الأم والأب وقيمة التعامل الإنساني، وليس البروتوكولي.. أظن أنه الانسجام والقيمة الإنسانية التي تلتقي بمن يحترمها. الحمد لله، الزوج متفهم. فقضية التوافق مهمة، والصبر والترفع عن الصغائر، وعدم فتح الباب للفتنة والكلام الزائد. لا وجود لكرامتي في الزواج، في كل يوم نعيش صفحة جديدة، نعزز العلاقة بيننا لتنتقل من علاقة شخصين إلى علاقة عائلتين.