بمبادرة من الجزائر, مجلس الأمن يقر بمبدأ المساواة في الاطلاع على وثائق المجلس لكل أعضاءه دون تمييز    نقل بحري:تأجيل رحلة الجزائر-مرسيليا من الخميس إلى الجمعة بسبب سوء الأحوال الجوية    الكيان الصهيوني ما يزال يرفض إيصال المساعدات إلى شمال غزة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    انعقاد أشغال الدورة الثانية للمشاورات السياسية الجزائرية-الأوكرانية    سلطات الاحتلال المغربي تواصل تضييق الخناق على وسائل الإعلام الصحراوية    قسنطينة توقيف شخص وحجز كمية من المخدرات الصلبة والمؤثرات العقلية    محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    والي تيارت يأمر بوضع المقاولات المتقاعسة في القائمة السوداء    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    مولى: الرئيس كان صارماً    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    الاتحاد يسحق ميموزا    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    سوريا في قلب الاهتمام الغربي    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيدة بن حبيلس، رئيسة الهلال الأحمر الجزائر : أنا ابنة زاوية، عشقت الجزائر ولم أتوقف عن النضال أبدا«
نشر في صوت الأحرار يوم 26 - 01 - 2015

كانت جميلة الروح، سليمة السجية، متألقة كعادتها، متواضعة وبسيطة، بخصالها الحميدة والمتميزة، استطاعت أن تكسب قلوب الملايين من الجزائريين، تحدت الصعاب ووقفت في وجه الإرهاب، بروح وطنية وثقة بالنفس لا تزعزعها الرياح العاتية، كانت حاضرة في المناطق النائية والأماكن الأكثر خطورة، غاصت في ربوع الجزائر العميقة، أحبت شعبها وعشقت من أجله كل جميل، اللقاء كان مع سعيدة بن حبيلس رئيسة الهلال الأحمر الجزائري والوزيرة السابقة، في حديث جرئ خصت به »صوت الأحرار، وبقلب مفتوح لم تتردد المناضلة من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، في استرجاع شريط حياتها، بين طفولة طبعتها ذكريات حرب التحرير وشباب تميز بنضال مستميت من أجل إرساء ثقافة التضامن في المجتمع، وقفت ولا تزال هذه المرأة الحديدية واقفة، ليس إلا من أجل نصرة الجزائر وأبناء الجزائر.
*معالي الوزيرة، كيف كانت بداية المشوار؟
ترعرعت في عائلة أصيلة متشبعة بقيم الإسلام، هي عائلة كتو، أنا في الحقيقة الآنسة كتو والجميع يعرف من هو الشيخ أحمد، هي عائلة متشبعة بالروح الوطنية ومن هذا المنطلق تربيت على هذه القيم، أنا من أصل أمازيغي من تفريت نايت الحاج بولاية تيزي ووجدي له زاوية وأنا بنت زاوية، نحن عائلة محافظة
وعندما وصل الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة خاف جدي من نصرنة أبنائه وحفاظا على إسلامهم، قرر أن يهاجر ليعلم أبنائه في المدارس الدينية، كان الخيار بين الزيتونة والأزهر ووقع الاختيار على جامع الزيتونة بحكم قرب المسافة.
ثم جاءت ثورة التحرير الوطني، كنت في عز الطفولة، أذكر جدي أحمد كتو عندما فتح مدرسة قرآنية في تونس، كما سجل أبنائه في جامعة الزيتونة للدراسة، أنا شخصيا عدت مع العائلة إلى الجزائر سنة 1964، لكن أشير في هذا المقام إلى أننا بقينا في تونس داخل الوسط الوطني ومدرستي الأساسية هي الكشافة الإسلامية الجزائرية التي التحقت بها وعمري لا يتجاوز 8 سنوات، وأذكر عندما حضر وفد من الجبهة وطلبوا من الشباب التجند، حينها التحق أخي الذي يكبرني بسنتين بصفوف جبهة التحرير الوطني بشباب الاتصالات وأطفال بوصوف، وسنه لم يتجاوز سنه 15 عام، كنت متأسفة أن سني لم يسمح لي للالتحاق بالجبل وركزت كل تلك الطاقة في فضاء الكشافة الإسلامية الجزائرية.
*كيف كنت تتابعين الثورة التحريرية خلال فترة تواجدك بتونس؟
كنت في وسط الثوار وترعرعت في بيئة الحكومة الجزائرية المؤقتة، الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، الكشافة الإسلامية، كنا نترقب أخبار أخي الذي كان في الجبل، كنا نتقاسم تلك اللحظات مع اللاجئين، صحيح أننا كنا نعيش الثورة عن بعد، لكن بصراحة لم أعش طفولتي كباقي الأطفال، لذا دائما أقول لا يوجد من يفهم مأساة الشعوب المستعمرة مثل الشعب الجزائري، حرمنا من طفولتنا وشبابنا، كان الجسد جسد طفل ولكن العقل والهموم أكبر منا، كنا نفتح إذاعة »صوت الجزائر«، نتابع الأخبار، لم يكن لدينا الوقت للعب والمرح... كنا نقوم بتمثيليات ونجمع تبرعات للثورة، كنا نغني للثورة، في تلك الفترة تعرفت على يوسف وهبي والفنانين الجزائريين في تونس وكنت في المجموعة الصوتية، لا يسعني إلا القول أن الوطنية تجري مني مجرى الدم من العروق ، أنا وجدت بيئة صحيح لكن لدي استعداد داخلي حب الوطن، حب العطاء والتضحية في دمنا.
*وكيف واصلت نضالك بعد أن استعادت الجزائر سيادتها؟
بعد الاستقلال، قررت العائلة العودة إلى الجزائر، حينها كنت طالبة في التربية وعلم النفس والتحقت بالاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين وواصلت المسار الوطني النضالي،في اعتقادي دائما أنه لا توجد عراقيل لتجسيد القناعة، كنت طالبة شابة في فوج التطوع وقررنا في الصيف أن نقوم بعمل تطوعي طلابي في الصيف، بالتحديد سنة 1965، العائلة كان لديها برنامج لتقضي العطلة في تونس وكان من المستحيل أن يتركني والدي لوحدي في الجزائر للقيام بعمل تطوعي، ورغم محاولاتي لم أتمكن من إقناع العائلة ومن ثم ورافقت عائلتي لتونس، ولأعوض تلك الطاقة ذهبت لسفارة الجزائر في تونس وقابلت السفير وأظهرت له بطاقتي كعضو في الاتحاد وشرحت له الموضوع، قلت له أريد تأدية هذا الواجب الوطني على مستوى السفارة الجزائرية واشتغلت شهرا كاملا في السفارة تطوعا ووضعوني في مكتب إعداد جوازات السفر. ومن هنا أقول، لا يجب أن نبحث عن السبب الذي يجعلنا نتهرب عن واجب، المهم القناعة والإرادة.
*قررت أن تنتقلي إلى ورقلة التي يقال أنك لم تفارقيها إلى يومنا هذا؟
في إطار نشاط الاتحاد وبداية من سنة 1967 ذهبنا إلى ورقلة، أين بواقع الجزائر العميقة، مناطق نائية ومعزولة، وكأننا لسنا في الجزائر المستقلة، وجدت نسبة كبيرة من المتعاونين الأجانب معظمهم فرنسيين وبعض المعملين المشارقة، وجدت أيضا نساء وأطفال حفاة عراة، وكنت أرفض تصرف الغربيين والفرنسيين مع هؤلاء لأنهم كانوا يحتقرونهم، وهن لفت أخي المجاهد الشاب الذي كان يعمل في الطيران بورقلة انتباهي، عندما قال لي، أنتم الشباب نضالكم في الجزائر وما جاورها، النضال الحقيقي في الجزائر العميقة، تلك العبارة أثرت في كثيرا، بعدها قررت وبالتحديد في سنة 1967 الذهاب إلى ورقلة والعائلة لم تعترض كون أخي كان متواجدا هناك، وتم تعيين للتدريس بالابتدائية الخاصة بالإناث.
وما يجب أن يعرفه الجميع، أن ورقلة في تلك الفترة كانت تضم ابتدائيتين فقط، واحدة للإناث وأخرى للذكور، أقرب ثانوية تبعد 68 كيلومتر عن المنطقة بتوقرت وثانوية أخرى بالأغواط تبعد بحوالي 400 كيلومتر، وبدأت التدريس وكنت أول مدرسة جزائرية بولاية الواحات، وبعدها التحقت زوجات الضباط والإطارات بالمنطقة.
*وكيف التحقت بالاتحاد الوطني للنساء الجزائريات؟
في يوم من الأيام استدعتني مديرة الابتدائية التي\ كانت فرنسية وقالت لي إن الوالي »بريفي« حينها، يريد لقائي، بعث بسيارة أقلتني لمقر الولاية، وجدت عنده السيدة ليلى الطيب عضو مجلس الأمة حاليا ومجاهدة وكذا طايبي حفيظة وكانتا عضوتين في الأمانة الوطنية للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، بهدف مساعدتهم في تحضير مؤتمر الاتحاد وكن يردن هيكلة المرأة في ولاية الواحات. الوالي خاطبني وقال لي، بلغني أن هناك شابة جزائرية التحقت بورقلة، وهكذا التحقت بالاتحاد الوطني للنساء الجزائريات في سنة 1967 وسني لم يتعد 20 سنة، قمت بعمليات تحسيس وذهبت إلى تمنراست واكتشفت كل مناطق الجزائر العميقة، مسؤولية كبيرة وبحكم التعود على النضال لم أجد صعوبة في تأدية مهمتي. وهذا ما سمح لي بالتعرف على أعماق الجزائر، أين حظيت بثقة الأعيان، لم أجد أي عراقيل في التواصل معهم رغم طبيعة لباسي، كانوا يتعاملون معي على أساس أني حفيدة الشيخ كتو.
*كيف كان اللقاء مع السيد بن حبيلس؟
لما تعرفت على زوجي السيد بن حبيلس، كان هذا الرجل متشبعا مثلي بأفكار النضال، التقيت به سنة 1967 وتزوجنا في 1971، هو حاصل على 3 شهادات من جامعة السربون بباريس، تخصص أدب فرنسي ونحو وصرف فرنسي وترجمة يونانية لاتينية، جاء من باريس إلى متليلي بغرداية في سنة 1955، وكان أول مدير مدرسة في تلك الفترة وفي 1962 وبحكم معرفته بالمنطقة ساهم في وضع أسس التربية والتعليم بولاية الواحات، حيث أصبح مفتش أكاديمية لولاية الواحات في ورقلة.
هذا الرجل منحني الكثير بحكم تجربته ومعرفته للمنطقة وعلاقاته وقد تعرفت على التركيبية الاجتماعية وهذا ما سمح لي في أشد أزمة غرداية في 2014، ذهبت إلى غرداية وتم استقبالي ببني يزقن وكنت ضيفة الأعيان، في متليلي كذلك حظيت باستقبال مميز، وفي بريان أيضا، بريان كذلك، حتى بورقلة الجميع يرحب بي، أبنائي درسوا معهم وبيتي كان مفتوحا للجميع، ويبقى أن العمل الجواري والاتصال مع الناس ساهم في توطيد العلاقة، صحيح أنا لا أحل كل المشاكل، لكني أمد يدي، الحوار ومحاولة مشاكل الأخرين ليس لدي قدرة تنفيذية، أنا همزة وصل، فالناس يأتون لي، ويقولن لي أنهم بمجرد أن استمع لهم فهذا يكفيهم وأنهم لا يكترثون بالنتيجة ما داموا قد وجدوا صدرا رحبا مفتوحا لهم.
*السيدة بن حبيلس، ماذا بعد الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات؟
انتدبت للنشاط النضالي على مستوى الاتحاد وتفرغت للنضال بحكم شساعة المنطقة، نشاطات وطنية ودولية، ثم في إطار نشاطاتي رجعت إلى العاصمة من أجل التظلم في قضية معلمة أخطأت في حقها وزارة التربية، حدث ذلك في الثمانينات وبكل بساطة رفعت التظلم وطلبت موعد مع الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان، كان حينها كمال رزاق بارة ومولود إبراهيمي، فتفاجئوا لأني جئت من ورقلة، قتل لهم، أنا مناضلة في الاتحاد وحددوا لي موعد مع وزير حقوق الإنسان علي هارون آنذاك وطرحت عليه المشكل وحدد لي موعد بدوره مع موعد سليمان الشيخ ويزر التربية وبالفعل أنصفت المرأة وسوية الوضعية...بعدها اتصلت بي الرابطة للانخراط فيها، كان ذلك في سنة 1989، انخرطت وكنت أمثل الرابطة لمنطقة الجنوب الشرقي وبقيت في الاتحاد وفي ورقلة وتدعم نشاطي بعد التعددية والانفتاح، حيث قمت بتأسيس الحركة النسائية الجزائرية للتضامن مع الأسرة الريفية في 1991، وهي موجودة إلى يومنا هذا.
قمنا بنشاطات كثيرة، ومبدأنا كان إخراج الريف من عزلته عن طريق المرأة احتراما للعادات والتقاليد وبدل المرأة الريفية قلنا الأسرة الريفية والنقطة الأساسية هي المرأة من خلالها كأم وزوجة تحل مشكل الطفل، مشاكل الأسرة..الشعب استقبلها وأنا من عادتي لا اكتفي بالخطب أنا امرأة ميدان. وأذكر في سنة 1992، اقترحت على الرئيس الراحل محمد بوضياف إشراك أطفال الجنوب في احتفاليات الفاتح من جوان بمناسبة اليوم العالمي للطفولة، وبالفعل استجاب الرئيس لطلبي، كان ذلك في صيف 1992 شهر قبل مقتل الرئيس، وأحضرت 500 طفل شاركوا في التظاهر واخترت 20 منهم استقبلهم بوضياف رحمة الله عليه.وبعد وفاة بوضياف، جاء الرئيس علي كافين راسلته وذكرته بالتزامات الرئيس السابق والتزامات الدولة الجزائرية، واقترحت التكفل ب 2055 طفل في المخيمات الصيفية، جاؤوا من الجنوب وقضوا عطلة جميلة وسميت بقافلة بوضياف.
*كيف تقرر تعيينك في الحكومة سنة 1992؟
اتصلوا بي هاتفيا وكنت قد دخلت للمنزل لتولي بورقلة، فقلت، جميل، الجزائر تطورت، ردوا على طلبي بعد 48 ساعة، فسرعان ما عدت للعاصمة للاستفسار، خاصة وأنني كنت قد أودعت طلب خاص بإحدى الجمعيات، استقبلني رئيس الحكومة عبد السلام بلعيد، كنا في 10 أكتوبر 1992 ، تركني أتحدث وأشكره على الاهتمام بطلبي، وبعد أن فرغت من الحديث، قال لي، أن قال لي لم اتصل بك من أجل الجمعية، قال لي، أنا نشجع المرأة، لكن من تمثل حقيقة المرأة الجزائرية، أنا لا أعرفك ولكن قالوا أنك كثيرة الخير وامرأة ميدان ويشرفني أن تكوني في حكومتي التي أريد تعزيزها ب 3 نساء.
قلت له أنا وزيرة، أنا امرأة أرافق أرملة أو مطلقة إلى المحكمة ، أرافق عائلة إلى سجن البرواقية لزيارة ذويهم، أمشي للقرى، قال لي من أجل ذلك اخترناك ، نحن نختار من يمثل الواقع الجزائري ولديه مصداقية، هي ليست وزارة ثقيلة، هو فضاء لنسترجع منة خلاله ثقة الشعب في الحكومة.
ومن ثم أصبحت وزيرة منتدبة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالتضامن الوطني ولم يكن لدي لا ميزانية ولا سنيتم، دوري أن أحيي ضمائر وقيم التضامن لدى الشعب الجزائري ونكون همزة وصل وضمير الحكومة الزوج استقبل الأمر بطريقة عادية، قال لي، هي ليست ترقية وإنما هي واجب وطني المرحلة جد صعبة والحمد لله تحملنا لمسؤولية وقدمنا الكثير.
اعتز بأني لم أغير سلوكي، مثلما كنت في الجمعية أو الوزارة أجلس في الرمل، تحت الخيمة لم أغير، عندما تقع مجزرة أنا أول من يحضر، الدولة يجب أن تكون إلى جانب العائلات، لهذا لا أحد يعطي للشعب الجزائري درس في مكافحة الإرهاب، لمن يريدون أن يكونوا في طليعة محاربة الإرهاب كانوا هم الداعمين له وقت كانت الجزائر لوحدها رافعة صوتها وتقول أنه ظاهرة دولية عابرة للأقطار، يوم قتل الصحفي إسماعيل يفصح أطلقوا في فرنسا حملة من يقتل من؟ نحن نقلب الصفحة ولكننا لا ننسى، نحن من نعطي الدروس ولا أحد يتطاول علينا ولا يمن علينا.
لذا اليوم أتأسف أن الشعب الجزائري مازالوا يتلاعبون بهذه المكاسب والتضحيات لا يعرفون قيمتها،
لمن يشعلون النيران في غرداية وتمنراست، المؤكد ليس لصالح الجزائر، يجب أن نتعقل ولا نخطئ في الهدف، المعارضة جيدة لكن يجب أن تختار وقتها، هل الآن من صالح الشعب الجزائري والدولة الجزائرية الدخول في صراعات حزبية ونحن النيران ملتهبة من حولنا ونرى ما حل بليبيا، النيجر، مالي، تونس، مصر، العراق وغيرها من الدول.
هل تذكرين واقعة احتجاز سفينة السلام ببحر العرب؟
تعرضت للموت في 1988 في بيروت عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان، كنت في اللجنة الدولية ضد فرض الحصار الاقتصادي على العراق ووجدت نفسي في لجنة دولية مكونة من عدة شخصيات على غرار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق راسمي كلارك، حينها قررت نساء العالم تنظيم سفينة السلام لكسر الحصار وانطلقت السفينة من الجزائر وكنا نتوقف في كل ميناء، كنت رئيسة الوفد رفقة 25 امرأة جزائرية، أخذنا معنا الحليب والدواء وعندما وصلنا إلى البحر الأحمر بمصر بدأت المشاكل، المصريون أعطوا معلومات للأمريكان حول السفينة، في 24 ديسمبر 1990 كنا في بحر العرب، احتفلنا بعيد المسيح لأنه كان معنا أخوات مسيحيات، وفي فجر 26 ديسمبر من نفس السنة وعلى الساعة 4 صباحا وقع سطو على السفينة وإنزال 500 مارينز أمريكي واسترالي، عددنا كان 394 امرأة و14 طفل، كانوا مخيفين وقاموا بتعنيفنا، حوالي 94 امرأة أصيبت بجروح وكنت أنا من بينهم. بقينا محاصرين لمدة 18 يوم حتى تدخلت السلطات من أعلى مستوى وتم إطلاق سراحنا يوم قصف بغداد، غامرنا ووصلنا للصرة، كانت آخر طائرة بالمدنية عراقية التي غادرت ورجعنا إلى الجزائر. ولا يمكن أن تتخيلوا درجة الرعب التي عاشتها العائلة في تلك الفترة بعد أن انقطعت كل الأخبار، الحمد لله أننا عدنا بسلام على أرض الوطن.
كيف قضيت سنوات الجمر وهل فكرت في اعتزال النضال بسبب تلك الأحداث؟
نضالي لم يتوقف خلال تلك الفترة، ولا أريد الحديث عن التهديد لأن هناك 36 مليون جزائري مهدد والأعمار بيد الله، عندما أخرج في الصباح أترك صك موقع على بياض لأولادي تحت الهاتف، في 1994 عندما قررت المجموعات الإسلامية سنة بيضاء وحرقوا في صيف 1994 قرابة 871 مؤسسة تربوية، قتلوا مديرة جامعة باتنة، قتلوا معلمين، يوم الدخول المدرسي خاطرت بحياتي ومررت عبر حاجز امني مزيف في اتجاهي نحو بلدية الأربعاء، هناك وجدت أساتذة يستقبلون التلاميذ وعائلات رافقت أبنائها للدراسة، هذه هي عظمة الشعب الجزائري.
وبعد الحكومة التحقت بالمجلس الوطني الانتقالي وكنت رئيسة لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والتضامن الوطني واشتغلنا في ميدان الإعلام، التحقت بمجلس الأمة بعد أن عينت من طرف اليمين زروال، والنضال تواصل على مستوى القواعد.
شاركت في عدة فضاءات دولية الفيدرالية العالمية لجمعية ضحايا الإرهاب، عندما كانوا يضغطون علينا بحكم علاقاتي الدولية ذهبت إلى ايرلندا الشمالية وقمت بتحسيسهم بضرورة خلق فضاء دولي للتضامن مع ضحايا الإرهاب وفي باريس اتصلت بمنظمة ضحايا الإرهاب وفي اسبانيا كذلك وأحضرتهم للجزائر مع الجمعيات أسسنا بالجزائر في سنة 2000 الفيدرالية العالمية لجمعي ضحايا الإرهاب... ولمن يرفضون حديثي عن الإرهاب، أقول لهم أن مكافحة الإرهاب ليست حكرا على أحد. أنا كذلك عضو مؤسس للمركز الدولي للبحث في الإرهاب والتضامن مع ضحاياه والذي مقره بباريس ورئيسه.
هل أنت مناضلة من أجل حرية النساء ومناصرة للتيار النسوي؟
أنا أناضل من أجل العدالة الاجتماعية، مجتمع يسوده الوئام والتلاحم، كل واحد فيه يأخذ حقه، أنا لست نسائية ولست من أنصار التيار النسوي، كل واحد يأخذ حقه ويكون هناك احترام متبادل بين الرجل والمرأة والعلاقة تكون تكاملية وليست تنافسية أو على أساس من هو أفضل من الأخر.
التيار النسائي المفرط لا يخدم مصلحة المجتمع، أنا ضد الصراعات، أنا ضد التشبيب المفرط الذي يقصي الأجيال السابقة، هناك تكامل بين الأجيال، ارتكبنا عدة أخطاء في وسط الأطباء والدبلوماسيين وغيرهم من الكفاءات التي تخلينا عنها، يجب التفكير بمنطق المردودية فمادام هذا الشخص قادرا على أن يقدم قيمة مضافة فمرحبا به، أنا كذلك ضد الصراع الثقافي، يجب التعايش السلمي، كلنا نؤمن بالله خالق السماوات والأرض، المسيحي، اليهودي والمسلم والكافر كل واحد حر، لكم يدنكم ولي ديني، المولى وحده من يحاسب هو المولى ونفس الشيء بالنسبة لصراعات الجنس.
هل كنت ضد إدراج نظام الكوطة لترقية الممارسة السياسية للمرأة؟
بالعكس أنا مع قرار إدراج نظام الكوطة في الممارسة السياسية بما يضمن تواجد المرأة في الحياة السياسية، لكن مرحليا، فالمرحلة فرضها واقع، عندما بدأت النضال كنت أحضر الاجتماعات وكنت المرأة في كثير من الأحيان أجد نفسي الوحيدة وسط 400 مناضل، نأسف لكون الأحزاب السياسية تستغل المرأة في الترويج للديمقراطية وتبعدها عن مناصب المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالترشيحات أو التعيينات.
أذكر في التسعينات عندما فتح الرئيس السابق اليمين زروال، باب النقاش حول الواضع السياسي، طلب من الأحزاب السياسية أن تحضر معها أربع أو خمس نساء لمقابلة الرئيس، هناك أحزاب تدعي الديمقراطية لم تحضر أي امرأة، حينها نددت بذلك وقلت كيف لمن تحدين الإرهاب لا يشركن في الحياة السياسية، بعدها اتصلوا بي من الرئاسة واستقبل الرئيس 15 امرأة، للأسف مازلنا في مجتمع يجب أن نقول فيه نحن هنا كنساء. يعترفون بالمرأة في الخطب أما في الواقع، الفرق شاسع، كافحنا كثيرا، أنا لا أؤمن بالشتم، الكفاح هو كفاح أفكار والنضال يكون بالتواجد ميدانيا.
ما رأيك في قرار التعريب وكيف تقيمين المنظومة التربوية في الجزائر؟
الإسلام والأمازيغية والعربية مثقل الهواء الذي نتنفسه، فرنسا سنت قانون للقضاء على اللغة العربية، ونحن قدمنا مليون ونصف مليون شهيد لاسترجاع الهوية، لم اقبل قانون للتعريب، لأننا لم نكن بحاجة إلى ذلك، لماذا نخسر لغة اكتسبناها بعد الاستقلال، الرسول الكريم يقول »من تعلم لغة قوم اتقى شرهم« كان علينا أن نحافظ على هذا المكسب ونعمل على تدعيم اللغة العربية. والنتيجة أننا أنشأنا جيلا لا يتقن أي لغة. أنا أتأسف عندما أرى شباب عبر قنوات تليفزيونية ينشطون حصصا وتراهم عاجزين عن التعبير بلغة سلمية عن أفكارهم. وعليه لا بد من استدراك الوضع يا ليتنا نرجع كما كنا بسطاء.
في أي سنة عدت إلى العاصمة ؟
لم أرجع إلى العاصمة، بيتي مزال في ورقلة إلى حد الآن، أولادي مولودين بورقلة، درسوا هناك وأصدقائهم من تلك المنطقة، لم يترددوا على المدارس المتخصصة ولا المدارس الفرنسية، درسوا كغيرهم من الجزائريين. وكل ما عندي بالعاصمة هو عقد إيواء مع نادي الصنوبر في إقامة الدولة والحمد لله عملت للآخرين وليس لنفسي وهذا ما افتخر به، وأبنائي تربوا على هذا الأساس.
تم انتخابك على رأس الهلال الأحمر الجزائري السنة الفارطة، لماذا قررت الترشح لهذا المنصب؟
أنا تربيت على النشاط الإنساني ولم يخلقني الهلال الأحمر، هناك تراكمات عطلت سير هذه الهيئة، جئت للهلال الأحمر بعدما اتصلوا بي ورشحت نفسي، في الماضي وبالتحديد في سنة 1969 شغلت منصب الأمينة العامة للهلال بورقلة وغادرت بحكم نشاطات أخرى، لكن النشاط الإنساني جزء مني. وتم انتخابي يوم 13 مارس 2014 على رأس الهلال ولا أنكر أن هناك تحديات كبيرة تنتظرنا في ظل الأوضاع الوطنية والإقليمية.
هل كنت من أنصار العهدة الرابعة؟
أنا مع استقرار الجزائر، وبحكم أنني عشت عن قرب المخطط الصهيوني الإسرائيلي عن طريق الربيع العربي ورأيت ما هو مخطط للجزائر وكيف قاموا بتدمير الدول العربية، أذكر وثيقة لمحلل إسرائيلي أصدرها سنة 1982 يقول فيها، ما دام العالم العربي والإسلامي على تركيبته الجغرافية الحالية لا يمكن ضمان امن واستقرار إسرائيل، لذا علينا بإعادة النظر في التقسيم الجغرافي وكل الشروط متوفرة، يحكمهم ديكتاتوريون، هم سنة وشيعة، قبائل متناثرة وذكر تقسيم السودان على نصفين والجزائر على ثلاثة وغيرها. من هذا المنطلق قررت مساندة العهدة الرابعة دفاعا على حماية واستقرار الجزائر.
ما رأيك إذن في »الربيع العربي«؟
بحكم التجربة وبحكم ما التمسته عبر العالم، بكل صراحة فهمت منذ البداية أنه مخطط غربي صهيوني لضرب العالم العربي الإسلامي.
كيف تابعت قضية الاعتداء على مجلة »شارلي إيبدو« وما هو موقفك من إعادة نشر الرسومات المسيئة للرسول الكريم؟
إن ما يحدث في فرنسا هو إرهاب معنوي وخاصة قرارا إعادة إصدار الرسوم المسيئة للرسول الكريم،
موقفي ضد الإرهاب معروف ولا أحد يزايد علينا، خسرنا 67 صحفي ضحايا حرية التعبير، أنا أؤمن باحترام الأديان، أعمل من أجل التعايش السلمي مع الجميع، لكن كيف من لا يعترف بمحرقة اليهود يدخل للسجن ومن مقتنع برسول لا تحترم مقدساته باسم حرية التعبير، لماذا سياسة الكيل بمكيالين.
ما حدث من اعتداء الجريدة الفرنسية، عمل إرهابي غير مقبول، وأنا متضامنة مع عائلات الضحايا، لكن أتساءل عن هذا الاشمئزاز، لصالح من هو في الوقت الذي نريد فيه تعايش سلمي في هذا العالم، هل من مصلحة الإنسانية إذكاء نار الفتنة لخلق صراع ديني في المجتمعات.
هل كانت سعيدة بن حبيلس متحزبة؟
في ورقلة كنت في مناضلة في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني، فأنا متخرجة من مدرسة الأفلان ، لكن مع الأسف المبادئ التي أعرفها انحرف عنها الحزب الآن.
كيف هي علاقتك مع الوالد والوالدة؟
الفضل يرجع لهما في تربيتي وتكويني، الوالدة رحمها الله توفيت والوالد يبلغ من العمر 108 سنة وهو مقيم عندي والحمد لله، أقول لكم نكتة، عندما كانوا يقولون بأن سعيدة تتنقل إلى الأماكن الخطيرة بالحماية، أقول لهم أن الحماية الحقيقية هي بدعوات الخير التي أحظى بها من الوالدين، »أنا صح بلاندي بيها«.
تربيتي وقناعتي تجعلني ضد مراكز الشيخوخة والإسعاف.
وكيف هي علاقتك مع الزوج والأبناء بعد كل هذه السنوات؟
هم يساعدونني، أنا جدة 6 مرات ومؤخرا في 5 جانفي 2014، ازدان فراش العائلة بالكتكوتة »داليا الزهرة«، عائلتي ضحت كثيرا من أجل نضالي وزوجي ضحى كثيرا وإذا وصلت إلى ما أنا عليه، فبكل صراحة الفضل يعود للعائلة وخاصة الزوج فلولاه مستحيل أن أحقق ما حققت، وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم والعظمة لله، قدم لي كثيرا وهو من أبرزني بعلاقاته وقدمني ونصحني بحكم نضجه وتجربته وثقافته وعلاقته واستعداده فقد كان يكبرني في السن وهذا ما خدمني كثيرا.
هل تتابعين القنوات الخاصة؟
أتابع الحوارات السياسية ولا أشاهد المسلسلات التركية، منذ صغري وقتي كان للنضال، لم يكن لدي الوقت للذهاب للحلاقة، حضور الحفلات والأعراس كغيري من النساء، أنا مناضلة وصاحبة قضية.
ما هي الهواية المفضلة عند بن حبيلس؟
كنت رياضية في كرة السلة ولعبت كثيرا في الفرق التونسية وبعدها دخلت للسياسة والنضال، أحب الموسيقى ودرست الموسيقى الأندلسية، وكنت أعزف على آلة العود، أنا ذواقة للموالات، الموسيقى كانت ملاذي للاسترخاء خلال فترة العشرية السوداء عندما كنت أعود من المجازر.
هل أنت طباخة ماهرة؟
نعم عندما أجد الوقت
ماذا أعطاك النضال وماذا أخذ منك؟
النضال أعطاني الكثير، صحيح أنه اخذ مني الوقت والجهد، الصحة والمال، فعندما كنت أجول العالم كان لنصرة الجزائر وتعريف الغير بحقيقة الإرهاب، كان ذلك بأموالي الخاص.
ما هو الشيء الذي يفرح بن حبيلس؟
يفرحني حل مشكلة مواطن وكل عمل أقوم به لأخفف عليه من هول مصيبته
وما هو الأمر الذي يثير سخطها ويحزنها؟
يحزنني الظلم
ما هي فلسفة معالي الوزيرة في الحياة؟
فلسفتي في الحياة أن أعمل الخير قدر المستطاع أن لا أسيئ لمن ظلمني أو أراد بي شرا وحتى لو كان بإمكاني أن أسدي له خدمة فلن أتردد...هكذا أنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.