اقتحمت ميدان الإعلام كخطوة جريئة في حقبة كان فيها كلّ من يكتب في جريدة أو يظهر في التلفزيون مستهدف، فمن برنامج صباحيات دخلت قلوب الجزائريين قبل بيوتهم، بوجهها البشوش وبابتسامتها الرائعة التي كانت تبعث على الارتياح والأمل في قلوب كل الجزائريين داخل الوطن وخارجه، تقول نحن بخير رغما عن الألم الذي خلّفه فقدان الأحبة في سنوات الدم التي عاشتها الجزائر، هي ابنة البيئة، فمن مهندسة دولة في الإيكولوجية، عينت بالتلفزيون الجزائري، وكان أكبر أهدافها تبليغ الرسالة النبيلة التي تحملها لخدمة البيئة المولعة بها منذ الصغر، وكيف تدافع عنها صوتا و صورة، سعيا منها لإرساء الثقافة البيئية لدى المجتمع، كانت البيئة بالنسبة لها واجبا مقدسا في تبليغ رسالة عاهدت نفسها ألا تتخلى عنها مهما كانت التزاماتها. *من مهندسة دولة في البيئة إلى إعلامية متألقة على شاشة التلفزيون الجزائري، هل كان الإعلام أحد طموحاتك أم هي الصدفة؟ -الإعلام لم يكن صدفة بل قدر مشيت إليه بخطوات ثقيلة من أيام الثانوية، حيث كنت مؤسسة لجريدة حائطية ثم ورقية كانت فضاء للإبداع وإبداء الرأي في القضايا الوطنية الاجتماعية والثقافية دون أن أجعل منه هدفا بل أردته وسيلة لتبليغ الرسالة البيئية في أول الأمر، وأنا أتخرج من جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا كمهندسة في البيئة والإيكولوجية، أيقنت أن مهمتي كانت كيف نجعل للبيئة صوتا وصورة لندافع عنها.
*درست تخصص بيئة في الوقت الذي كان فيه الوعي الإيكولوجي لدى المسؤولين والمجتمع غائب، كيف كان التحدي؟ -دراستي للبيئة كانت عن قناعة وحب وتمكني من المادة العلمية جعل عملي أكثر منهجية ومهنية في طرح المواضيع التي كانت تهم المواطن، والتي في أغلبها كانت سابقة لأوانها، ومع هذا كنت أسعى لإرساء الثقافة البيئية، وكنت في العديد من المرات أحضّر الأطفال للحضور والمشاركة، لأن قناعتي أن الاستثمار في العنصر البشري أهم شيء وخاصة الأطفال لأنهم هم من يتولون المسؤوليات في المستقبل وتشبعهم بأهمية احترام البيئة هو أكبر مكسب مستدام. ولكن التحدي الكبير كان كيف يمكن أن نصل لبرمجة تعطي للبيئة حقها، لم يكن سهلا باعتبار أن اعتقاد المسؤولين أن برنامج البيئة موجه للأطفال، في حين كنا نتناول مواضيع حساسة جدا ذات بعد اقتصادي، مثل المحجرات و مصانع الأسمدة و الإسمنت و معاصر الزيتون و سرقة رمال السواحل و استعمال السير غاز و خطورة زيوت السيارات المستعملة، و مواضيع أخرى كثيرة وقفنا عندها في كل الولايات، كل حسب خصوصيتها.
*كيف كانت أول محطاتك في التقديم كأول إعلامية تقترح وتقدم أول برنامجا بيئيا على شاشة التلفزيون الجزائري؟ – إعدادي وتقديمي لبرنامج البيئة كان أكبر من مجرد الظهور على الشاشة، كان واجبا مقدسا في تبليغ رسالة عاهدت نفسي أن لا أتخلى عنها مهما كانت التزاماتي.
*ما سرّ تلك الابتسامة العريضة الجذابة وأنت ترددين "من هنا الجزائر" في برنامج "صباحيات"، كيف كانت التجربة، وماذا أضافت و غيّرت في فاطمة زرواطي؟ – برنامج "صباحيات" كان نقطة التقاء الجزائريين نساء، رجالا، شبابا و أطفالا، محطة مفصلية في حياتي ليس من حيث محتوى البرنامج بل من حيث الفترة التي ميزها اليأس والخوف وجرائم ارتكبت في حق الكثير من الجزائريين، لم يكن الظهور سهلا، لأن الجزائري هنا وخارج الوطن يرى الجزائر في وجه المنشط، ولذلك كانت الابتسامة لا تخذلني رغم ما كنا نعانيه في صمت من فقدان الزملاء الواحد تلو الآخر، كانت التجربة أشبه بالقدر الذي ليس لنا عنه بديل، اعتبرت عملي أضعف شيء يمكن أن أساهم به إلى جانب كل الرجال والنساء الذين وقفوا في وجه الإرهاب وقفة رجل واحد. "صباحيات" جعلتني جزائرية بالمعنى العميق للوطن الذي سكنني ولم ولن يغادر، جعل إحساسي بالمسؤولية أكبر، ووعي بأهمية الرسالة الإعلامية تجاه المجتمع. *ما رأيك في الانفتاح الإعلامي اليوم؟، و ماذا أضاف مقارنة بالحصار الإعلامي فترة التسعينيات، فترة بداياتك؟ الانفتاح الإعلامي خطوة كان لابد منها، لأننا نعيش تطورا إعلاميا رهيبا، و لا يستأذن لدخول الأوطان، ولذلك من المهم أن يعرف الإعلام الجزائري هذه القفزة التي أكيد ستتحول مع الوقت والممارسة من الكمية إلى النوعية في الاهتمام بانشغالات المواطن الذي له الحق في معلومة كاملة واضحة و في وقتها، ولا يمكن المقارنة بين فترة التسعينيات واليوم، لأن لكل مرحلة تحدياتها وأولوياتها وأيضا تركيبتها البشرية، ربما الاختلاف في تقديم المصلحة العامة على السبق الصحفي، وهذا لأننا تأثرنا كثيرا بالقنوات الفضائية العربية وأخرى التي فتحت الباب أمام تناول بعض المواضيع بجرأة كبيرة و دون أي مؤطرات. *ما تقييمك لما يقدّمه التلفزيون العمومي والخاص اليوم؟ – تقييم التلفزيون العمومي أو الخاص يجب أن يخضع لدراسة تبنى على إستراتجية كل منهما، و التلفزيون يخضع لقانون الطلب والعرض، و ليس لنا نمط واحد من المشاهدين، بل أنماط عديدة صعب جدا تلبية رغباتها في حجم ساعاتي محدود، ويجب مراعاة برامج كل الفئات، عملية شبه مستحيلة، و أنا اعترف أن المشاهد الجزائري الأصعب في المنطقة العربية، حساس جدا لأي تغيير ولا يغفر الهفوات، ولكن يقدّر العمل الجيد. أظن أنه لا يمكن أن نتحدث عن مقارنة مع الأعمال الأجنبية، لأن هذه الأخيرة ليست موجهة فقط للمشاهد الجزائري بل لها سوق كبيرة، تعتمد التقنيات الحديثة والديكور العصري والقصص الاجتماعية المؤثرة، وهذا ليس بالخدمة العمومية، بل سلعة تجارية مثلها مثل أي منتوج.
*أين تجد الأستاذة فاطمة الزهراء نفسها أكثر بين الإعلام، العمل الجمعوي و السياسة؟ – ثلاثي متكامل الإعلام وسيلة البيئة التي تحتاج لسياسة قوية من أجل الحفاظ عليها من أنانية الإنسان. بالنسبة لتجربتي السياسية أعتبرها فتية والعمل سيستمر بخطى ثابتة و غير متسارعة من أجل ممارسة سياسية ناضجة ومنتجة للبرامج والحلول التي تعكس انشغالات وطموحات المواطنين.
*هل سنرى الأستاذة فاطمة زرواطي في برنامج بعيد عن البيئة، و ماهي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟ – البيئة حاضرة في كل تدخلاتي عبر العديد من الوسائل الإعلامية وفي مشاركاتي المتعددة كرئيسة الفدرالية الوطنية لحماية البيئة و عضو الشبكة العربية للتنمية والبيئة، و أكون سعيدة بتقديم برنامج بيئي في مستوى ما أطمح إليه إذا توفرت الفرصة طبعا. أنا ليس لي طموح شخصي وإنما طموح باسم وطني، والمتمثل في الوصول إلى تنمية محلية نموذجية فيها المجتمع المدني شريك فعال و متفاعل.
*تميزك الإعلامي و عفويتك أدخلتك بيوت الجزائريين، لماذا لم تلتحقي بالقنوات الأجنبية أو العربية في الوقت الذي انتقلت فيه العديد من الوجوه الجزائرية للعمل خارج الديار؟ – لم تكن لي أي رغبة في مغادرة الجزائر، و هذا خيار شخصي.
*لماذا تفتقر برامج الأحزاب السياسية الناشطة لمشاريع تخدم التنمية البيئية، ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية؟ – بالنسبة للبيئة في برامج الأحزاب السياسية، كانت لي تجربة في تشريعيات 2012، حيث نظمت باسم الفدرالية الوطنية لحماية البيئة لقاء مع الصحافة وممثلي الأحزاب لمعرفة ما موقع البيئة في برامجهم، وللأسف أحزاب قليلة لبت الدعوة، أما البقية أكدت دون الحضور. و حزب "تاج" منحني فرصة لخدمة البيئة، وأنا عضو المكتب السياسي مكلفة بالبيئة، ونظمنا العديد من النشاطات ذات الصلة حول الطاقات المتجددة وحملات تشجير ومواضيع في الندوة الوطنية للتنمية المحلية، ومن مؤسسات الحزب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. أظن أن هذه المرة ستكون البيئة من النقاط المهمة في الانتخابات.
*و في رأيك ما هو السر وراء إنشاء أسرة ومجتمع أكثر وعيا لأهمية الجانب الإيكولوجي، و ماهو دور المرأة بالتحديد؟ وكيف تنظمين وقتك بين العمل والبيت في ظل مسؤولياتك الكبيرة؟ -اللبنة الأساسية في تطوير المجتمع هي المنظومة التربوية والتي عرفت العديد من التجارب المتعاقبة والتي أفرزت الكثير من الاختلالات لأننا حرصنا على التحصيل العلمي دون التأطير الأخلاقي، واليوم نرى ما يحدث من عنف داخل وخارج المؤسسات سببه غياب كلي لدور الأسرة التي انفصلت عن العائلة الكبيرة، وهي تفتقد للتجربة الكافية لتربية الأبناء، و هنا حدث الإنفلات، تسرب مدرسي، عنف، مخدرات، و تخريب الممتلكات العامة، و هنا أول ضحية هي البيئة بالمفهوم الواسع، و هنا أقول إن البيئة هي الحل، كيف؟ تنظيم رحلات استكشافية، نوادي خضراء لكل التلاميذ وليس البعض فقط، شجرة أو نبتة لكل طفل، حملات تطوعية تحسيسية يقوم بها الأطفال تجاه الكبار، تبادل و زيارات بين المؤسسات، تنظيم مسابقات للرسم والإبداع، و كل النشاطات الرياضية والثقافية، خلق فرق مسرحية وموسيقية ومجموعات صوتية للأغاني الوطنية والأناشيد، الهدف من هذا كله تكوين شخصية الطفل بطريقة سليمة وإبعاده عن الفراغ، و هذا يساعد أيضا في تحسين التحصيل الدراسي والتركيز والاهتمام، و هنا نقول إننا نستطيع بجيل كهذا أن نصبح أمة متحضرة و رائدة، لأن البيئة تحتاج للاستثمار في العنصر البشري و البقية تحصيل حاصل، و الاستدامة يجب أن تكون في الفكر قبل العمل و برؤية استشرافية للمستقبل. أظن أنني خلقت للعمل والتطوع لأنني أؤمن بأن الأنانية لا تبني شيئا، واليأس يهدم الطموح، والإرادة تقهر الصعاب، و لذلك أسعى لزرع الأمل من خلال نشاطاتي المتواضعة مع كل من يؤمن بأن الوطن يجب أن يسكننا قبل أن نسكنه. البيئة أوكسجين حياتي الذي يساعدني في العمل والبيت، فعندما نتنفس الهواء النقي ففكرنا يكون نقيا وسلوكنا إيجابيا وعملنا مثمرا.
*كلمة أخيرة للطاقم الشاب في جريدة "الحوار". – أولا الشكر الكبير لك على هذه الالتفاتة الطيبة والتقدير لكل قلم موضوعي ومهني و واع بالمسؤولية، التقدير لكل الجهد الذي تبذلونه من أجل تنوير الرأي العام بما تقدمونه من مواضيع وحوارات مميزة ونابعة من عمق مجتمعنا. كل المحبة والتقدير. حاورتها: سمية شبيطة