قدر خبراء وأعضاء من لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، حجم الأموال التي بإمكان الدولة الجزائرية، استرجاعها ب 20 بالمائة فقط من إجمالي المبالغ المنهوبة، التي يحوزها رجال أعمال متهمون في قضايا فساد ومسؤولون، تم إيداعهم السجن، وذلك في فترة لن تقل عن 3 سنوات، أي بعد صدور أحكام قضائية نهائية في حقهم، واتخاذ كافة الإجراءات الخاصة باسترجاع هذه الأموال، يتقدمها تقييم الأصول وإحصاء ثروات هؤلاء الأشخاص، المحسوبين على ما يسميه الشارع الجزائري ب”أفراد العصابة”، أي اتخاذ 4 إجراءات لاستعادة هذه المسروقات. عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني الهواري تيغريسي: هذه الدول الأكثر “تمليكا” للجزائريين المتورطين في الفساد – استرجاع 20 بالمائة من الأموال المنهوبة يتطلب ثلاث سنوات يجزم عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، الهواري تيغريستي،بأن استرجاع الأموال المنهوبة من طرف رجال الأعمال والسياسيين المتورطين في قضايا الفساد،المتواجد الكثير منهم حاليا بسجن الحراش بالعاصمة، سيستغرق وقتا طويلا لا يقل عن 3 سنوات كأدنى حد، بالنظر إلى الإجراءات التي يجب انتهاجها لاسترجاع هذه الأموال، مشيرا إلى أن استعادة 20 بالمائة من هذه المبالغ لن تقل مدتها عن 3 سنوات في أسرع السيناريوهات. ويقول تيغريستي لدى نزوله ضيفا على منتدى جريدة “الشروق” إن إجراءات استرجاع الأموال المنهوبة من الناحية القانونية تستغرق 3 سنوات على الأقل، إذ يجب أن تتوفر حيثيات التهمة لدى صاحب هذه الأموال، ثم بعد ذلك مقاضاة المتورطين في الفساد وإصدار الأحكام القانونية في حقهم لتشرع عقبها الدولة الجزائرية في عملية استرجاع الأموال، وهذا بعد الطعن في الحكم وصدور الحكم النهائي للقاضي، وتستغرق كافة هذه الإجراءات حسب المتحدث في أسرع حالاتها 3 سنوات على الأقل، في حين قدر حجم الأموال التي يمكن استعادتها ب20 بالمائة من الأموال المنهوبة، بحكم أنه ليست كافة الأموال المنهوبة يمكن استرجاعها. ويؤكد عضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان، أن العملية تكون في البداية عبر تقييم أصول هذه الأموال، وهو الإجراء الذي تقوم به العدالة، ويتعلق الأمر أيضا بالأموال المتواجدة بالخارج على شكل حسابات بنكية “أوفشور” وعقارات ومصانع واستثمارات، وهي التي يمكن استرجاعها بالتعاون مع بعض الدول التي وقعت الجزائر في هذا الشأن اتفاقيات معها، لكن لا يمكن استرجاعها بالنسبة للبعض الآخر، مع العلم أن أغلب ممتلكات الجزائريين في الخارج متواجدة بكل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وكندا والبرازيل ودبي وتركيا، في حين تشمل الأموال التي يجب استرجاعها – بحسبه- أيضا مستحقات التهربات الجبائية والجمركية وكافة الامتيازات غير المستحقة التي استفاد منها مسؤولون ورجال أعمال في الجزائر. 50 بالمائة من الأموال المنهوبة متواجدة في السوق السوداء ومن بين أهم العراقيل التي تواجه استرجاع الأموال المنهوبة، حسب ذات المتحدث، تواجد نسبة كبيرة منها في السوق السوداء، مقرا بأن 50 بالمائة من الكتلة المالية في الجزائر متداولة خارج النطاق الرسمي، وهو ما منع الحكومة سابقا من فرض ضريبة الثروة، بحكم أن وزارة المالية تجهل العدد الحقيقي للأثرياء في الجزائر، داعيا إلى ضرورة المسارعة لإدماج السوق الموازية في السوق الرسمية، عبر رقمنة القطاع المصرفي، وفرض إلزامية الصك في التعاملات التي تزيد عن مائة مليون سنتيم، وهو القرار الذي فرضته الحكومة قبل 4 سنوات إلا أنها فشلت في تطبيقه. وطالب الهواري تيغريسي الحكومة بضرورة رفع الدعم الاجتماعي الذي يشمل كافة الجزائريين واستبداله بدعم انتقائي، عبر فرض مساعدات مالية للجزائريين تمس فقط الفقراء والمحتاجين وتستثني الأغنياء، مشيرا إلى أن فرض هذا القرار من شأنه أن يقتصد 10 ملايير دولار من أموال الدعم التي تعادل سنويا 14 مليار دولار من الخزينة العمومية، والأمر هنا يتعلق بالدعم المباشر الذي يشمل الوقود والمواد الغذائية الأساسية، باستثناء الدعم الموجه لرجال الأعمال وأصحاب مصانع التركيب وغيرها من القطاعات. وبخصوص رجال الأعمال المتواجدين في السجن، ثمن المتحدث قرار تعيين متصرفين إداريين على رأس المجمعات الاقتصادية التي يسيرونها، قائلا إن القرار صائب ويهدف إلى الحفاظ على مناصب الشغل المتواجدة على مستوى هذه المجمعات والحفاظ على أموال الشعب الجزائري، وأيضا على الطابع الإنتاجي لهذه المؤسسات التي تنام على عدد لا بأس به من الكفاءات الجزائرية، بحيث سيتمكن هؤلاء من التصرف في تسيير هذه المجمعات إلى غاية صدور أحكام نهائية في حق أصحابها، في حين ربط استمرار هذه المجمعات الاقتصادية أو إفلاسها بطبيعة المجمع، أو الشركة، فالمؤسسة القادرة على الإنتاج ستستمر حسبه، أما تلك التي كانت قائمة على الاستفادة من الريع وتضخيم الفواتير فإن مصيرها سيكون الإفلاس لا محالة. وشدد في السياق على ضرورة فتح رأسمال عدد كبير من المؤسسات الجزائرية على البورصة، خاصة التي حققت الربحية في السنوات الماضية وتتوفر على الشروط القانونية، بحكم أن مثل هذا القرار من شأنه أن يضمن الشفافية، ويمنع أي تلاعب في التسيير، ويمكن في حال تسجيل أي مشكل قانوني،أن مجلس الإدارة يتخذ القرارات المناسبة، فالمؤسسة لن تصبح في يد شخص واحد، وإنما تحت تصرف كافة المساهمين. وطالب عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني الحكومة بضرورة المسارعة لتعديل قانون الاستثمار وإقرار مجموعة من التسهيلات للراغبين في الاستثمار ورفع الحواجز البيروقراطية وتوفير كافة الشروط الملائمة لذلك بداية من عملية منح الصفقات إلى غاية توزيع الأرباح، وتوفير مناخ مصرفي أكثر ملائمة، خاصة في ظل غياب المستثمرين، وسياسة التخويف المنتهجة مؤخرا عبر محاسبة كل من يوقع على مشروع وكل من استفاد من قرض وتحصل على عقارات فلاحية وصناعية وزراعية، وأيضا تجميد ملفات دراسة القروض، كما ربط بين الاستقرار الاقتصادي والاستقرار السياسي، قائلا إن عودة طلبات الاستثمار الأجنبية لن تتأتى إلا في حال تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وعودة الهدوء الشعبي. كماشة المديونية الخارجية تقترب.. والأفامي ممتنع عن الإقراض وتوقع تيغريسي في حال عدم إيجاد الحلول المناسبة لمجابهة المرحلة المقبلة، وعدم استرجاع الأموال المنهوبة العودة إلى الاقتراض والوقوع في كماشة المديونية الخارجية في أسرع وقت ممكن، مع العلم أن الظرف الراهن لا يسمح باللجوء إلى مؤسسات الإقراض الدولية، التي لن تلعب دور المقرض هذه المرة، خاصة صندوق النقد الدولي الذي بات يجابه كافة طلبات الإقراض بالرفض، ولم يعد يلعب دور المنقذ، مضيفا: “الأفامي أقرضنا في التسعينيات من القرن الماضي وفرض شروطا قاسية كلفتنا الكثير، لكن المرحلة المقبلة لن يتقبل فيها الصندوق إقراضنا وستقع الحكومة المقبلة في ورطة في حال أرادت الاقتراض”. وذهب المتحدث أبعد من ذلك مشددا على أن القرض الذي استفادت منه الجزائر من البنك الإفريقي الذي عادل قرابة مليار دولار قبل سنتين، جعلها تتخذ جملة من الإجراءات الطويلة والعريضة لنيل الموافقة، وتم التوقيع على القرض بصعوبة رغم أن الجزائر أحد أهم المساهمين في البنك الأمر الذي يجعل اليوم من الصعب الاستفادة من قرض من المؤسسات الدولية، وهو ما سيوقع الحكومة المقبلة في حرج كبير في حال عدم اتخاذ إجراءات إصلاحية في القريب العاجل واللجوء إلى حلول جذرية وليس الاكتفاء بمجرد الحلول الترقيعية. قال إن العملية بالنسبة إلى الممتلكات المتواجدة داخل التراب الوطني ستكون أسهل الخبير كمال سي محمد: أموال العصابة في الخارج أغلبها عقار واستثمارات “أوفشور” يؤكد الخبير المال والاقتصادي، كمال سي محمد، أن الأموال المنهوبة من طرف رجال أعمال ومسؤولين سياسيين وإطارات جزائرية متورطة في قضايا فساد، متواجدة إما على شكل أصول وممتلكات في الجزائر أو على شكل عقارات وحسابات وشركات “أوفشور” في الخارج، ولذلك لا يمكن التعامل معها جميعا بنفس الشكل، كما أن قرار استرجاعها سيجابهه العديد من الصعوبات. ويعتبر الخبير كمال سي محمد خلال نزوله ضيفا على منتدى جريدة “الشروق” أن الأموال المتواجدة في الخارج هي على شكلين، الشكل الأول يكمن في شركات “أوفشور”، مفسّرا: “هي شركات تنشط تحت قوانين دول أخرى ومن ثم فمن الصعب إن لم نقل من المستحيل تحصيل تلك الأموال، أما العقارات والحسابات والممتلكات الموجودة باسم الأشخاص المتحفظ عليهم من طرف العدالة، فهنالك عدة مراحل لاسترجاع تلك الأموال”. وحسب ذات الخبير، يجب أولا إطلاع العدالة الأجنبية التي تستقبل بلدانها تلك الأموال، أن هذه السيولة عبارة عن أموال جاءت بطريقة غير مشروعة، عبر استصدار حكم قضائي نهائي من طرف العدالة الجزائرية، وتقديم ملف يتوافق والقضاء محل الدولة المراد استرجاع الأموال منها، وهذا في حال ما لم يكن هناك نص أو اتفاق دولي يمنع ذلك. وأضاف المتحدث قائلا: “أنا أعتقد أن الأموال المهربة غير معروفة والأرقام التي يقدمها بعض الخبراء مجرد أرقام تقريبية، لا تمت للواقع بصلة، لذلك فإنه من الصعب تقدير تلك الأموال والممتلكات”. وذهب أبعد من ذلك مشددا على أن الأموال التي من الممكن استرجاعها لن تتجاوز بعض الملايين من الدولارات. وبخصوص أموال العصابة المنهوبة، التي لا تزال متواجدة في الجزائر، فهذه الأخيرة سهلة الاسترجاع، حسب الخبير نفسه، حيث إنه بمجرد أن تكون هناك حسابات بنكية بأسماء هؤلاء الأشخاص، يتم تجميد تلك الأموال أو العقارات أو الأصول بعد أن يثبت الحكم القضائي بأنها أموال منهوبة، في حين يبقى الإشكال في طريقة تسيير مثلا شركات رجال الأعمال المدانين. وتساءل كمال سي محمد قائلا: “هل تقوم الدولة بتأميم تلك الشركات بعد أن يثبت أن مصدرها النهب أم يتم بيعها أم ماذا تريد السلطة من كل هذا؟”، مضيفا: “أنا مع بيع الشركات للخواص واستخدام تلك الأموال في موارد الموازنة، وهذا إن ثبت أن تلك الأموال مصدرها نهب الأموال العامة”، في حين عارض المتحدث قرار تسيير القطاع العام لتلك المؤسسات، واصفا إياه ب”الخطإ الجسيم”، مشددا على أن كافة الجزائريين يدركون ضعف المسير العام خاصة أن التجارب المحققة في هذا المجال في حقبة الاشتراكية أثبتت فشلها بحكم أن معظم تلك الشركات كان مصيرها الإفلاس والانهيار. الخبير الاقتصادي كمال رزيق: يجب التحقيق في ممتلكات زوجات وأبناء وأصهار رجال الأعمال الفاسدين طالب الخبير المالي والاقتصادي، كمال رزيق، الحكومة بضرورة اعتماد كافة الصيغ والطرق لاسترجاع أموال رجال الأعمال الفاسدين، ولو كان ذلك عبر الضغط عليهم واستعمال أسلوب المساومة، على غرار الطرق التي اعتمدها عدد من الدول مؤخرا، ويتعلق الأمر بالصين وروسيا والسعودية ودول أخرى، حينما فرضت الإقامة الجبرية على رجال الأعمال وعائلاتهم وطرقا أخرى مقابل إعادة أموال الشعب. ويعتبر كمال رزيق في تصريح ل”الشروق” أن الأمر سهل بالنسبة لاسترجاع الأموال المعلومة ملكيتها لرجال الأعمال المتواجدين في السجن والمتورطين في قضايا الفساد، وهذا من خلال مصادرتها جميعا، إلا أن المشكل يبقى مطروحا بالنسبة للأموال التي يمتلكها هؤلاء المتورطون في قضايا فساد ولكن ليس بأسمائهم وهو ما يجعل أمر استرجاعها شبه مستحيل، داعيا الحكومة في هذا الإطار إلى أن تشمل التحقيقات أيضا أزواج وأبناء وأصهار وأقرباء وجيران المتورطين في الفساد، والبحث في حيثيات “من أين لهم هذا”، للتمكن من استرجاع أموال الشعب، حتى وإن لم تكن كاملة ولكن بأعلى مستوى يمكن استرجاعه. أما بالنسبة للأموال المتواجدة في الخارج، فيدعو الخبير الاقتصادي والمالي إلى خوض معركة دبلوماسية قانونية، للتمكن من ذلك، عبر تقديم ملفات قانونية كاملة تثبت تورط هؤلاء، وتسخير السفراء والقناصلة والخارجية الجزائرية التي يجب أن تتحرك إلى جانب القضاء للتمكن من استرجاع هذه المبالغ الضخمة، مشددا: “الشرط الأول لاسترجاع المبالغ المنهوبة، هو تحديد قيمة هذه الأموال ثم بعد ذلك التحرك أفقيا وعموديا لإيجاد صيغة مناسبة لاستعادتها، فرجال الأعمال وصلوا إلى درجة لا يتصورها أي شخص، واحتمال كبير أن غالبية أموالهم في الخارج وكذا هنا في الجزائر مسجلة بأسماء مستعارة”. وتساءل كمال رزيق عن سبب تماطل الحكومة في استرجاع أموال صاحب فضيحة القرن عبد المومن خليفة، بالرغم من مرور عدة سنوات على تسليمه من طرف السلطات البريطانية، داعيا هنا إلى الصرامة في تطبيق القانون والاستفادة في هذا المجال من تجارب الدول التي سبقتنا على غرار الصين والسعودية وروسيا، مشددا على أنه لا يمكن التساهل في استرداد أموال الشعب.