هو من أكبر وأشهر الملحنين والمطربين المصريين، في القرن العشرين، وهو كذلك ممثل ومنتج، هو ببساطة فنان شامل، ترك بصمته الخاصة في عالم الطرب والفن العربي عموما، له علاقة وطيدة بتاريخ الجزائر، كيف لا، وهو من لحن النشيد الوطني… اكتشفوا معنا قصة “محمد فوزي”، وحكايته الجميلة مع مفدي زكرياء و”قسما”.. ولد محمد فوزي يوم 19 أوت 1918 بمحافظة الغربية بمصر، من عائلة ثرية جدا، حيث كان والده من أغنى العائلات المصرية. محمد فوزي أخ ل 24 شقيقا وشقيقة، حيث كان والده متزوجا من ثلاث زوجات، من بين شقيقاته الفنانة هدى سلطان. إلى جانب كونه غنيا، كان والد محمد فوزي متيما بالفن، فكان يصطحب معه ابنه إلى ليالي التواشيح والذكر، فبدأ محمد فوزي يتشرب الفن الأصيل، ومن هنا وفي هذه السن الصغيرة، بدأت موهبته واهتمامه بالموسيقى يظهران، فاشترك في فريق الموسيقى في مدرسته، وبدأ يحيي الحفلات المدرسية، وهكذا كانت الانطلاقة، ثم انتقل إلى القاهرة سنة 1935، والتحق بمعهد الموسيقي العربية، الذي تخرج منه موسيقارا، بعدها بدأ محمد فوزي يحترف الموسيقى فاشتغل في فرقة “بديعة مصابني”، وهي من أكبر الفرق التي كانت تنشط آنذاك، حيث اشتغل في هذه الفرقة كبار الفنانين والفنانات، من بينهم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب والفنانة تحية كريوكا، بعدها تم اعتماد محمد فوزي من طرف الإذاعة المصرية كمطرب وملحن. كتب محمد فوزي ولحن لكبار المطربين في مصر أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، ولاقت أعماله نجاحا جماهيريا كبيرا. محمد فوزي.. مفدي زكرياء ولحن “قسما” خلال إنجازنا هذا العمل، التقينا بالكاتب الصحفي، الناقد السينمائي، الأستاذ أشرف غريب، وهو مؤلف كتاب “محمد فوزي الوثائق الخاصة”، الذي روى لنا قصة تلحين الفنان محمد فوزي النشيد الوطني الجزائري. يقول الأستاذ أشرف: “القصة، بدأت لما كلفت جبهة التحرير الجزائرية المناضل الشاعر الجزائري الكبير، “مفدي زكريا”، بكتابة النشيد الوطني الجزائري، الذي لبى الطلب وأنهى كتابته يوم 25 أفريل عام 1955، وكان مسجونا وقتها في الزنزانة رقم 69 في سجن “بربروس” الشهير بالقصبة بالعاصمة الجزائرية، وبعد خروج مفدي زكريا من السجن تم تسليم النشيد إلى ملحن جزائري اسمه “محمد طوري”، وتم تسجيل النشيد بالفعل في منزل مفدي زكريا بحي القصبة بالعاصمة، لكن قادة جبهة التحرير الجزائرية لم يعجبهم اللحن، حيث رأوا أن النشيد يفتقد الحماس المطلوب، بعدها سافر مفدي زكريا بالنشيد إلى تونس، والتقى ب”محمد تريكي”، وهو ملحن تونسي معروف، وبالفعل قام “محمد تريكي” بتلحين النشيد، ولكن لقي نفس الرفض من قادة جبهة التحرير الجزائرية، لكن لسبب مختلف، حيث كان لكل مقطع لحن مختلف، والمعروف أن النشيد الوطني يجب أن يكون بلحن واحد حماسي.. بعدها، توجه مفدي زكريا إلى مصر، وذهب إلى مقر إذاعة صوت العرب، وكانت إذاعة صوت العرب وقتها هي لسان حال جبهة التحرير الجزائرية، والتقى مفدي زكريا ب”أحمد سعيد”، مدير إذاعة صوت العرب آنذاك، وشرح له الموقف.. وتشاء الأقدار، أن يكون محمد فوزي في ذلك اليوم في الإذاعة، حيث كان يسجل أغنية في أستوديو إذاعة صوت العرب، والتقى بمفدي زكرياء، وتحمس جدا لكلمات النشيد، واقترح أن يقوم بتلحينه، وبالفعل قام محمد فوزي بتلحين النشيد خلال ساعتين فقط، ورفض محمد فوزي تقاضي أي مال مقابل تلحينه للنشيد الوطني الجزائري، ويقال إنه دفع أجر الفرقة الموسيقية من جيبه الخاص، كتبرع منه للثورة الجزائرية، وكان ذلك عام 1956، وتم اعتماد نشيد “قسما” بكلماته ولحن محمد فوزي عام 1963كنشيد وطني للجزائر”. “مصر فون”… قمة النجاحات وبداية النهاية من أهم إنجازات محمد فوزي مؤسسة “مصر فون” لإنتاج الأسطوانات، وهي أول شركة مصرية تنتج أسطوانات الفنانين، أسسها الفنان الراحل عام 1958، وقد كانت ضربة موجعة جدا إلى المنافسين الأجانب، الذين كانوا يبيعون الأسطوانة ب 90 قرشا، بينما كان محمد فوزي يبيعها ب 35 قرشا فقط. اهتم كبار الفنانين ب “مصر فون”، وسجلت عنده أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم الكثير. تألق محمد فوزي في تسيير هذه الشركة المصرية، وتواصلت نجاحاتها إلى غاية عام 1961 عام نكسة محمد فوزي.. بداية النهاية.. قرر جمال عبد الناصر تأميم شركة “مصر فون” في إطار سياسة التأميم، وأرجع المؤرخون سبب هذا التأميم التعسفي إلى قصة رفض محمد فوزي الغناء لشخص عبد الناصر، كما فعل بعض الفنانين في عصره، على غرار عبد الحليم حافظ وأم كلثوم.. وكان ولاء محمد فوزي لوطنه وللثورة المصرية واضحا في أغانيه إلا أنه كان دائما يرفض الغناء للأشخاص، وذلك احتراما لمبادئه، ما جعل جمال عبد الناصر يؤمم شركته. كانت صدمة محمد فوزي شديدة ودخل في أزمة صحية بالغة، وأصيب بمرض سرطان العظام، الذي لم يكن معروفا آنذاك، فبدأ المرض يزداد ويشتد على هذا الفنان الحساس، ونقص وزنه بشكل مذهل، وحاول العلاج مرارا وتكرارا داخل مصر وخارجها، لكن دون جدوى، فالمرض لم يكن معروفا آنذاك.. استمرت معاناة محمد فوزي إلى غاية 1966، حيث توفي يوم 20 أكتوبر من هذه السنة بمستشفى بألمانيا، تاركا وراءه تاريخا فنيا حافلا وذكرى طيبة ورسالة مؤثرة كتبها بيده ساعات فقط قبل رحيله… رسالته الأخيرة..تحياتي إلى كل طفل أسعدته ألحاني.. تحياتي إلى بلدي.. أخيرا تحياتي إلى أولادي وأسرتي أحس محمد فوزي بقرب ساعته فكتب رسالة الوداع ساعات فقط قبل وفاته: “منذ أكثر من سنة تقريبا، وأنا أشكو من ألم حاد في جسمي، لا أعرف سببه. بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم، والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب، التي أجريت لي. كل هذا يحدث والألم يزداد شيئا فشيئا، وبدأ النوم يطير من عيني، واحتار الأطباء في تشخيص هذا المرض.. كل هذا وأنا أحاول إخفاء آلامي عن الأصدقاء، إلى أن استبد بي المرض ولم أستطع القيام من الفراش، وبدأ وزني ينقص، وفقدت فعلا الكثير من وزني، وعزفت نفسي عن الأكل.. حتى الحقن المسكنة التي كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم أصبحت لا تؤثر في، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعرون بآلامي وضعفي وأنا أشعر بأني أذوب كالشمعة. إن الموت علينا حق، وإذا لم نمت اليوم فسنموت غدا، وأحمد الله أنني مؤمن بربي، فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها، فقد أديت واجبي نحو بلدي، وكنت أتمنى أن أؤدي الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة للبشر، والأعمار بيد الله لن يطيلها الطب ولكني لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا في حق نفسي، وفي حق مستقبل أولادي، الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة.. تحياتي إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلي.. تحياتي إلى كل طفل أسعدته ألحاني.. تحياتي إلى بلدي.. أخيرا، تحياتي إلى أولادي وأسرتي”. على الهامش رصيده الفني قدم محمد فوزي 36 فيلما للسينما العربية، وتميز في السينما الاستعراضية الكوميدية. بلغ رصيد محمد فوزي من الأغنيات 400 أغنية، منها نحو 300 في الأفلام، من أشهرها “حبيبي وعينيه”، و”شحات الغرام”، و”تملي في قلبي”، و”وحشونا الحبايب”، و”اللي يهواك اهواه”، و”مال القمر ماله”، ومجموعة من أجمل أغنيات الأطفال، التي أشهرها “ماما زمانها جاية” و”ذهب الليل طلع الفجر”، كما عرف بأغنيته الوطنية الشهيرة “بلدي احببتك يا بلدي”، كما كانت له أغاني مناسبات مثل “هاتوا الفوانيس يا ولاد” الخاصة برمضان وأغنية “انتي يا امي” الخاصة بعيد الأم، وغيرها من الأغاني. أصدر محمد فوزي لحنا خاصا اسمه “يا مصطفى”، تم استخدامه في أغان عالمية كثيرة.