استحسن الأئمة في الجزائر قرارات لجنة الفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف في مواجهة الانتشار السريع لفيروس كورونا وطالب بعضهم بمزيد من إجراءات الحماية والتشديد على النظافة كل من موقعه وحسب صلاحياته واجتهاداته. وأصدرت لجنة الفتوى الوزارية مساء الأحد بيانا استندت فيه على التطورات الحرجة المتعلقة بسرعة انتشار فيروس كورونا نظرا للآثار الوخيمة التي ألحقها بكثير من الدول ونظرا لتزايد الإصابات والوفيات التي لم تسلم منها دول عظمى ذات منظومة صحية متطورة، خاصة بعد تصنيفه وباء ثم جائحة. واجتمعت اللجنة الوزارية للفتوى لدراسة ما يترتب شرعا على هذه النازلة التي تهدد حياة الجزائريين وخلصت إلى وجوب الاحتياط والأخذ بكل أسباب الوقاية تحسبا لزيادة انتشار الفيروس عملا بقول النبي: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله أيضا: "لا يوردن ممرض على مصح" وحفظا للنفس التي هي من الكليات الضرورية الخمس. وأفتت اللجنة بتحريم ارتياد الأماكن العامة وخاصة المساجد على من تظهر عليه أعراض هذا المرض أو مثلها كالأنفلونزا ونزلات البرد منعا للإضرار بالغير. وبما أن المساجد ليست بمنأى عن الأخطار المحدقة لهذا الفيروس وحرصا على ألا يكون وسطا لانتقاله وانتشاره دعت الفتوى الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى إلى الامتناع عن الحضور إلى المساجد للجمعة والجماعات، ولا حرج على الأصحاء شرعا الصلاة في بيوتهم مع أفراد الأسرة إلى أن يرفع الله البلاء، كما قررت اللجنة غلق مصليات النساء والمكتبات المسجدية. ودعت اللجنة الأئمة إلى تخفيف الصلوات والقيام لها بعد الآذان مباشرة وغلق المساجد بعد الفراغ منها، مع توقيف جميع النشاطات المسجدية كدرس الجمعة والدروس الأسبوعية والحلقات التعليمية ونحوها. وكذا تخفيف صلاة الجمعة بحيث لا تتجاوز الخطبة والصلاة مدة 10 دقائق حتى لا يخاطر بصحة المصلين مع تجنب الصلاة في الفضاءات العامة كالمساحات التجارية ومحطات المسافرين، مع تكثيف إجراءات التطهير والنظافة والتهوية في المساجد داعية في ذلك المحسنين إلى التبرع بوسائل النظافة والتعقيم الصحي للمساجد باعتبارها أفضل الصدقات. وفي سياق ذي صلة، قرّرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، صباح أمس الاثنين، الغلق النهائي لكافة بيوت الوضوء في مساجد ولاية البليدة بدءا من صلاة العصر، كإجراء احترازي لتفادي تفشي فيروس كورونا.تواتي: تباعد بين المصلين بمسافة 70 سم لتفادي انتشار الفيروس من جهتهم، طالب العديد من الأئمة بفرض إجراءات حماية أكبر كل على مستواه. واعتبر كمال تواتي إمام مسجد الإرشاد بالمدنية أن الإجراءات المتخذة تدل على الفقه الواسع والحرص على حياة الناس المحققة، التي هي حفظ للدين. وطالب تواتي بتشديد أكبر لأن "الوباء في فترة الحضانة لا يظهر على المصلين وإذا تساهلنا فسنندم لاحقا ولا يمكن التدارك". وأضاف تواتي إلى ما أقرته لجنة الفتوى وجوب التباعد بين المصلين "70 سنتم" على الأقل فلا القدم للقدم ولا الكتف للكتف داعيا الأئمة إلى الانتباه والتنبيه لذلك، وكذا إرفاق سجادة شخصية إلى المسجد معها لفافة أو مناديل خاصة للسجود عليها، والتوضؤ في البيوت ما استطاعوا مع منع برادات المياه وأكوابها.. كما ورد في الفتوى. وأورد تواتي أيضا تجنب التصافح والتقبيل وجفان الطعام أمام أبواب المساجد، منبها إلى تغطية المصاحف وعدم استعمالها في الظرف الحالي، وكذا تقصير مدة المكوث في المسجد والخطبة والتوجه إلى الله بالدعاء. وختم تواتي بالقول: "هذا إجراء وقائي فحسب أمّا لو قدر الله واستفحل الوباء فلا صلاة في المسجد إلى حين زوال الوباء والأعمال بالنية ونية المرء أبلغ من عمله مصداقا لقوله تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم). حجيمي: من الصعب أن تقنع الجزائريين بالصلاة في البيت وبدوره اعتبر جلول حجيمي، رئيس التنسيقية الوطنية للأئمة، أنّ الوضع فيه خطورة وهو أمر اجتهادي وقال إن الأخذ بالأسباب واجب وتركه معصية كما استدل حجيمي بالعديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تصب في ذات السياق. وحسب حجيمي هناك اختلاف في ترتيب الأولويات غير أن الهدف والغاية واحدة وهي صون الروح البشرية، داعيا إلى تعقيم سريع وعاجل لبيوت الله وسجاداتها ودورات مياهها وعدم الاعتماد على المحسنين في ذلك خاصة وأنها تستقطب في صلاة الجمعة فقط ما يزيد عن 23 مليون جزائري. وتساءل حجيمي عن طريقة منع المسنين والمرضى من الصلاة في المساجد داعيا إلى عمل إعلامي وتوعوي كبير في هذا السياق كي لا يصطدم الإمام بالمصلين، خاصة أنه يصعب جدا إقناع المتعودين على أداء صلواتهم في المساجد بالتخلي عن ذلك. واستطرد حجيمي ليت قرار السلطات الوطنية نبه إلى منع الجلوس في الملاهي الليلية والحانات والبيوت الإباحية التي يكثر فيها الفساد الأخلاقي والصحي لما فيه من تقارب واحتكاك يجعل الفيروس ينتقل بسرعة فائقة. وفي الأخير دعا حجيمي إلى كثرة الدعاء والتضرع لله على أمل تخليصنا من هذا الوباء القاتل.