إذا كان منزل المفكر الإنساني مالك بن نبي، تحوّل إلى وكر للدعارة.. فإن أستاذه وملهمه الأول، الفيلسوف حمودة بن ساعي، مات دون أن يملك مسكنا بمدينته باتنة، التي ترعرع ونشأ فيها ضمن عائلة "نموشية" عريقة أنجبت حمودة الذي تحصل على دبلوم الفلسفة من السربون من يد الجنرال ديغول شخصيا وعاصر الفيلسوف ماسينيون وجادله حتى قيل آنذاك "إذا تحدث بن ساعي سكت ماسينيون". وأنجبت أخاه صالح بن ساعي أول مهندس زراعي في الجزائر وأول من تنبأ بجفاف دول الساحل ومات منبوذا في القنيطرة المغربية. مصير مالك بن نبي، تلميذ بن ساعي باعتراف الأول في كتاب مذكرات "شاهد على القرن" لم يختلف عن مصير معلمه الأول وملهمه الأكبر الذي أوحى له فكرة استنباط وتحليل الظواهر الإجتماعية من القرآن، فحمودة بن الساعي الذي كان له شرف النضال الفكري في إطار الحركة الوطنية والإصلاحية، حيث برع تفكيرا وحديثا باللغتين العربية والفرنسية، وكلفه ذلك تعذيبا من قبل أجهزة الأمن الفرنسية التي وشمت ظهره بأشعة "إكس" جعلته يمضي بقية حياته محدودب الظهر. ومع أنه كان سكرتيرا خاصا للعلامة البشير الإبراهيمي، فإن ما عاشه من قساوة زمن الإستعمار، ثم من قساوة أشد زمن الإستقلال، لدرجة أصابته بمرض نفسي هو "جنون المضايقة" ""Follie de persecution التي كلفته العيش تحت الظل، رغم نبوغه الفكري عندما ألف كتيب "عقيدتي" كان حلمه الوحيد، أن يحصل على منزل اجتماعي، وعده مسؤولون وحتى وزراء يعرفونه من أيام البشير الإبراهيمي بمنزل متواضع، الجزائر الشعبية كانت تجهله أما الجزائر الرسمية، فكانت تتجاهله، ومات الرجل دون أن يأخذ من "السيدة الجمهورية الجزائرية"، كما كان يسميها بفرنسية عذبة، سوى شبر قبر في مقبرة بوزوران. طاهر حليسي