هنالك رابط سرّي بين ما وقع من جريمة قتل بشعة لأستاذ تاريخ فرنسي في الشارع وأمام الملأ، عقب عرضه رسوما كاريكاتورية مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أمام تلامذته، وبين توجيه تهمةٍ خطيرة ضدّ الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي تتعلق بالمساهمة في "تشكيل عصابة إجرامية اغتالت القذافي" قبل سنوات، وبين قانون ماكرون المسمّى "مقاومة النزعة الانفصالية للإسلام في فرنسا"! لا نتحدَّث هنا عن مؤامرة من فراغ أو نحاول اختراع وهم لارتداء ثوب الضحية، إنما نتحدث عن وقائع واضحة للعيان، يسهل الربط بينها لفهم الصورة كاملة، فجريمة قتل أستاذ على يد مراهق عمره 18 سنة "من أصل شيشاني ومولود في موسكو"، تأتي في خضمّ محاكمة ماراطونية تشهدها فرنسا للمتهمين بقتل صحفيين في مجلة "شارلي ايبدو" العنصرية، الأمر ذاته، يغذّي مناخ الكراهية ضدّ المسلمين في البلاد، ويرفع من أسهم اليمين المتطرف، بل ويجعله حاضرا بقوة عبر وسائل الإعلام المحلية. والواقع أنّ هذا الخطاب المتطرف، بات مجالا خصبا للمنافسة بين الزعماء السياسيين في فرنسا، وآخرهم الرئيس ماكرون عقب تحذيره مما سماه "النزعة الانفصالية للإسلام"، قبل أن يخرج وزيرُ داخليته جيرالد موسى دارمانان، صاحب الأصول المالطية والجزائرية، ليعتبر "الإسلام عدوا قاتلا للجمهورية"، ثم عاد ليصحِّح جملته، بأنه "كان يقصد الإسلام السياسي والراديكالي وليس الإسلام كديانة"! لكن من هو دارمانان؟ إنه الناطقُ الرسمي السابق باسم الحملة الانتخابية لساركوزي وأحد أبرز المقربين منه، ووجوده في السلطة يمثل امتدادا لساركوزي، علما أنّ هذا الأخير، يتوزع رجاله حاليا على عدة مناصب، أبرزهم، الوزير الأول جان كاستيكس، والذي شغل منصب نائب أمين عام الرئاسة في العهد ذاته، وهنالك أيضا وزيرُ الزراعة، وعددٌ كبير من النواب والموظفين، إذن، فساركوزي لم يغادر الحكم نهائيا، وهو يريد حماية نفسه من التهم التي تحاصره، آخرها المساهمة في تشكيل عصابة إجرامية تضاف إلى تهم الفساد واختلاس أموال عامة وتمويل غير مشروع لحملته الانتخابية، وهي القضية التي ارتبطت بتمويل العقيد القذافي لحملة ساركوزي، قبل قتله في 2011 بواسطة طائرة رافال فرنسية. وعن هذه الجريمة بالذات، كشفت تسريباتٌ جديدة من البريد الالكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، أن الدافع من ورائها كان خوف ساركوزي من استخدامه كميات الذهب الليبي لإضعاف النفوذ الفرنسي في إفريقيا، فالزعيم الليبي الراحل كان يملك 143 طنا من الذهب، وقد أراد استعمالها لإنشاء عملة افريقية موحدة، فتم اغتياله قبل تنفيذ مشروعه، ناهيك عن الخوف من إفشائه أسرارا تتعلق بساركوزي نفسه. والآن، بعد سرد كل هذه الوقائع وغيرها، أليس حريّا بنا أن نتساءل عن وجود ارتباط شديد بين ما تعيشه فرنسا من أحداث حاليا، ورغبة الجميع في استغلال خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين للوصول إلى هدف سياسي معيّن؟ مجلة "فورين بوليسي" تقول إن ماكرون يهدف من وراء عقيدته الجديدة عن "الانعزالية الإسلامية" لمنافسة اليمين المتطرف قبل الانتخابات، ومارين لوبان تطالب بحظر ما وصفته ب"الوهابية والإخوان المسلمين في فرنسا"، ووزير الداخلية، وهو رجل ساركوزي في الحكم، يتحدث عن توقيف جلب أئمة من الجزائر مع حلول 2024، وغيرها من التصريحات والقرارات التي تُثبت أن الداخل الفرنسي يبحث عن تصدير مآزقه إلينا، لكن المفارقة في كل هذا، اجتهاد بعض المتحدثين باسم المسلمين هنا وهناك في اجترار الخطاب ذاته، وتكرار الأسطوانة نفسها دون فهم أحيانا أو عن قصد في أحيان أخرى، فيصبح هؤلاء أخطر علينا من كل رموز اليمين المتطرف، وأشد سوءا وخبثا أثناء تنفيذ مهمة التضليل وإثارة المعارك الفارغة.