نجح عبد العزيز بلخادم، في أن يصنع لنفسه "مخرج نجدة" مختلفا قلبا وقالبا عن الأمناء العامين الذين سبقوه على رأس جبهة التحرير الوطني، كما نجح بلخادم في تفادي الأسوأ وتأمين خط الرجعة، وإن كانت "نهايته" أقلّ مأساوية من "الانقلاب" الذي أطاح بالراحل شريف مساعدية، و"المؤامرة العلمية" التي أبعدت الراحل عبد الحميد مهري، وعملية العزل الصامتة التي أسقطت بوعلام بن حمودة، من طرف علي بن فليس، الذي غادر الحزب الحاكم سابقا بحُكم قضائي ألصقه بما أسماه "عدالة الليل". بلخادم الذي قال أنه سمع بقرار حلّ البرلمان الذي كان يرأسه بداية التسعينيات، كغيره من الجزائريين، عبر نشرة الثامنة، في أعقاب توقيف المسار الانتخابي، استفاد كثيرا من عودة عبد العزيز بوتفليقة، ك"مرشح إجماع" لرئاسيات 1999، فهذا الأخير الذي يتولى حاليا الرئاسة الشرفية للأفلان، ردّ لبلخادم الاعتبار، بتعيينه وزيرا للخارجية ثم رئيسا للحكومة فوزير دولة ممثلا شخصيا لرئيس الجمهورية، بعدما أصبح أمينا عاما لحزب الأغلبية البرلمانية. لكن الذي حدث خلال الأشهر الأخيرة، خاصة بعد "عزل" بلخادم رفقة أويحيى من "حكومة الإصلاحات" التي أسند رأسها لعبد المالك سلال، مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، أثار الكثير من الشك والإبهام، وبدأت تُثار استفهامات جدّية حول "علاقة" بلخادم ببوتفليقة، خاصة في ظل تصعيد الحركة التصحيحية والتحاق وزراء الحزب بمطالبها ضد بلخادم، واتهامه بمحاولة تكرار سيناريو بن فليس، من خلال الهروب بالأفلان للترشح باسمها. هذا "الطمع" و"الطموح"، حرّك حاسة الشمّ لدى المراقبين فبدؤوا يشمون "رائحة الشياط" تحوم حول بلخادم، الذي قد يتعرض لنفس مصير سابقيه من الأمناء العامين الذين أصابهم "الغرور" فكانوا ضحية له. بلخادم حاول تجنّب سيناريو مساعدية، الذي سقط تحت ضغط الشارع، فضحى به الحزب ونحره سياسيا لإرضاء المحتجّين بتسليم الحزب الواحد شهادة وفاته، وتسليم التعددية شهادة ميلادها، والإعلان عن ميلاد ديمقراطية لم يطلبها "شباب 5 أكتوبر"، لكنها أطاحت بمساعدية وعيّنت عوضه عبد الحميد مهري، أمينا عاما للأفلان الجديدة. المؤامرة العلمية التي هندسها بداية التسعينيات، وفي عزّ المأساة الوطنية، عبد القادر حجار، ومجموعته المخضرمة ضد مهري الذي استسلم للأمر الواقع، فغادر الأفلان متهما بجرّ الحزب إلى "المعارضة" والتمرّد والعصيان، هذه المؤامرة لم تنجح الحركة التصحيحية التي أسسها قارة وقوجيل وعبادة وخالدي، من تكرار نفس السيناريو مع بلخادم. ولم تتوقف المؤامرات داخل حزب يُوصف ب"الجهاز"، فقد نظّم "متآمرون جُدد" انقلابا أبيض أطاح في مرحة لاحقة بأمين عام آخر هو بوعلام بن حمودة، استخلفه في ما بعد علي بن فليس، وهو السيناريو الآخر الذي لم يتكرّر مع بلخادم، الذي نجح في شقّ عصا الطاعة بطريقة صامتة داخل الحزب، دون أن يرحل بسرعة مثلما رحل سابقوه. سيناريو بن فليس، يكاد يكون بعيد التحقيق بالنسبة لحالة بلخادم، فالأول جهر بالترشح لرئاسيات 2014، وهو أمينا عاما للأفلان، لكن بلخادم لحدّ الآن مازال يدعو بوتفليقة إلى الترشح باسم الأفلان لعهدة رابعة، وقد يكون هدف بلخادم من وراء ذلك توفير "طوق نجاة" يخلّصه من الزاوية الحادة التي دخلها، لكن هذا لن يسقط نيته ورغبته في الجلوس على كرسي المرادية، بما أعطى الانطباع أن الرجل يتعامل مع الرئاسيات بمنطق "شاتي اللبن ومخبّي الطاس"، حتى وإن كان الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، قال في شهادات سابقة، أن "الجيش لا يثق في بلخادم!"