عاشت الجزائر الأحد، حدثا هاما في مشوارها السياسي الديمقراطي، حيث وجهت إلى الشعب دعوات للتصويت في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، فبين منتخب ومقاطع مر الفاتح نوفمبر الموافق لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى، بردا وسلاما على الجزائر وسط إجراءات أمنية مشددة شاركت فيها جميع قوات الأمن المشتركة والأسلاك النظامية، ففي الوقت الذي اتجه فيه عدد كبير من المواطنين صوب مراكز ومكاتب الاقتراع، ليدلوا بأصواتهم، فضل آخرون المقاطعة بطريقة أضافت إلى الجزائر صورة جديدة من صور الديمقراطية . من الأحياء الراقية بسيدي يحيى في حيدرة إلى أرقى أحياء المرادية واسطاوالي والقبة وسيدي فرج، إلى الأحياء الشعبية في باب الوادي وساحة الشهداء وباش جراح والحراش، يلتقي الجزائريون عند كلمة واحدة وموحدة وهي "مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار"، وهي العبارة التي سمعناها طيلة تنقلنا بين مختلف ومكاتب مراكز الاقتراع، أين تحول فيها المواطنون إلى أستاذة في العلوم السياسية وإلى محللين، فالكل يفتي في مضمون الدستور، بل إن العديد منهم أصبحوا ينتقدون بعض مواده. مواطنون اختاروا المقاطعة وآخرون قالوا كلمتهم الساعة كانت تشير إلى الثامنة و20 دقيقة عندما، انطلقنا في جولتنا نحو عدد من أحياء العاصمة لتغطية "الحدث الهام"، حيث سجلنا شوارع خالية على عروشها، اللهم إلا بعض السيارات والمارة، مما جعلنا نتخيل أن مكاتب ومراكز الاقتراع تكون على نفس الشاكلة خالية هي أيضا، خاصة أن الطريق الرابط بين القبة، حسين داي ووسط الجزائر، كان يوحي بذلك لقلة الحركة، إلا أن ذلك بدأ يتلاشى رويدا رويدا، عندما بدأنا نلج إلى شارع أعرق الأحياء في عاصمة البلاد وهو حي باب الوادي، أين لاحظنا جموعا غفيرة من المواطنين يتسوقون، وآخرون يبيعون ويشترون، شبابا وشيوخا، نساء وأطفالا يصولون ويجولون، كأن الأمر لا يعنيهم تماما وهو ما تبين بعد ذلك من خلال دردشتنا مع أحدهم قائلا "على واش نفوطي… أنا ضائع لا سكن.. لا خدمة.. لا زواج". أما رشيد وهو شاب في الأربعينات من عمره التقينا به بمدخل السوق الشعبي لحي باب الوادي، فقد حسم أمره ولن يتوجه إلى مكتب الاقتراع وليست هذه المرة الأولى التي يمتنع فيها عن التصويت بل هو لم يصوت أبدا في حياته، يقول هذا المواطن الذي أخفى المعاناة التي تظهر على وجهه بنظارات سوداء ل"الشروق"، "مستحيل أن أصوت، لا أستطيع أن أضيع ولو خمس دقائق من حياتي من أجل التصويت، وأنا حقي في هذه "البلاد ضاع".. وحتى "الطابلة لي نسترزق بها ..جي لا بوليس يقومون برميها.. أين هو حقي". من جهته، فإن محمد الذي تجاوز عمره ال50 سنة، أب لثلاثة أولاد، هو أيضا يريد التغيير نحو الأفضل، لكنه رفض التصويت، قائلا "20 سنة من حكم عبد العزيز بوتفليقة ولم يتغير شيء في حياتي، لا أملك عملا ولا منزلا وما زلت أعيش في منزل والدي في القصبة، لقد أودعت عدة ملفات من أجل الاستفادة من مسكن، لكن لا حياة لمن تنادي.. فأنا فقدت الأمل في حياة سعيدة"، وأضاف بنوع من الخجل: "لا أستطيع حتى أن أعالج زوجتي. كل زيارة إلى طبيب النساء تكلفني 2500 دينار". "على العهد باقون".. والمجاهدون يصنعون الحدث وصلنا إلى أول مركز اقتراع وهو "كمال أبركان" بحي باب الواد المخصص للرجال فقط، أين سجلنا توافدا للمواطنين للإدلاء بأصواتهم، خاصة الشيوخ والمسنين الذين عزموا على "الانتخاب" وفاء لتضحيات الشهداء ولسان عمي عبد الله الذي تجاوز 78 سنة وهو مجاهد يقول ل"الشروق"، "نحن على العهد باقون"، رغم أنه لم يطلع أو بالأحرى لا يعرف ما يتضمنه مشروع الدستور الجديد، إلا أنه أصر على وضع ورقة "نعم" في الصندوق وهو يؤكد أنه يضع الثقة الكاملة في "الرئيس تبون"، قائلا "أنا "نفوتي" و"بلادنا خير من البلدان" و"ربي يشفي تبون ويرجع لينا". وإلى ذلك رفع عمي حسين سعدي المجاهد الذي التقيناه في مركز الاقتراع "بورمودي"، يديه إلى السماء وهو يردد وعيناه مغرورقتان بالدموع "اللهم اشف الرئيس تبون وأرجعه إلى الجزائر سالما غانما"، وأضاف "لم أطلع على الدستور ولكنني أصوت لأنني أثق في تبون… ربي يشفيه ويشفي كل المرضى"، وعاد بنا إلى ذكريات نضاله وكفاحه ضد المستعمر الغاشم، قائلا "في مثل هذا اليوم من 54 رفعنا السلاح ضد المستعمر الفرنسي واليوم نرفع الورقة للتصدي لأعداء الجزائر". ونفس الشيء سجلناه بالنسبة لمركز الاقتراع "متوسطة سمية" المخصص للنساء فقط، أين أجمع العديد منهن على أن "الانتخاب واجب وطني" لا نقاش فيه، في حين شددت المجاهدة خالتي جميلة ل"الشروق"، على ضرورة قطع الطريق على المتربصين وأعداء الجزائر، من خلال الرد عليهم بالتصويت وبقوة وعلى هذا الأساس قدمت اليوم إلى مكتب الاقتراع للإدلاء بصوتها، فيما أكدت فوزية وهي ابنة شهيد أن اليوم هو بمثابة عيد الاستقلال وقالت "ربي ينصر بلادنا ويعلي علامنا ويوحد أولادنا..". وإلى ذلك، فإن المشاركة بدت ضعيفة في الساعات الأولى بعد فتح بقية المراكز كما في تكميلية باستور بوسط العاصمة أو مدرسة محمد زكال في حي بلكور أو ومدرسة محمد مادة بساحة أول ماي. وما لفت انتباهنا خلال تجولنا طيلة نهار الانتخاب بشوارع الجزائر وبين مراكز الانتخاب، فمن باب الوادي، وساحة الشهداء، إلى شارع باستور بالجزائر وسط، مرورا بساحة أول ماي وبلوزداد وحسين داي وصولا إلى الحراش وباش جراح وغيرها من أحياء العاصمة، هو تقسيم فترات الانتخاب حسب الفئات العمرية للناخبين، حيث كان الشيوخ والمسنون هم أول من افتتح عملية الاقتراع، حيث توافد المسنون ومعظمهم من الرجال على صناديق الاقتراع، وفضلوا عدم التأخر عن الانتخاب، وبعدها التفرغ للواجبات اليومية كالتسوق، أما ربات البيوت والشابات فيفضلن فترة ما بعد الظهر بعد الانتهاء من الواجبات المنزلية وإعداد وجبة الغداء، من أجل الخروج لأداء الانتخاب، فيما يختار الشباب الفترة المسائية أو ساعات قليلة قبل غلق مراكز ومكاتب الاقتراع بشكل جماعي وفردي، للإدلاء بصوتهم. الخدمة الوطنية والسكن في قلب الاستفتاء "جئت لأدلي بصوتي من أجل بلادي أولا، وثانيا لأن الانتخاب حق وواجب"، هي القناعة التي اتفق حولها العديد من الشباب الذين صوتوا في بلدية باش جراح بالجزائر العاصمة، وحملت في مضمونها معاني عميقة ودلائل قوية أكدت مدى وعي الشباب الجزائري وغيرته على هذا الوطن والذي يستحق الأفضل، حيث صنع شباب هذا الحي الشعبي الحدث، عندما تقدم عدد من الناخبين أغلبهم من الشباب، للإدلاء بأصواتهم في أكبر مكتب انتخاب في البلدية، حيث طلب الشباب الذين التقينا بهم من رئيس الجمهورية الجديد، تسوية وضعيتهم تجاه الخدمة الوطنية مع تخفيض مدتها إلى 6 أشهر، إلا أن البعض منهم اختار أن ينتخب من أجل أن يظفر بسكن محترم وهي حالة المدعو "مصطفى" الذي قال ل"الشروق" "أنا نفوطي.. لربما يقولوا جيب الكارطة تع الفوط باش نمدولك سكنى"، يقول هذه العبارات وهو كله أمل بالظفر بسكن يليق بأسرته وقد تجاوز الخمسين من العمر ويقطن في غرفة واحدة مع والديه وزوجته وابنيه". وفي بلدية القبة فضل العديد من المواطنين التوجه إلى صناديق الاقتراع، للإدلاء بصوتهم وبالتالي المساهمة في بناء جمهورية جديدة، وتفويت الفرصة على المتربصين باستقرار وأمن الوطن، حيث عبر أحدهم قائلا "جئت لأدلي بصوتي من أجل بلادي أولا، وثانيا لأن الانتخاب حق". أما الأحياء الجديدة أو ما أطلق عليها "الأحياء الخضراء"، فقد كانت ل"الشروق"، جولة خفيفة لها والمفاجأة التي وقفنا عليها هو توافد كبير لمواطني هذه الأحياء على غرار مركز 2160 مسكن بسيدي أمحمد ببئر توتة الذي عرف إقبالا كبيرا للرجال والنساء والشيوخ والذين أدلوا بأصواتهم في الساعات مبكرة، مؤكدين أن الدولة حققت حلمهم المتمثل في منحهم سقفا يأويهم في إطار برنامج إعادة الإسكان، مرددين "نحن نثق في الدولة وفي دستور تبون"، وهي نفس الأجواء التي سجلناه في كل من مركز فروخي أحمد وسي لخضر بسيدي أمحمد، أين أجمع المواطنون هناك على ضرورة تأدية الواجب الوطني وتبرئة الذمة، لأن المقاطعة لا تأتي بأي نتيجة بل بالعكس ستعقد الأمور أكثر فأكثر. زوجة الرئيس تبون تنوب عن زوجها ولأن الجزائر بلد الجميع، فضلنا أن نقيس مدى اهتمام سكان الأحياء الراقية بهذا الحدث، ولم ننتظر طويلا، حتى تجلت لنا الحقيقة كاملة، حيث كانت وجهتنا في حدود الساعة العاشرة والنصف منطقة بوشاوي غرب العاصمة، أين سينتخب رئيس الدولة والوزير الأول وعدد من وزرائه وكذا إطارات الدولة وشخصيات معروفة، إلى جانب المترشحين للرئاسيات، وفي طريقنا إلى هناك سجلنا إجراءات أمنية مشددة، إلا أن مركز أحمد عروة عرف إنزالا أمنيا استثنائيا لقوات الأمن، وكذا الشرطة والدرك بمختلف تشكيلاتهما من فرق البحث والتحري وعناصر المفرزة الخاصة للدرك الوطني، فضلا عن أعوان وإطارات الأمن المنتشرة في عين المكان بالزي المدني وهذا لقربها من إقامة الدولة "نادي الصنوبر". وكان أول من أدى الواجب الانتخابي في مركز "أحمد عروة" هي حرم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون التي أدلت بصوت زوجها الغائب عن استفتاء أمس، بسبب مرضه، بالوكالة، وبعد أقل من 5 دقائق خرجت من المكتب وهي محاطة بحراسة أمنية مشددة، ولم تصرح ولو بكلمة، كما أدلى وزير الخارجية صبري بوقادوم بصوته الانتخابي وهو عازم حسب ما أكده خروج الدولة الجزائرية من الأزمة الحالية، وقاطعا كل السبل والطرق أمام المتربصين بهذا الوطن، وقال في تصريح لوسائل الإعلام "الدستور الجديد يعتبر انطلاقة جديدة"، موضحا العالم يشهد تحديات كبيرة، والتعديل الدستوري جاء للتصدي لأي مكروه يمكن أن يلحق بالجزائر". كما أدى العداء العالمي وكاتب الدولة السابق للرياضة النخبة، نور الدين مرسلي واجبه الانتخابي من خلال الإدلاء بصوته في مشروع تعديل الدستور بنفس المركز "أحمد عروة" ببوشاوي، وعلى الهامش صرح للصحافة أنه أدى واجبه كجزائري، قائلا "أتمنى أن نتحد جميعا لما فيه صلاح لبلدنا الجزائر وأغتنم هذه الفرصة لأعبر عن تمنياتي بالشفاء العاجل لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون". ومن جهته، فإن السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بدوره أدى واجبه الانتخابي حول استفتاء تعديل الدستور، في ابتدائية واد قريش بالجزائر العاصمة، التي عرفت إنزالا أمنيا كبيرا بالزي المدني والرسمي.