إيران لم تعد آمنة، فأجنحة "إسرائيل" ترفرف في سمائها، وتصطاد أهدافها بدقة لا مثيل لها، في أكثر الأماكن تحصنا، تخترق الطوق الأمني المطبق من دون الوقوع في فخاخ الحرس الثوري أو الباسيج. جدار أمني يفقد حصانته، ويتصدع بخروقات، تصل إلى إسقاط أهداف استراتيجية، يؤدي سقوطها إلى عرقلة برامج ولاية الفقيه، ويربكها داخليا، بعد ما كانت تدير برامجها وتشاغل أعداءها وتساومهم من مناطق نفوذها الخارجية. تغيرت المعطيات الأمنية، وظهرت الخلايا السرية بعد فترة سبات، ونقلت المواجهة التقليدية إلى الداخل الإيراني، بعد ما كان آمنا من أي خرق أمني خارجي، أمر يدعو "ولاية الفقيه" إلى اعتماد إستراتيجية عسكرية لها قدرة احتواء خطر حرب في عمق جغرافيتها السيادية. كشف اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة على مقربة من موقع عسكري، أن خلايا "الموساد" السرية، قد انتزعت مناطق حضور فاعل في عمق القواعد الأمنية الإيرانية، واحتمت بغطاء يجعلها تنفذ ضرباتها بدقة بالغة، رسمها جهاز معلوماتي لا تعترض طريقه العراقيل، قادر على وضع الأهداف الثابتة والمتحركة في دائرة سيطرته. دوائر حرب متكاملة، خطط وسلاح وعتاد، وعناصر مقاتلة، ومعلومات لا تقبل الخطأ، تضمن انسيابية الحركة الآمنة في تحقيق الهدف المرسوم، أعلنت عن حضورها المفاجئ في إيران، منذ استهداف المنشآت النووية "نطنز" بأدوات داخلية دمرت أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في إنتاج اليورانيوم المخصب، واغتيال نائب زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أبو محمد المصري في أحد أحياء طهران الراقية بحصانة أمنية. عمليات اعترف "الكيان الإسرائيلي" بتنفيذها متفاخرا، كما تفاخر بالاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني في عملية نوعية نفذها "الموساد" في قلب العاصمة طهران، أوحى بوجود عملائه في أخطر المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية والعلمية، ورفع العنوان العريض: "الموساد في قلب طهران". كيف تسلل الموساد إلى قلب طهران؟ من فتح له الأبواب؟ وجود "الموساد" لم يكن حديثا في إيران، عقود مرت عززت هذا الوجود الذي تسلل عبر التعاون الإستراتيجي "الإسرائيلي- الإيراني" بعد قيام الثورة الإسلامية على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي والعلمي، فقد كان "الكيان الإسرائيلي" المصدر الرئيسي لتعزيز قدرات إيران التسليحية منذ عام 1980 أي بعد عام من وصول الخميني للسلطة على أنقاض مملكة الشاه رضا بهلوي. وتطورت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين أكثر مما كانت عليه في زمن الشاه، في مجالات التبادل التجاري وتنظيم السياسة المالية، والاستثمار في الحقول النفطية، وتطوير صناعة السلاح الكيمياوي عبر شركة "شانون للصناعات الكيمياوية"، فضلا عما كشفته مراكز أبحاث اقتصادية محايدة عن وجود صلات تجارية سرية بين إيران و200 شركة "إسرائيلية" تديرها مجموعة "عوفر براذرز الإسرائيلية". أضحت "إسرائيل" في ظل هذا الوجود العسكري السياسي الاقتصادي قادرة على خوض حرب منع "ولاية الفقيه" من امتلاك سلاح نووي وفرض شروطه في الشرق الأوسط "نقطة الخلاف بين الطرفين" في داخل إيران، ودون الخوض في حرب شاملة، من خلال شبكاتها المتغلغلة في المؤسسات السيادية بشقيها العسكري والسياسي. هيكل "إسرائيلي" تعالى صرحه في طهران، أحاطت "ولاية الفقيه" بناءه بسرية تامة، أضحى المعسكر الذي يهدد وجودها اليوم.