يستغرب الشيوخ وكبار السن من الوضعية التي آل إليها المواطن الجزائري في السنوات الأخيرة والذي لا يفوت فرصة الاحتفال بالأعياد الميلادية في أجواء أجنبية كرأس السنة، والتي يحجز لأجلها طاولات في المطاعم وغرف في الفنادق ويصنع حلويات "لاببيش" خصيصا لها، في حين يمر الاحتفال برأس السنة الهجرية بصمت دون أن يعرفوا سبب الاحتفال به، ولولا إعلانه كيوم عطلة مدفوعة الأجر لما استطاعوا تمييزه عن الأيام العادية. لم نتوقع أبدا ونحن نجوب شوارع العاصمة بدءا من حي البدر ووصولا إلى ساحة "موريس أودان" مصادفة شبان لا يعرفون عن الأشهر الهجرية والاحتفال بها سوى رمضان، العيدين والمولد النبوي الشريف، وإن كنا في بلد لا يعتمد التأريخ الهجري في إداراته ومؤسسات الدولة لكن هذا لا يمنع المواطنين من الإطلاع عليه خاصة وأنه يتم إضافته في الصحف الوطنية، ولكونه يرتبط بأحداث هامة في حضارتنا وديننا الإسلام فبداية التاريخ الهجري كان مع هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة وهناك تم اعتماد الفاتح محرم كبداية للتأريخ بالأشهر الهجرية، هكذا رد علينا الحاج "رابح" 73 سنة، يقيم بخليفة بوخالفة وسط العاصمة، عندما استفسرناه عن الاحتفال بأول محرم. ليضيف "منذ الاستقلال لم تعتمد الجزائر على التاريخ الهجري، كنا نعد الأشهر القمرية وكان البعض منها يتم الإعلان عليه رسميا كشهر رمضان وذو الحجة، أما الأشهر الأخرى فكنا نتحرَّاها بأنفسنا لندرك فضلها فقد ورثنا كل شيء عن فرنسا حتى التأريخ أخذنا الميلادي ونسينا العربي". في حين أوضحت السيدة "حسينة"، أن "يوم أول محرم هو يوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر في كل المؤسسات التابعة للدولة وعاشوراء أيضا وبالتالي لا يمكن أن يمرا مرور الكرام دون الاحتفال بهما، ورغم أننا لا نعرف بالضبط السنة التي ودعناها أو التي نحن بصدد استقبالها لكننا نخصها باحتفال تقليدي، فنحضر طبقة "الرشتة" ونعد قالبا من الحلوى لتكون سعيدة علينا، كما نشتري "القشقشة" أو "التراس" وهو مزيج من الشكولاطة والحلويات والمكسرات كي نجلب الحظ السعيد والفأل الحسن لعائلاتنا وأطفالنا". ويعد عدم اعتماد الإدارات والمؤسسات على الأشهر الهجرية العائق الأكبر الذي يواجهه المواطن لكون الوثائق الإدارية تعتمد على التقويم الميلادي، فحتى الجريدة الرسمية تؤرخ بالميلادي والمدارس والجامعات أيضا، ما يزيد من صعوبة إقناع المواطنين باعتماده كتقويم أساسي في بلادنا مثل الدول العربية الأخرى، زيادة على أن كل معاملات الدولة التجارية مع دول أجنبية ويجب أن تكون وفقا للتقويم المتفق عليه عالميا، يقول "أسامة"، 23 سنة، طالب جامعي: "يستحيل أن نتحوَّل من التقويم الميلادي إلى الهجري فالدول العربية التي تستعمله قليلة، أما نحن فنعتمد التقويم الميلادي العالمي كون الاتفاقيات تؤرخ به ومواعيد دخول البواخر والسفن التجارية تدون به أيضا، حتى مباريات كرة القدم يتم تحديدها وفقا له فلا يمكن أن أتصور موعدا ل"الكلاسيكو" بين ريال مدريد وبرشلونة مثلا يوم 10 صَفر مثلاً، لا أتوقع هذا أبدا". الأكثر من ذلك، عندما تفتح الصفحة الخاصة بطلبة كلية العلوم الإسلامية "ملتقى طلبة العلوم الإسلامية جامعة الجزائر ملحقة خروبة على "الفايسبوك"، تصادف منشورات تابعة للجامعة تحمل تواريخ ميلادية، إلا أن الطلبة يعقبون أعلاها مشيرين إلى السنة أو التاريخ الهجري الذي تتزامن معه، وهو ما دفعنا لفتح نقاش مطول مع بعض الطلبة، والذين ذكروا لنا أن التقويم الهجري لا وجود له داخل الجامعات الجزائرية بغض النظر عن التخصص الذي يُدرس فيها، فمواعيد الامتحانات والشهادات يتم التأريخ لها بالسنة الميلادية في حين تظل العطل المدفوعة الأجر والتي لا تكون فيها دراسة العامل الوحيد الذي يذكرهم بالمناسبات الدينية أو لأن بعض الأشهر تتزامن بعض الفرائض كصيام رمضان والحج والمولد النبوي الشريف وصيام يوم عاشوراء لما استطاعوا تمييزها عن الأيام الأخرى حتى في ظل وجود أجندات ورزنامات ميلادية تحتوي التقويم الهجري إلى جانبها.