كشفت دراسة أوروبية أعدت حديثا عن مواصفات ودوافع الشباب الذي يختار الانضمام إلى الجماعات الإرهابية لينتهي في أحضان قنبلة موقوتة أو هجمات انتحارية في أوروبا خاصة، وعرضت تبعا لذلك الأسباب التي أدت إلى انتشار ثقافة "القاعدة" بين مختلف الشرائح الاجتماعية في أبرز دول أوروبا الغربية. وأوضحت الدراسة السرية التي قامت بها مصالح "أوروبول"، وهي المنظمة التي تضم الشرطة الأوروبية تحت إشراف ماكس بيتير راتزيل، أن السبب الرئيس لهذه الظاهرة المتنامية يعود إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية والمهنية التي تواجه الشباب في الدول الإسلامية خاصة، حيث يؤدي الانغلاق السياسي والتهميش الاجتماعي وانتشار البطالة إلى تجذر ثقافة الرفض والكراهية في عقول الشباب الذين يهربون إلى أوروبا ولكنهم يفشلون في الاندماج فيها، فيلجأون إلى الانخراط ضمن فروع تنظيم "القاعدة" في أوروبا بهدف البحث عن بدائل أخرى لبناء شخصياتهم. وهدفت هذه الدراسة السرية التي كشفت جزءا من تفاصيلها صحيفة "الباييس"، في عدد أمس، إلى تحديد المواصفات التي يجتمع عليها الإرهابيون، حيث بدأت بالتساؤل عن هوية أولئك الذين سرقوا قطارات مدريد والحافلات في لندن، واقتحموا مطار غلاسكو بسيارات مشحونة بالمتفجرات، أو حاولوا تسميم المياه في شارع "فينيتو" بروما، وخلصت إلى أنه لا توجد صورة معينة ولا مواصفات موحدة بالنسبة للجهاديين الناشطين في أوروبا خصوصا، لأن هذه الجماعات أضحت تحوي في شبكاتها شبانا قاصرين وراشدين، جامعيين وأميين، مقيمين بصفة شرعية أو بصفة غير شرعية، متطرفين أو غير متدينين، مما جعل شكل الإرهابي أكثر تعقيدا مما تصورته المصالح الأمنية الأوروبية من قبل، وفق ما ورد في أحد الأبحاث التي ضمتها الدراسة. وأجريت هذه الدراسة الأولى من نوعها على مدى سنوات من طرف مختصين وخبراء في وحدات مكافحة الإرهاب في كل من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، وهي محفوظة في أدراج وزارات الداخلية بهذه الدول، وتكتسب هذه الدراسة أهميتها لكونها أجريت وفق وقائع حقيقية، حيث تم بناؤها على أساس تحليل لشخصية حوالي مائة شاب متورطين في أعمال إرهابية، وكذا إرهابيين أحياء وأموات، ومعلومات خاصة متعلقة بهم استقيت من أهاليهم ومعارفهم وكذا بعض الأئمة الذين يدعون للفكر الجهادي في أوروبا، وحتى تحليل أجوبة المتهمين في المحاكم. وكشفت المعطيات الميدانية أن جميع العينات المدروسة، أكدت أن أصحابها تصفحوا جميعا مواقع الجهاديين وقرأوا فتاويهم وشاهدوا أشرطتهم المصورة وقرأوا ما كتبوه حول كيفية إعداد القنابل، وتأثروا بأفكارهم، مع استخلاص أن شبكة الأنترنت هي الوسيلة المثلى لتجنيد الإرهابيين والدعاية في أوروبا، كما أن سفر هؤلاء الشباب إلى الدول التي تعرف أوضاعا متوترة مثل أفغانستان وباكستان والعراق والشيشان وإندونيسيا، ومؤخرا الجزائر بحسب الدراسة وصحراء الساحل مكنتهم من الحصول على دروس وتقنيات تتعلق بالإرهاب وتم إعدادهم للقيام بهجمات في أوروبا، مع تسجيل أن المثقفين وذوي المستويات التعليمية العالية هم من يحظون بقيادة الجماعات الإرهابية ويضعون أهدافها الإستراتيجية. وساهمت كل من فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا بمعلومات ميدانية كشفت ما قامت به من تفكيك لشبكات إرهابية منخرطة ضمن تنظيم "القاعدة" أو "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية، وقدمت حلولها الأمنية التي تراها الأنجع لمواجهة هذه الظاهرة التي سجل التقرير أنها مصدر التهديد الرئيسي على أوروبا. وللتذكير، فقد تم إنشاء وحدة مكافحة الإرهاب بأوروبول بعد الهجمات الشهيرة على أبراج منهاتن بنيويوك في11 سبتمبر 2001، وتم تعزيزها منذ تفجيرات 11 مارس 2004 بإسبانيا. مصطفى فرحات