عبد المجيد بوزيدي(*) في تقرير نشر، نهاية السنة الماضية، وللأسف لم يكن له الصدى المستحق، خلص خبراء الاقتصاد التابعون لندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية إلى حصيلة تحمل معنى واحدا يشير إلى أن: توصيات سنوات الثمانينيات والتسعينيات المقدمة، أو بالأحرى »المفروضة« من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالميين على دول الجنوب، والتي تحمل أطروحات النظرية الاقتصادية السائدة التي تروج لانسحاب الدولة من النشاطات الاقتصادية، لم تؤد إلى النتائج الموعودة. تقرير ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية يقترب من النتائج التي توصل إليها المحللون الاقتصاديون والتي ذهبت كلها إلى أن: إجماع واشنطن الذي يمثل إنجيل الليبرالية، أنتج مزيدا من الفقر واللامساواة الاجتماعية في دول الجنوب، مع الإبقاء على هذه الدول في مستويات نمو واهنة. إن النتيجة التي توصلت إليها ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، يجب أن تأخذ على اعتبار أنه تم التوصل إليها بعد مراقبة ومتابعة لمدة ثلاثة عقود كاملة من تنفيذ وصفات هيئات »بروتون وودز« من طرف عدد من الدول التي وضعت تحت ضغوط »التثبيت والتعديل الهيكلي«. »إن حكومات بلدان الجنوب مطالبة بإظهار إرادة في سياساتها الاقتصادية الكلية والصناعية من أجل تعظيم الاستثمار الخاص والتطور التكنولوجي«. هذه التوصية الصادرة عن الخبراء الاقتصاديين التابعين لندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، والتي ينبغي التوقف عندها، وتتمثل في ضرورة إبراز خيار الاستثمار الخاص وليس الاستثمار العمومي الذي كان سائدا في سنوات السبعينيات، وتذكر بأهمية السياسات الاقتصادية الشاملة الناشطة، وتؤكد أيضا على العودة الضرورية إلى السياسات التدخلية من الدولة، لإعادة دول الجنوب إلى طريق التنمية. في مجال السياسات الاقتصادية الكلية، أوصت ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، حكومات دول الجنوب بالاعتماد على سياسات نقدية لتعزيز النمو. وفي هذا الاتجاه: 1 الإبقاء على نسب فائدة منخفضة لدعم الاستثمار. 2 الحفاظ على معدل صرف ثابت. 3 خفض التبعية لرؤوس الأموال الأجنبية. وتشكل العوامل الثلاثة السابقة، إجراءات دورية ضرورية لتعزيز النمو. من جهة أخرى، وبدون الأخذ بالاعتبار العودة لسياسات الحماية، وإلى سياسة »التنمية المخططة مركزيا«، فإن ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية تؤكد على ضرورة أن »الحكومات لا يجب أن توقف سياساتها الحمائية للمؤسسات الوطنية التي لاتزال ضعيفة التنافسية«، وعلى الدولة »تنمية وتطوير السياسات المساعدة التي تسمح للاستثمارات الخلاقة للإبداع، وتنفيذ السياسات الصناعية«. »إن بلدان الجنوب في حاجة ماسة إلى استثمارات مبدعة، وعلى حكومات تلك الدولة أن تقوم بتشجيع هذا النوع من الاستثمار بواسطة مساعدات ظرفية«. كما يمكن أن نستنتج، يوجد هنا عرض لسياسات مخالفة لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. كما أن الانفتاح الاقتصادي العنيف الذي أوصى به الليبراليون، دول الجنوب لم يكن له حسب تقرير ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية نتائج أخرى غير تلك المتعلقة بكسر مسار التعلم والنضج للمؤسسات المحلية في بلدان الجنوب. كما أن تفكيك التعريفة الجمركية، عملت على حرمان الكثير من بلدان الجنوب من عوائد جبائية من الصعب جدا تعويضها. وحتى وإن لم يوص خبراء ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية بالعودة المطلقة إلى سياسات الدولة، كما كان عليه الوضع سنوات السبعينيات، يبقي هؤلاء على معارضتهم للسياسات الليبرالية المبررة بواسطة سياسات العولمة الشاملة المهددة للجميع، إلى جانب حتمية التنافسية المفروضة من قبل »القواعد الجديدة للعبة«. إن الدول المتطورة حاليا، وعندما كانت في نفس المستوى الحالي لنمو دول الجنوب، كانت تطبق سياسات حمائية، وحدودا للانفتاح إلى جانب تدعيم صناعاتها الناشئة. إنه من السهل أن تسحب تلك الدول اليوم السلم التي صعدت عليه، بعد أن حققت النمو الذي هي عليه. في الأخير وبخصوص الدور المتعاظم الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص، فإن تقرير ندوة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية، يعترف بضرورة مساعدة الدول لقطاعها الخاص. ولكن هذه المصاحبة يجب أن تكون »متطابقة مع أهداف عملية محددة بدقة وبنتائج ملزمة«. أما بالنسبة للجوء إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإنه أمر ضروري لكن يجب أن يدخل في إطار خطوة شاملة في إطار سياسة اقتصادية متجانسة. إن نجاح النماذج الاسيوية للتنمية، كوريا الجنوبية، ماليزيا، الصين والهند، على سبيل الذكر لا الحصر، تؤكد أن السعادة لا توجد في المقاربة الرافضة لتخلي الدولة، وأن دور الدولة في الجنوب اليوم، يعد محددا بقوة لنشأة اقتصاديات هذه الدول. (*) ترجمة: عبد الوهاب بوكروح