فائزة بن حديد هو اسم جزائري له وزنه في الساحة الدولية، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا الجندر وحقوق المرأة، يصفها بعض من الذين عملوا معها في صندوق الأممالمتحدة للسكان بالمرأة الحديدية لمواقفها الصارمة، كانت واحدة من بين ال60 الذين بحث عنهم الرئيس الراحل محمد بوضياف لعضوية المجلس الاستشاري الوطني، حاولنا في هذا الحوار الخوض معها في تجربة ومسيرة تقارب 40 سنة من العمل والنضال، وعن ظروف مغادرتها الجزائر سنة 1993 وعلاقتها بالرئيس بوضياف، ووصولها إلى الجزائر بعد ساعة من التفجير الإرهابي الذي استهدف أحد مقرات الأممالمتحدة في الجزائر. حاورتها في تونس:سميرة بن عودة *إذا طلبنا من السيدة فائزة بن حديد أن تقدم نفسها لقراء » صوت الأحرار« ماذا تقول؟ **جزائرية...وعندما أقول جزائرية "ما عندي ما نزيد نقول"، عندي تجربة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي، كنت قبل سنة في العاصمة الأردنية عمان في منصب مستشارة إقليمية لدى صندوق الأممالمتحدة للسكان، لتقديم الدعم الفني فيما يخص قضايا النوع الاجتماعي والتنمية وحقوق الإنسان للمنطقة العربية بما فيها الجزائر، وحاليا موجودة في تونس في إطار برنامج تعاوني بين مركز المرأة العربية للبحوث والتدريب »كوثر« والاتحاد الأوروبي يتعلق بترقية المساواة بين النساء والرجال في المنطقة الارومتوسطية، والجزائر جزء من هذا البرنامج. في قد بدأت من الجزائر كأستاذة علم نفس في جامعة بوزريعة وعضوة في المجلس الاستشاري الوطني، ونائبة رئيس الجمعية الجزائرية لتنظيم الأسرة، باختصار حياتي مسيرة كفاح طويلة وغنية تمتد لما يقارب 40 سنة. *سنحاول الخوض في بعض تفاصيل هذه التجربة والمسيرة من خلال حوارنا هذا، لو عدنا إلى الوراء كيف دخلت السيدة بن حديد العمل الجمعوي؟ ** في سنوات الثمانينات حضّرت رسالة دكتوراة حول الرغبة في الإنجاب، وكانت بعد إنجاب 4 أطفال، والفرضية التي انطلقت منها والتي كانت سائدة أن البنت عندما تنال قسطا من التعليم لا تصبح لديها رغبة في إنجاب عدد كبير من الأطفال، لكن عندما شعرت برغبة في إنجاب الطفل الخامس، اكتشفت أن ما حدث معي عكس ما يعتقده الآخرون، فقررت البحث في الموضوع كون الأمومة والأبوة مسالة لا تبررها فقط الغريزة لأننا لسنا حيوانات وإنما بشر، فقمت بهذا البحث حول الرغبة في الإنجاب والدوافع والأسباب وسميتها وقتها مساهمة في السياسة الوطنية لتباعد الولادات عن طريق دراسة نفسية وأنثروبولوجية للرغبة في الإنجاب، بداية من الماجستير، وبعدها قمت بدراسة مقارنة بجامعة فرنسية وكان أستاذي محفوظ بوسبسي، وانطلقت من فرضية أنه مهما كانت الثقافات والأنظمة الاقتصادية والسياسية والمستوى العلمي والثقافي فإن الدوافع التي تؤدي بالنساء إلى الإنجاب أو عدم الإنجاب هي نفسها، بمعنى أن المرأة تخضع لتوقعات المجتمع منها، فرنسا كانت آنذاك تعاني من قلة الإنجاب وقلة النمو الديمغرافي، والجزائر كانت مهتمة بقضية النمو المتزايد للسكان حيث اصطلح عليه آنذاك "الانفجار السكاني" لكن السياسيين والمعنيين لم يحاولوا التطرق للقضية من المنظور الإنساني لماذا الرجال والنساء ينجبون أو لا ينجبون؟ *وماهي النتائج التي وصلت إليها بعد البحث الذي قمت به؟ **النتائج التي وصلت إليها تؤكد أن المجتمع هو الذي يضغط على اختيارات المرأة، في الجزائر المرأة تنجب أطفالا لأنه توقع المجتمع منها وفي فرنسا لا تنجب لأن هذا ما يريده المجتمع منها، الجزائرية كانت تقول »هذه خدمتي ودوري في المجتمع لو لم أنجب أطفالا ماذا أفعال وكيف ينظرون إلي«، والفرنسية كانت تقول »أتمنى إنجاب المزيد من الأطفال خاصة الأولاد لكن هذا يعني ضياع المكاسب الأخرى مني لأن المجتمع يقبل بمسؤولياتي المهنية عندما أكون بعدد قليل من الأطفال«، وبالتالي فالدراسة التي قمت بها كشفت أن الجزائرية أقل تقليدية بالنسبة لهذه القضايا أو أنها أكثر عصرية بتعبير آخر، لأنها تميل لعدد أقل من الأطفال وحتى أنها تفضل البنت باعتبار أكثر حنانا مع والديها، والفرنسية أكثر تقليدية لأنها تريد عددا أكبر من الأطفال وتريد ذكورا، وهو ما أثار جنون أعضاء لجنة التحكيم التي أشرفت على الرسالة وعلقوا على النتائج التي توصلت إليها بالقول »مستحيل مستحيل«، وهي الرسالة التي كان لها صدى في الجزائر، وتزامنت مع قانون الجمعيات الجديد الذي صدر آنذاك أي سنة 1987، وجهت لي الدعوة وقتها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية إلى جانب خبراء ومهنيين مهتمين بقضايا السكان والمرأة لتأسيس جمعية تنظيم الأسرة، وذهبت كمشاركة لكني وقعت في الفخ ووجدت نفسي عضوة في المكتب المكلف بتحضير الجمعية المؤسسة، ولاحقا نائبة الرئيس الأولى مع البروفيسور هدام الله يرحمو، كما كنت أستاذة في الجامعة الجزائرية وعضوة في المجلس الوطني الاستشاري الذي أسسه الرئيس الراحل محمد بوضياف، بعدها اشتغلت في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة. *هذه الحلقة التي ابحث عنها كيف كان الانتقال من النشاط الجمعوي الوطني إلى الدولي؟ **عندما انتخبت في الجمعية، قمت بتحضير ملف عضوية الجمعية الجزائرية في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، وأصبحت بعدها معروفة على المستوى الإقليمي والدولي كمتطوعة وكخبيرة، وأصبح يطلب مني المشاركة في دورات وورشات واجتماعات، وفي سنة 1993 اضطررت إلى مغادرة الجزائر لأسباب أمنية قاهرة. *أي دور كان للسيدة بن حديد خلال سنوات الأزمة؟ **في عز الأزمة كنت في الجزائر، وحتى عندما غادرت كنت في الجزائر على الأقل مرة في الشهر. *هل نفهم من كلامك أنك تلقيت تهديدات بالتصفية؟ **ليس فقط تهديدات بل محاولات فاشلة، ومحاولات لاختطاف أولادي، لكن أفضل أن لا أخوض أكثر في هذا الموضوع أفضل أن يظل الماضي في مكانه، فالذين قتلوا لم يكونوا وحدهم الضحايا وإنما الذين غادروا أيضا ماتوا بطريقة أخرى، ، تركنا الجزائر جسديا لكننا في حقيقة الأمر لم نتركها أبدا بفكرنا وذهننا، المسيرة والمصير تغير بسبب ما حدث وبسبب تلك الأزمة. *لو تحدثنا عن تجربتك في المجلس الاستشاري الوطني، ماذا قدمت فيها؟ **كنت نائبة رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية وحضرت ملف اتفاقية حقوق الطفل والذي على أساسه الجزائر تقدمت الجزائر للمصادقة عليها، فقد نظمت العمل الاستشاري مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وكتبت التقرير ودافعت عنه أمام المجلس وعلى أساسه صادقت الجزائرية على الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل. *من بين الانتقادات التي وجهت للمجلس الاستشاري الوطني آنذاك، أن أغلب أعضائه كانوا من التيار الذي يصطلح على تسميته "التيار التغريبي" مقابل تغييب للتيار الإسلامي، ماذا تقولين في هذا الطرح؟ غير صحيح بل العكس كل التيارات كانت ممثلة ومنها الإسلاميين، وقد كانوا موجودين، إلى جانب أعضاء لم تكن واضحة توجهاتهم، وقتها كان الإشكال الذي طرح هو صعوبة تشكيل المجلس، وهو ما دفع قنوات فرنسية إلى طرح سؤال على الرئيس الراحل بأنه من غير المعقول لحد الآن لم تجد 60 شخصا نزيها ومن ذوي المهارات والخبرات، لأنه في أحد خطاباته قال"إنه يبحث عن 60 جزائريا ونزيها وكفؤ، و تأسيس المجلس الاستشاري لم يكن للمزايدات لأن أغلب أعضائه وليس كلهم جازفوا بحياتهم، شخصيا رفضت دوما العمل السياسي والانتماء الحزبي وآمنت دوما أن حزبي هو الجزائر، حتى أني رفضت عضوية الجمعيات النسوية مع أن قضيتي كانت الدفاع عن المرأة من صغري، وعديد من الجمعيات آنذاك اقتربت مني لإقناعي بالانخراط فيها للاستفادة من خبرتي وكفاءتي وكان رأيي أن كل جزائري وجزائرية بإمكانه من موقعه أن يمارس السياسة والعمل الاجتماعي، والتنموي، وحتى عندما دخلت جمعية تنظيم الأسرة كان موقفي أن المرأة إذا لم تفتك سلطة القرار في ما يتعلق بجسدها وحياتها الشخصية وإنجابها لا داعي لأن نفكر في تمكينها من قرارات أخرى، اختيار أعضاء المجلس الاستشاري لم يكن على أساس سياسيين وحزبيين وإنما نخبة من الجزائريين الذي ليس لهم انتماء آخر إلا الجزائر قبل كل شيء مثلما أرادها بوضياف، ولديهم المهارات والخبرات والنزاهة الكافية للعمل في هذا المجال وللأسف تأخرت العملية بسبب المزايدات ومحاولات التأثير حتى يفرض كل تيار أتباعه سواء إسلامي أو غير إسلامي، كان الأمر يتعلق بقضية مصالح وقتها، وأعتقد أن المجلس الاستشاري دفع الثمن غاليا حتى يأتي بعده المجلس الوطني الانتقالي ثم المجلس الشعبي الوطني، الثمن كان غاليا لأن من لم تطله آلة الاغتيال طاله التشرد أو المرض. *نفهم من حديثك أن السيدة بن حديد لم يكن لها انتماء حزبي وبطاقة انخراط في تشكيلة سياسية على كثرتها آنذاك؟ **كلا وإنما اختياري كان على أساس كفاءاتي وخبرتي في مجال التنمية، كل التيارات السياسية كانت ممثلة والتيار الذي تحدثني عنه كان يمثل الأقلية في المجلس الاستشاري. هل أنت راضية عن أدائك في المجلس الاستشاري؟ المجلس الاستشاري كان يدرس المشاريع التي تقدمها الحكومة بكل ضمير قبل المصادقة عليها مثل اتفاقية حقوق الطفل وقتها درست من كل الجوانب ومنها التشريع، مثلا قانون الأسرة آنذاك نفى حق من حقوق الطفل وهو الحق في السكن، ونحن أشرنا إلى أن المادة 52 في قانون الأسرة وقتها لا تسمح للطفل بالتمتع بالحق في السكن ولأنه لم يكن سهلا حينها الحديث عن قانون الأسرة، ظل التحفظ على تلك القضية، المدة التي قضيتها في المجلس الاستشاري لم تكن طويلة سنتين ونصف، هناك أدوار ومهام أنا راضية عنها لأنه كانت لدينا فيها سلطة ونعبر على الأقل عن رأينا فيها، وهناك قضايا عبرنا عن رأينا فيها ولم يؤخذ بعين الاعتبار، وهناك ملفات كنا نتمنى دراستها لكنها لم تقدم لنا ولم تكن لدينا صلاحية فتحها. *في خضم ذلك أين كان ملف قانون الأسرة بالنسبة للمجلس الاستشاري ؟ قيل لنا يومها »ليس وقته«، لأن الوقت يومها كان لذبح المرأة ولتغيير القوانين الاقتصادية للجزائر أما قانون الأسرة فلم يكن وقته. النجاح الذي حققناه من وجهة نظري أيضا هو الدفاع عن صورة الجزائر بدليل أن المجلس الاستشاري وبفضل أعضائه الذين دافعوا عن قضية الجزائر، تم الاعتراف به كبرلمان معوض للبرلمان المنتخب، وتمكننا من الحضور في الاجتماعات الدولية والإقليمية، في وقت كان التغني فيه بالديمقراطية، والانتقادات التي كانت توجه للجزائر بهذا الخصوص، وعليه أعتقد أن المجلس الاستشاري في حد ذاته كان مكسبا للجزائر سمح للجزائر بالبقاء في المحافل الدولية وعلى مستوى الاتحاد البرلماني الدولي. *ماذا بعد عضوية المجلس الاستشاري ؟ اقترح عليا لا حقا عضوية المجلس الوطني الانتقالي الذي انشئ بعد المجلس الوطني الاستشاري الذي ذهب بذهاب المجلس الأعلى للدولة، وكان مجلسا أوسع، لكنني رفضت. لأن الأفكار التي كنت مؤمنة بها لم أجدها في المجلس الذي كان أكثر عرضة للمساومات السياسية وأصبحت هناك حسابات وتوازنات أخرى، ولم تعد الجزائر قبل كل شيء المبدأ الذي جعلني أقبل بعضوية المجلس الاستشاري، بعد استشارة أبنائي، وأتذكر جيدا جملة ابني الصغير الذي لم يكن يتجاوز حينها 10 سنوات "ماما أنقذينا وأنقذي الجزائر" وهي الفكرة التي كانت لدينا آنذاك، وربما كنا مخطئين مثلما أخطأ الرئيس الراحل بوضياف عندما عاد إلى الجزائر مؤمنا بالقضية وضحى بحياته في سبيلها، بعدها تركت الجزائر وهناك العديد من المحيطين بي نصحوني بالمغادرة، والمعلومات الأمنية آنذاك كانت تؤكد ظهور أسمي في أكثر من قائمة للمهددين بالتصفية، غادرت أنا وأبنائي الأربعة وبقيت لعدة أشهر بدون عمل، قبل أن أعثر على عمل في الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، وبعدها اشتغلت في مركز المرأة العربية للبحوث والتدريب "كوثر"، وفي تلك الفترة كنت أواصل عملي مع الجزائر ولم اتركها ولم أتخل عنها أبدا وفي 98 عدت إلى الجزائر ، على أساس أن الأزمة بدأت تتجه نحو الانفراج، مع ذلك رفض زوجي وأبنائي عودتي إلى العمل باعتبار أن حياتي ما تزال مهددة، بقيت عدة أشهر في البيت إلى أن رن الفاكس في أحد الأيام وجاءني اقتراح منصب عمل في عمان في مكتب المساندة الفنية للدول العربية في صندوق الأممالمتحدة للسكان وبقيت فيه 10 سنوات. *تجربتك في صندوق الأممالمتحدة، كيف تقيمينها؟ **أنا فخورة بما حققه البرنامج الذي كنت جزء منه مثلما تدل عليه مؤشرات التغيير ليس فقط في الجزائر وإنما في المنطقة العربية، من خلال الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة وفي تمكين المرأة وفي تطوير برامج خاصة بالتنمية، والحمد لله اسمي واسمي الجزائر كان حاضرا، وعلى الأقل كان يشار علي دوما »تلك الجزائرية» *هل حاولتي من موقعك في صندوق الأممالمتحدة للسكان الاهتمام بالجزائر وتقديم خدمات لها؟ **لم أحاول فقط، وإنما سعيت دوما لان أقنع المسؤولين الجزائريين بان الجزائر لديها من الإمكانيات ما يسمح لها بان تكون في مرتبة ومكانة أفضل من العديد من الدول الأضعف سياسيا او ماليا او حتى اجتماعيا، واذكر انه كان هناك مشروع للتعاون قدمه الجانب الايطالي للجزائر والمغرب وفلسطين، وفي بداية المشوار سنة 1999 قمت بمهمة أولى وتقريبا تحصلت على موافقة أولية، وعندما غادرت، هناك جهات في الجزائر رفضت أن توجه الأموال التي عرضها الجانب الإيطالي لهذا البرنامج بل أرادتها لبرنامج آخر، ومسؤولين في الصندوق قالوا "إذا الجزائر لم توافق على الاشتغال معنا في هذا المشروع سنوجهه إلى بلد آخر"، ولا داعي لأن أذكر البلد، أخذت على عاتقي هذه القضية ولم أشأ أن تحرم الجزائر من الاستفادة من هذا المشروع، وكنت يومها بصدد القيام بمهمة إلى المغرب، طلبت من مسؤولي المباشر وقتها عطلة ليومين وأدفع ثمن التذكرة من جيبي وأتوقف في الجزائر لأحاول إقناع المسؤولين بأهمية المشروع لأن الأهم ليس في التمويل الذي لم يكن يتجاوز 300 ألف دولار، لكن من حيث المصداقية من المهم أن تكون الجزائر جزء من هذا المشروع خاصة وأن الايطاليين طلبوا الجزائر من بين دول كثيرة من المنطقة، وكان رد مديري الموافقة مباشرة ورفض أن ادفع شيئا من جيبي وانه من المهم بالنسبة للصندوق أن تظل الجزائر في المشروع، وذهبت والتقيت بعدد من الوزراء الذين كانوا أصدقائي وناقشت معهم الأمر وفعلا ظلت الجزائر في المشروع. *باعتبارك كنت جزء من هيئة تابعة للأمم المتحدة، ما مدى مصداقية التقارير التي تعدها هذه الهيئات وإلى أي مدى تعكس الحقائق الموجودة في الدول؟ **من المفروض أن هذه الهيئات تشتغل وفق أسس معينة، لأن الأممالمتحدة تحظى بمصداقية وأي تقرير يجري تحضيره بالتنسيق مع البلدان المعنية ويلفتون نظرها إلى قضايا معينة، مثل اتفاقية مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة، هناك منهج عمل وهو أن الدول تقدم كل أربع سنوات تقرير عن تطور وضع المرأة في البلد، في البداية كانت الدول "تزوق" تقاريرها، أما الآن الدول نفسها أصبحت تحدد النقائص التي تعاني منها، وتتحرى هيئات الأممالمتحدة الدقة والتفاصيل والمصادر المتنوعة والمتعددة في إعداد تقاريرها، على عكس المنظمات الدولية الأخرى التي لا تعكس تقاريرها الواقع، فالهيئات التابعة للأمم المتحدة خاصة تلك التي تشتغل في مجال حقوق الإنسان والتنمية تتمتع بالمصداقية لدى الدول. *وماذا عن الصعوبات التي واجهتك في مهامك كخبيرة في فريق الأممالمتحدة؟ أنا دوما أقول إن الأممالمتحدة حية ذات رأسين، مجلس الأمن الدولي، وبقية الهيئات التابعة لها، وهذه الأخيرة تتعاون وتتشارك مع الدول من أجل تطويرها، ومن بين الصعوبات التي واجهتني، أنه لم يكن سهلا بالنسبة لي عندما تكون هناك أحداث في فلسطين وفي العراق أن أقول أنا من الأممالمتحدة، عانينا الكثير، وكان علينا أن نجعل الجميع يفهم الفرق بين مجلس الأمن والهيئات الأخرى التي تنشط في المجال التنموي، وأن الأول هو مجمع حكومي محض يتحكم فيه الكبار، بينما نحن كجنود خفاء نشتغل من اجل تنمية المجتمعات وتطويرها، بالنسبة لحقوق الإنسان في إطار إصلاح الأممالمتحدة الذي بدا بداية القرن الحالي، أصبح هناك ما يسمى منهاج حقوق الإنسان في البرمجة وقد اعتمدته الدول الأعضاء، بدلا من الحفاظ على فلسفة الماضي القائمة على كيل الاتهامات للدول بانتهاك حقوق الإنسان، وضعت بين أيدي الدول منهاج علمي وفتي لمراقبة أنفسهم وكيفية ترجمة التزاماتهم الدولية إلى واقع حياة الناس وهذا المنهاج هو طريقة التخطيط للبرامج من منظور حقوق الإنسان، بعيدا عن المصطلحات السياسية والفلسفية. *باعتبارك مهتمة بقضايا المرأة والنوع الاجتماعي، ما هو تقييمك لوضع المرأة في الجزائر، خاصة على ضوء التعديلات التشريعية الأخيرة؟ **لا أحد يمكنه إنكار الانجازات وما تحقق، لكن وضع المرأة الجزائرية أقل من مستوى طموح الجزائر وأقل من مستوى طموح المرأة الجزائرية في تاريخ الجزائر، رغم ما تحقق في العقد الأخير من مراجعة لقانون العقوبات وتجريم التحرش الجنسي وتعديل قانون الجنسية إلى جانب تعديل قانون الأسرة رغم أن الإشكال ما يزال قائما بالنسبة للبند الخاص بالوصاية الذي ما يزال نقطة ضعف في القانون، فضلا عن الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة والتي قدمتها الجزائر لمقررة الأمين العام للأمم المتحدة حول العنف ضد المرأة وهذا كان مكسبا رائعا وأنا كنت فخورة بهذا الانجاز لأنني جزائرية أولا ولأنني ساهمت في هذه الإستراتيجية، كجزائرية وكعربية يمكنني القول إن المؤشرات تؤكد أن وضع المرأة العربية يأتي في آخر السلم مقارنة بالدول الأخرى في العالم. *هل تتحمل الحركة النسوية جزء من المسؤولية في هذا الوضع؟ الجمعيات النسوية لعبت دور كبير في التسعينات وساهمت بشكل كبير في أن تظل الجزائر واقفة، والمرأة الجزائرية بالذات قدمت الكثير ولا يجب تحميل المنظمة أو المؤسسة أكثر من طاقتها، لأن أولا منظمات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات النسوية والتي تنشط في المجال التنموي عندنا ليس لها إمكانيات مقارنة بدول أخرى مثل اليمن أو السودان أو المغرب، سواء من حيث الإمكانيات مادية أو مساحة التدخل. *ما رأيك في التصنيف الذي يضع منظمات المجتمع المدني بين موال للحكومة أو موال للخارج؟ *لكن أين نضع تلك التي لا توالي للحكومة ولا للخارج، هل نضعها في البحر، هذا ما يقال لكنه غير صحيح، والمفروض أن دولة القانون تبنى على أسس أخرى، دور الجمعية هو المساهمة في بناء المجتمع تنمية البلاد، وأن تكون الضمير الذي يراقب عمل الدولة. وفي بعض البلدان تكون أقوى من الأحزاب السياسية، لأن هذه الأخيرة تسعى للوصول إلى السلطة وهذا من حقها، لأنه هدفها الأساسي، والدولة التي تريد أن تكون قوية يجب أن تقوي المجتمع المدني دون أن يتهم هذا الأخير بأنه متحالف مع السلطة. *التعديل الدستوري الأخير نص على ترقية المشاركة السياسية للمرأة، رئيس الجمهورية بادر بتنصيب لجنة وزارية لتحضير قانون عضوي لتجسيد التعديل الدستوري، ويجري الحديث عن مقترح الكوطة، هل تؤيدين هذا المقترح لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة؟ كحل إجرائي لم لا؟ واستعملته عدة دول عربية، ومع عدة فئات، لكن عندما يتعلق الأمر بالمرأة تبدأ المزايدات ويعتبر حل غير ديمقراطي. ماذا تقولين عن السيدة لويزة حنون؟ **ليس لدي علاقة مباشرة بها، التقيتها سنة 1988 يومها كنت في الجامعة، خلال تجمع نظم بالجامعة وكانت يومها خليدة تومي وحنون تنشطان في نفس الجمعية، وحضرت ذلك النشاط باعتباري أستاذة في الجامعة ومن بين الحضور أيضا علي يحيى عبد النور وايزابيل أجاني، وهذه الأخيرة قالت جئت لأشهد ميلاد الديمقراطية في الجزائر، ووجدت نفسي مضطرة للرد عليها، وقلت كنا نتمنى لو أنها جاءت لتحضر استقلال الجزائر، بعد التجمع جاءت في اتجاهي مجموعة من النساء وقدمن أنفسهن على أنهن من جمعية معينة، لم يعد لها اليوم وجود وطلبن مني الالتحاق بهذه الجمعية، رددت عليهن بالقول إن كل واحد وواحدة يمكنه النضال من موقعه، وقيل لي بعدها إن حنون لم يعجبها يومها موقفي لأنني رفضت الالتحاق بالجمعية، ومن يومها لم ألتق بها إلى غاية التسعينات في جولات الحوار الوطني. هذا التنقل الذي فرضته عليك مهامك ونشاطك هل أثر على استقرار الأسرة؟ كل شيء نسبي، أنا عربية رحالة، أكيد لو بقينا في الجزائر لكان الأمر مختلف، هناك تشتت صحيح، لكن لم يكن هناك عدم استقرار، لان هناك اسمنت قوي في أسرتي، وأنا الآن جدة، ابني في كندا وأبني الصغير في الجزائر وابنتي تعيش هنا في تونس، لكن كل واحد منا يحمل الأسرة في فلبه، نعيش في نفس التوقيت المحبي إن صح المصطلح. *هل زوج السيدة بن حديد كان متفهم لهذا النضال ولهذه القضايا التي تحملها؟ كان متفهما وداعما، وعندما يقال وراء كل رجل عظيم امرأة، أقول أن هذا لا معنى له إن لم يكن متبادلا، زوجي دعمني كثيرا، وأنا دعمته أيضا. *قلت الجزائر دائما في قلبك، كيف عاشت السيدة بن حديد الانتصارات الأخيرة للفريق الوطني؟ *شاهدت المباراة في المكتب على أعصابي وعلى المباشر مع ابني الذي يعيش في الجزائر، وعشنا لحظات صعبة لكن بعد الفوز لا يمكنك تصور مقدار الفرحة التي عشناها أعادتني إلى الأيام الحلوة وأمجاد فريقنا الوطني، في سنوات الثمانينات. *إلى ماذا تتطلع السيدة بن حديد؟ **مصيري كله تغير في بداية التسعينات اليوم لا أتمنى سوى العودة إلى بلدي *هل تحمل السيدة بن حديد جنسية أخرى إلى جانب الجنسية الجزائرية؟ أبدا، أنا جزائرية "قح". *كنت في الأممالمتحدة عندما تعرض أحد مكاتبها بالجزائر لاعتداء إرهابي نهاية 2007، كيف تعاملت مع هذا الاعتداء؟ *كنت وصلت إلى مطار الجزائر ساعة بعد التفجير، كنت في مهمة ويفترض أن أذهب من المطار إلى مقر الأممالمتحدة، كانت مهمة لثلاثة أيام والتفجير جعلني أبقى شهرا ونصف، وطلب مني مساعدة ما تبقى من الفريق وهم 4 أعضاء بصفتي مختصة في علم النفس وسبق أن قدمت الاستشارة والسند النفسي لموظفي وأسر الأممالمتحدة في حرب الخليج الأولى والثانية، والكل كانت أنظارة تتجه إلي، بعد المهمة كدت أنهار، عائلات الضحايا كانت نتظر مني الكثير، وأنظارها تتجه إلي، وصلت حوالي الساعة الواحدة ظهرا ولم أغادر المقر حتى منتصف الليل، تجاوزت تلك التجربة بصعوبة وتحملت خلالها أكثر من طاقتي، كانت ضربة قوية علي، الموقف زعزعني وفي الوقت نفسه كان يجب أن أظل صامدة، وأقدم الدعم للناجيين ولعائلات الضحايا. *في حواري معك ذكرت أكثر من مرة الرئيس الراحل بوضياف، ماذا يمثل لك؟ سؤال صعب، عندما اغتيل كنت في اسطنبول مع البروفيسور هدام نحضر في مجلس إقليمي للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، لا أعرف الرئيس بوضياف شخصيا، بل كنت أسمع عنه فقط وكنت متأملة كثيرا في أفكاره وفي حبه للجزائر، شعرت بأنه قتل غدرا، حبه للجزائر كان رمزا. *هذا الأمل اغتيل باغتيال بوضياف؟ كلا، لكن لدي حسرة كبيرة عليه في الماضي كنت لمجرد سماع اسمه أبكي، إذا كان هذا هو الثمن الذي يجب أن بدفع للجزائر على استعداد لأن أدفع أكثر المهم أن تخرج الجزائر من أزمتها. *هل السيدة بن حديد، تطبق مقاربة النوع الاجتماعي داخل بيتها؟ **أنا لدي مشكلة، عكسية لأن ابنتي مسيطرة على أخواتها، بل أمزح تحبهم ويحبونها وأنا أنطلق من مبدأ أن أطبق كل ما أنا مؤمنة به وأناضل من أجله؟ *هل هناك قرارا اتخذتيه وتتمنين التراجع عنه؟ قبل سنة ونصف عندما قررت الاستقالة من الأممالمتحدة، أما بقية القرارات أتخذها باستشارة ومبنية على اقتناع، وقرار مغادرة الجزائر لم يكن لي خيار فيه نهائيا.