يسجل سعادة السفير البريطاني بالجزائر، مارتن روبر، في الحوار الذي خص به "الشروق"، بمناسبة انتهاء مهامه بالجزائر، تحقيق تقدم مهم في علاقات البلدين في الجوانب الاقتصادية والتجارية وحتى الأمنية. سعادة السفير، كيف تقيمون حصيلة عملكم كسفير للمملكة المتحدةبالجزائر منذ توليكم المنصب منذ ثلاثة أعوام ونصف؟ أولا، من المؤسف مغادرة الجزائر بعد ثلاثة أعوام ونصف من العمل المكثف، ولكن يجب الاعتراف بأنه جزء من حياتنا الدبلوماسية. أنا على يقين بأنني محظوظ جدا بالعمل سفيرا فوق العادة للمملكة المتحدة في الجزائر. ثانيا، بالنسبة إلى الحصيلة، أعتقد أنها حصيلة ممتازة على كل الأصعدة، بما في ذلك التعاون الأمني بين المملكة المتحدةوالجزائر. وهنا يجب التأكيد على أن المملكة المتحدة تنظر إلى الجزائر على أنها دولة مهمة في المنطقة ودولة أساسية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، فضلا عن كونها دولة مصدرة للاستقرار في منطقة المغرب العربي والساحل. وهو الملف الذي جرى العمل عليه بشكل عميق جدا بين الطرفين في إطار جهود مكافحة الظاهرة الإرهابية. يجب الإشارة إلى أن كلا من المملكة المتحدةوالجزائر، عانتا من ظاهرة الإرهاب، مما حتم عليهما الوقوف والتصدي لهذه الظاهرة فضلا عن وقوفهما ضد دفع الفدية لتحرير المختطفين من قبل الجماعات الإرهابية. أفهم من كلامكم أن التعاون الأمني أخذ حصة متقدمة في التعاون الثنائي؟ بعد زيارة الوزير الأول البريطاني، ديفيد كامرون، مطلع عام 2013، إلى الجزائر ولقائه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تم الاتفاق على بناء شراكة أمنية جديدة على أعلى المستويات، وتم تعيين السير كيم داروك، وهو مستشار ديفيد كامرون للشؤون الأمنية، مكلفا بالملف عن الطرف البريطاني، وتم عقد اجتماعين لمجموعة العمل المكلفة بالجوانب الأمنية عام 2013 وسيتم عقد اجتماع ثالث في سبتمبر أو أكتوبر من العام الجاري بالعاصمة البريطانية لندن.
نعود، سعادة السفير، إلى الجوانب الاقتصادية والتجارية في التعاون بين البلدين، ماذا تحقق وماذا تأمل أن يتحقق في المستقبل القريب؟ في الجوانب الاقتصادية والتجارية، سجلنا خلال فترة عملي بالجزائر قفزة نوعية طبعها تعيين اللورد ريزبي، ممثلا لديفيد كاميرون مكلفا بملف التعاون الاقتصادي مع الجزائر. وفي المقابل قام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعيين وزير الطاقة، يوسف يوسفي، عن الطرف الجزائري، للعمل على تنمية الشراكة الاقتصادية بين المملكة المتحدةوالجزائر. إن الشراكة الاقتصادية بين الطرفين بدأت تؤتي أكلها في قطاعات استراتجية عديدة، وعلى رأسها التعاون في المجال الصحي، حيث تم اختيار مجموعة بريطانية لبناء وتسيير مستشفى بولاية تلمسان. وهناك أيضا مشروع ضخم في مجال التكنولوجيات المتقدمة بين الوكالة الفضائية الجزائرية "أسال" والوكالة البريطانية المتخصصة في علوم وتقنيات الفضاء، فضلا عن التعاون بين حكومتي البلدين ووكالتي الفضاء البريطانية ونظيرتها الجزائرية لتعميق التعاون في المجال الفضائي. وبالإضافة إلى ما سبق، تم الشروع في تنفيذ برنامج تعاون كبير في المجال الزراعي، من طرف مستثمرين بريطانيين وجزائريين لإنتاج الحليب في منطقة المنيعة بولاية غرداية، والهدف الاستراتيجي هو تمكين الجزائر من تحقيق اكتفائها الذاتي في مجال الحليب خلال 10 أعوام، وهو مشروع حقق نجاحا كبيرا مع نفس الشركة في السعودية، وخاصة أن الخبراء البريطانيين أكدوا أن الظروف الزراعية في الجزائر أفضل كثيرا مقارنة مع نظيرتها السعودية. الهدف القادم في تعاوننا الاقتصادي هو تنظيم مؤتمر استثمار ضخم حول الجزائر، في أكتوبر القادم ببريطانيا لإعطاء صورة فعلية حول فرص الاستثمار الحقيقية المتاحة في الجزائر. أعتقد أن البرنامج الخماسي القادم سيكون مهما جدا في مجال الاستثمارات، وخاصة في المجال الصناعي وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والسياحة والزراعة. الملف الآخر في تعاوننا التجاري الذي لا يقل أهمية، يتمثل في وجود اتفاق بين البلدين في مجال منع الازدواج الضريبي بين المملكة المتحدةوالجزائر، وهو ما سيمكن من تعزيز التعاون بين الطرفين في مجال الاستثمار، وفي المجال التجاري، حيث بلغ حجم التبادل بين البلدين 5 ملايير دولار في 2013 ويجب توضيح أن الميزان التجاري لصالح الجزائر بفضل صادراتها الطاقوية نحو المملكة المتحدة.
هل تعتقدون، سعادة السفير، أن مسألة اللغة تعتبر الحاجز الأول الذي يعرقل المضي بالعلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدةوالجزائر؟ صراحة، لا أعتقد أن اللغة الإنجليزية مثلت أو تمثل عائقا في ترقية العلاقات الاقتصادية بين بلدينا، ولكن في مقابل ذلك أعتقد أن هناك مشكلة الأفكار المسبقة حول الجزائر، هي ما يمثل العائق الوحيد، لكن يجب توضيح أن الأفكار المسبقة والصور النمطية ليست دائما صحيحة. ومن بين الأفكار المسبقة السلبية عن الجزائر، وجود مشكل أمني بالجزائر، وهو تصور خاطئ يجب تصحيحه. الجزائر اليوم تتمتع باستقرار أمني حقيقي، لقد زرت 40 ولاية من بين 48 ولاية خلال إقامتي بالجزائر، وهنا يجب التأكيد أن الجزائر تستحق احتراما كبيرا نظير الجهد الذي بذلته في الحفاظ على الأمن داخل البلاد المترامية الأطراف. المشكلة اليوم لا تتعلق بالوضع الداخلي، ولكن التحديث هو التغلب إيجابيا على الأوضاع في الجوار وخاصة الساحل وليبيا. لقد بذلت الحكومة الجزائرية جهدا كبيرا في مجال تحقيق الأمن، وهو ما وقفت عليه خلال زياراتي المتعددة إلى مختلف الولايات. والمشكل الوحيد اليوم يتمثل في الوضع على الحدود مع ليبيا. وهنا أوجه رسالة إلى رجال الأعمال البريطانيين، تتمثل هذه الرسالة في أنه لا يوجد أي تهديد لسلامتهم في الجزائر. وأنا أدعوهم إلى زيارة الجزائر للاطلاع على حقيقية الأوضاع عن كثب ومعرفة الفرص الحقيقية في مجال الاستثمار والشراكة. بالنسبة إلى موضوع اللغة الإنجليزية، لقد تحقق الكثير من التقدم في هذا المجال بالشراكة مع وزارتي التعليم العالي والتربية في الجزائر. وأول نتيجة إيجابية تم تحقيقها هي الاتفاق على إعادة فتح المركز الثقافي البريطاني لتعليم اللغة الإنجليزية مطلع سبتمبر القادم بالعاصمة الجزائر بحي حيدرة. هناك أيضا اتفاق مع 7 جامعات بريطانية لاستقبال 100 طالب دكتوراه من الجزائر سنويا وهذا لمدة 5 أعوام ما يسمح بتكوين 500 دكتور جزائري في الجامعات البريطانية، كما تم تنظيم مائدة مستديرة في مارس الماضي بين جامعات جزائرية ونظيرات لها ببريطانيا. أعتقد أن ما تحقق يمثل قاعدة صلبة للمضي بالعلاقات الثنائية إلى أبعد الحدود.
بالنسبة إلى التعاون الأمني، تحتاج الجزائر دائما إلى مساعدات تقنية من حلفائها على غرار المملكة المتحدة، هل أنتم مستعدون لتوفير الأجهزة التي تسمح بمراقبة حدودها الشاسعة؟ يجب الإشارة إلى وجود حوار مهم جدا في هذا المجال. والمملكة المتحدة متفتحة جدا، ومستعدة للذهاب بعيدا في دعمها ومساعدتها للجزائر في القضايا الأمنية. ومجموعة العمل الأمني وفي مجال الشراكة الأمنية الاستراتجية هي عبارة أيضا عن منتدى مشترك لتبادل المعطيات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية المشتركة وآليات مواجهتها، كما يمثل أيضا فضاء لتعزيز تعاوننا الأمني. بريطانيا تتفهم انشغالات الجزائر في المجال وهي مستعدة للذهاب بعيدا في تعاونها مع الجزائر. وأوضح أن زيارة ديفيد كامرون في مطلع 2013 أعطت دفعا قويا لتعاون البلدين في المجال الأمني، وخاصة أنها زيارة أعقبت الهجوم على منشأة الغاز بتيڤنتورين.
سيعقد في أكتوبر القادم بلندن ملتقى أعمال ضخم حول الاستثمار في الجزائر، هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل حول الموضوع، وخاصة أنه سيتزامن مع إطلاق البرنامج الخماسي 2015-2019؟ أعتقد أن التعاون الثنائي بين الحكومتين بإشراف اللورد ريزبي ويوسف يوسفي، قد قطع أشواطا، ولكن هناك أيضا القطاع الخاص الذي ينشط ضمن مجلس الأعمال الجزائري البريطاني بقيادة لايدي أولغا مايتلاند. وسيخصص المؤتمر لاستعراض الفرص الهائلة في قطاعات الطاقة والصحة والمالية وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والزراعة. يجب الإشارة إلى التزام مجموعة بريتيش بتروليوم بالاستمرار في العمل بالجزائر بالنظر إلى الأهمية الاستراتجية للجزائر من الناحية الطاقوية، وخاصة بالنظر إلى ما نعيشه اليوم في أوكرانيا وانعكاسات ذلك على تزويد أوروبا بالغاز الروسي. اليوم يجب التأكيد على أن الجزائر هي مزود موثوق للملكة المتحدة ولأوروبا بالطاقة، ونحن نأمل اليوم في أن تصبح الجزائر موردا أكبر للغاز، وخاصة بفضل الاحتياطات التي تتوفر عليها في مجال الغاز التقليدي أو الغاز الصخري.
كيف تقيمون وضعية الجالية الجزائرية في المملكة المتحدة؟ وهل هناك إجراءات جديدة في مجال حرية التنقل بين البلدين؟ هناك جالية جزائرية تقدر ب40 ألف جزائري يعيشون في لندن ومانشستر وأدينبرا وغلاسكو، وكان هناك 22 ألف طلب تأشيرة عام 2013 بزيادة قدرها 50 ٪ مقارنة مع عام 2012. وأغلب التأشيرات المطلوبة تتعلق بالسياحة مدتها 6 أشهر وهي تأشيرات متعددة تمكن حامليها من الدخول عدة مرات إلى المملكة المتحدة. هناك أيضا عدد كبير من التأشيرات لرجال الأعمال وهذا بفضل نظام تأشيرات فعال جدا، وخاصة منذ تغيير الشركة الخاصة التي كنا نتعامل معها في المجال، ونحن اليوم نتعامل مع شركة "تي. أل. أس" في الجزائر، وهناك مدخل خاص بالمملكة المتحدة وهناك أيضا نظام تسجيل إلكتروني فعال جدا. ونصيحتي للجزائريين هي اتباع الخطوات بدقة وتوفير كل الوثائق المطلوبة بدقة لأن الحصول على التأشيرة مرتبط بتوفير كل الوثائق الصحيحة المطلوبة في الملف لا أكثر ولا أقل.
أترك لك الكلمة الأخيرة وأنت على بعد ساعات من مغادرة الجزائر، ما هي الصورة التي ستحملها معك عن الجزائر وشعبها؟ أريد أن أقول إنكم شعب جميل ورائع ومضياف، وشعب صديق للمملكة المتحدة، فضلا عن ذلك يجب القول إنني وخلال زياراتي إلى مختلف المناطق أكلت الكثير من المشوي والشخشوخة والكسكسي.. وعادة ما يكون ذلك خلال نفس اليوم. وهذا بفضل تقاليد الضيافة التي تطبع الشعب الجزائري. خلال ثلاثة أعوام ونصف في ضيافة الشعب الجزائري كانت لي ذكريات جميلة، وخاصة خلال الألعاب الأولمبية في لندن، حيث عملت على مساعدة السلطات الجزائرية في تنظيم مشاركة الجزائر، وخاصة الرياضيين شبه الأولمبيين، الذين حققوا نتائج جيدة. احتفلنا أيضا بمقر السفارة بالبطل الأولمبي مخلوفي وذهبيته. إنها ذكريات جيدة جدا عن هذا الشعب وهذه البلاد المضيافة جدا. لقد زرت باتنة وأكلت هناك شخشوخة لا يمكن أن أنساها أبدا، لقدر زرت تيارت أيضا، وزرت عين الفوارة بسطيف، زرت تاغيت وتميمون، وهي مناطق جميلة جدا. بصراحة تستحق الجزائر الكثير من الاحترام نظير الجهد الكبير الذي بذلته منذ تسعينات القرن الماضي، لقد حققت الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية وأنجزت الكثير في مجال البنى التحتية.. وهذا ليس بالأمر الهين. أريد القول إنكم في الصحافة الجزائرية تركزون كثيرا على الانتقاد، في حين تتجاهلون الأشياء الإيجابية الكثيرة. نحن في بريطانيا لنا مشاكل كثيرة ولكن يجب البحث عن الأشياء الإيجابية لإظهارها. ستبقى للجزائر مكانة خاصة جدا في قلبي.
في الأخير أيضا.. يجب توجيه الشكر لجريدة "الشروق"، التي مكنتني من كتابة مقال أسبوعي، لمدة عامين ونصف، وهو ما سمح لي بأن أكون السفير الصحفي أيضا.