من الصعوبة بمكان أن يصدق القراء أن أشخاصا يموتون جوعا بعاصمة البترول والغاز ورقلة لكنها الحقيقة، في ظل الارتفاع المتزايد للسيولة النقدية بخزينة الدولة، ومن العجيب أن تتحول المدينة المعروفة بحسن الضيافة والكرم إلى منطقة للتسول عبر شبكات أشبه بوكالات المناولة التي تضم العشرات من مختلف الأعمار. ففي حي "لاجئين" العريق الواقع بوسط المدينة والذي تحيط به تجمعات سكانية كبيرة توفي جوعا منذ أسابيع معاقان من عائلة واحدة، تجاوز سنهما الأربعين بعد أن هجرهما الوالد ولم يجدا ما يأكلانه من القوت. حالة أخرى سجلت بمنطقة سكرة الشعبية لشخص مات هو الآخر لأنه لم يقو على معالجة المرض بسبب الفقر المدقع ولم يمد يده للغير، في وقت تصيب البحبوحة المئات من أصحاب البطون المنتفخة. من جهة أخرى، يحتار جملة من "الشومارة" في شراء كيس من الحليب وهي ظواهر سلبية لم تكن مألوفة في الماضي بمناطق الصحراء عموما، ويقول عماد جفري، رئيس كتلة الأحرار بالبرلمان، باعتباره ممثلا للشعب عن هذه القضايا الاجتماعية، إنها ناتجة عن نقص مناصب الشغل خصوصا عند فئة المتزوجين الذين يجدون أنفسهم بين عشية وضحاها بدون عمل بعد قضاء شهور مؤقتة بالشركات وكثرة مشاكلهم اليومية مع أسرهم، فضلا عن نقص الاستثمار خاصة في قطاع الفلاحة الذي من شأنه أن يحفظ ماء الوجه. كما تبقى -حسب تقديره - الإدارة عاجزة عن احتواء الموقف وإيجاد حلول موضوعية ومقنعة على أرض الميدان، علما أن الحكومة منحت للجهة ما يكفي من الأموال المضخة على مدار ثماني سنوات للخروج بنتائج مرضية، لكن العديد من الأشياء لا زالت معطلة. ويعد مشكل ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض القدرة الشرائية هاجسا كبيرا لدى شبان الجنوب إذ ساهمت في إقبال عدد من الشباب على احتراف مِهن جديدة غير مألوفة بعاصمة الواحات منها طاولات بيع الشاي التي انتشرت كالسرطان على طول الطرق الرئيسية والثانوية وكذا الساحات العمومية، في ظل كثرة الحديث عن إنجاز محلات تجارية لفائدة الشريحة المذكورة، كما أصبحت هذه الأماكن قبلة للعديد من شرائح المجتمع بما في ذلك إطارات الدولة وكافة الأصناف العمرية.. "طاولات الأرزاق" التي تدر على أصحابها أموالا معتبرة تساهم في إعانة الكثير من العائلات لكن دون تأمين مستقبلي ويفضل أصحابها الاكتساب المؤقت من مداخيلها واغتنام فرصة نسج علاقات مع الزبائن لخدمة مصالحهم المؤجلة. ومن بين الأسباب التي دفعت بهذه الزمرة للتوجه نحو أعمال الحلال على حد قولهم هو تجنب الانحراف ونبذ ولوج عصابات الإجرام التي قد تستغلهم ضمن شبكات مختلفة منها سرقات السيارات وقضايا الكيف، إلا أن الملفت هو تهافت الأطفال كذلك على المهنة ذاتها خلال فترات العطل المدرسية وأوقات الفراغ سيما أمسيات الإثنين ويوم الخميس باعتبار الكأس الواحد من الشاي يساوي 10 دنانير. موسى وعبد القادر وعبد اللطيف أطفال في مقتبل العمر اختاروا التجول بمحطات نقل المسافرين لعرض الشاي في كؤوس بلاستيكية على المارة وقد أجمعوا على أن عوامل الحاجة وتدهور أوضاع أسرهم دفعتهم إلى الشارع والهدف الوحيد -حسب رأيهم- ادّخار بعض المبالغ لمساعدة عائلاتهم وإنقاذهم من التشرد بولاية تأكل مما لا تنتج وتلبس مما لا تصنع. حكيم عزي