في الوقت الذي عاشت فيه فرنسا حالة حداد في البلاد على ضحايا الهجوم الذي تعرضت له مجلة شارلى إبدو الأسبوعية، وإعلان حالة الاستنفار القصوى، استيقظت باريس، أمس، على حادث إطلاق نار آخر من قبل مجهول بمحطة مترو "بورت دو شاتيون" جنوب العاصمة، أسفر عن مقتل شرطية وإصابة شرطي بجراح، فيما تواصل مسلسل مطاردة المشتبهين في مقتل 12 شخصا في مقر صحيفة شارلي ايبدو. وذكرت مصادر من الشرطة الفرنسية، أن الشخص الذي أطلق النار كان يرتدي سترة واقية من الرصاص، ويحمل رشاشا، وأطلق النار على الشرطة المحلية الفرنسية، ما أدى إلى مقتل شرطية، ولم تشر وسائل الإعلام الفرنسية بعد، ما إذا كان هذا الحادث له علاقة بالهجوم المسلح الذي وقع أمس على مجلة "شارلى إبدو" . وقبل ذلك، نشرت الشرطة الفرنسية صورتين، لمن قالت إنهما المشتبهان في قتل صحفيي شارلي ايبدو، ويتعلق الأمر بالشقيقين، سعيد وشريف كواشي، وتم الاشتباه بهما، استنادا إلى بطاقة تعريف لأحدها الشقيقين عثر عليها داخل السيارة السوداء التي فروا بها بعد تنفيذ الاعتداء! زيادة على تسجيلات كاميرا مراقبة، كما تحدث التقارير، عن وجود شريك مفترض للشقيقين، والذي سلم نفسه للشرطة في شمال شرق فرنسا، وهو حميد مراد 18 عاما، وهو صهر شريف كواشي. وواصلت قوات النخبة في الشرطة الفرنسية "الريد" وفي الدرك "جي أي جي ان"، تعقب المشتبهين اللذين شوهدا في منطقة "ايسن" التابعة لبيكاردي شمالي فرنسا، صباح أمس، على متن سيارة من نوع "كليو" رمادية اللون، ويأتي ذلك بعد الاشتباه في وجود شخصين يرتديان أقنعة، ويحملان أسلحة على متن سيارة، وقد قاما بالسطو على كميات من البنزين والمواد الغذائية من محطة لبيع النزين. وبالعودة إلى ضحايا إطلاق النار في شارلي ايبدو، نقلت مصدر إعلامية فرنسية، ان من بين الضحايا مسلمين يحملان الجنسيّة الجزائريّة، هما الشرطي أحمد مرابط ومصحّح أخطاء بالصحيفة مصطفى وراد. ويذكر أنّ أحمد مرابط هو شرطي يبلغ من العمر 42 عاما، متزوّج، قضى نحبه بعد وصوله إلى مكان الحادثة على متن دراجته النارية، وقد تناقل الجميع فيديو فظيعا يصوّر إنهاء المعتدين لحياته بطلقة في رأسه من مسافة قريبة، أما المسلم الثاني هو مصطفى وراد، متزوّج وأب لطفلين، وورد اسمه في قائمة الضحايا التي نشرتها صحيفة لوفيغارو، ويشتغل الضحية مصححاً للأخطاء المطبعية بالمجلة.
من هما الأخوان كواشي اللذان هزّا العالم بدمويتهما؟ شريف كان مدرب كرة وشقيقه تاجرا في البيتزا والسمك في باريس فاجأت الشرطة الفرنسية العالم، وصدمت الفرنسيين بالخصوص، عندما أعلنت بأن الأخوين شريف وسعيد كواشي هما مهندسا يوم الرعب الذي عاشته فرنسا ومازالت، بقتلهما ل 12 شخصا في قلب باريس، وكانا دائما تحت مراقبة قوات مكافحة الإرهاب في فرنسا، بعد تأكد تورطهما في السفر إلى سوريا وتجنيد جهاديين إلى العراق منذ قرابة العشر سنوات، وعلاقتهما بتنظيم "الجيا" في الجزائر، وتكمن الصدمة في عجز القوات الفرنسية في تفادي ضربتهما الموجعة التي هزت العالم. الإرهابيان هما فرنسيا المولد في المحافظة الباريسية العاشرة، ومن جنسية فرنسية، ولم يزورا أبدا الجزائر، خاصة أن علاقتهما بعائلتي والديهما انقطعت نهائيا، لأنهما عاشا يتيمين في ملجأ في مدينة ران، ولا أحد أكد جازما المنطقة الجزائرية التي ينحدران منها، وقد ولد الجهادي شريف كواشي في أواخر نوفمبر من عام 1982، دون أن يعرف والديه، فعاش في ملجأ في مدينة ران، وفي سن العشرين، أجرى امتحانا ليصير مدربا للكرة في فرنسا فنجح، فانتقل للعيش في باريس، فساعده رجل فرنسي اعتنق الدين الإسلامي، إذ استقبله في منزله رفقة شقيقه السعيد، وهنا بدأ يتساءل عن سبب اعتناق فرنسي للدين الإسلامي، وتزامن ذلك مع أحداث هزت العالم مثل العدوان على العراق ولبنان وغزة، وفي الوقت الذي ساعد شقيقه السعيد هذا الفرنسي الذي احتضنهما، في عمله كموزع للبيتزا، اهتم هو بالانضمام لبعض الجمعيات التكفيرية، ومنها إمارة المدعو بن يطو، التي تقوم بالإشراف على إرسال جهاديين من أوروبا إلى العراق، للانضمام إلى مختلف الجماعات المسلحة، وصار تحت إمارة الزرقاوي، وفي عام 2008 تم توقيفه من طرف مصالح الأمن الفرنسية، بتهمة تجنيد الجهاديين للتوجه إلى العراق، وقضت بسجنه ثلاث سنوات، ولكن ب 18 شهرا منها موقوفة النفاذ، فاسترجع حريته بسرعة، فعاد للعمل في باريس، ولكن هذه المرة في مساحة تجارية تركها له شقيقه السعيد، الذي اشتغل فيها في قلب باريس، حيث اختص في عرض وبيع السمك الطازج، ثم ثبت مرة أخرى تورطه في محاولة تهريب أحد أجنحة الجييا، المدعو إسماعيل آيت علي بلقاسم. وتأكدت الشرطة من العلاقة الوثيقة بين إرهابي الجييا والسعيد كواشي البالغ حاليا من العمر 35 سنة، ومع ذلك تركت الأمور كما هي، في غياب الأدلة القاطعة، وقد أجمعت ردود الفرنسيين الغاضبين والمصدومين على تحميل مصالح الأمن الفرنسية، جزءا من المأساة، لأنها لم تتابع هذين الشابين المشكوك في نشاطاتهما الداخلية والخارجية، ظنا منها بأن همهما هو ما يحدث في العراق والشام، وحتى الجزائر، ولم تتمكن في رحلة البحث عنهما سوى من القول بأن السعيد كواشي ثبت تواجده خلال الأسبوع الماضي، في مصلى صغير بالضاحية الباريسية.
أحالوا المتابعين على جذورهم الجزائرية.. الإعلام الفرنسي يستفز الجزائر: بن زيمة وزيدان فرنسيان ومحمد مراح وكواشي أصولهم جزائرية!! عاد الإعلام الفرنسي بمجرد الإعلان عن توقيف المشتبه في ضلوعهم في عملية باريس، إلى التأكيد على أصول المشتبه فيهم الجزائرية، وذلك بدل الحديث عن جنسيتهم الفرنسية، في محاولة استفزازية جديدة للشعب الجزائري، سواء منه الجالية المقيمة بفرنسية أو المقيمين بأرض الوطن. وليست هذه المرة الأولى التي تحول فيه وسائل الإعلام الفرنسية النقاش إلى عنصري وتمييزي، في سبيل الاستنقاص من الجزائريين المقيمين في فرنسا، وتحميلهم بطريقة أو بأخرى كل مآسي الجمهورية الفرنسية، فقد سبق وأن فعلت ذلك، مباشرة بعد مقتل منفذ عملية تولوز، جنوب غرب فرنسا، محمد مراح، فرغم جنسيته الفرنسية، إلا أنّ الحكومة الفرنسية وبإسناد من الإعلام المدعي للمهنية والمصداقية، ركزوا على جذوره الجزائرية، وحتى المناطق التي ينحدر منها آباؤه وأجداده، في سبيل تشويه الشعب الجزائري، ومساندة الخطابات العنصرية اليمينية لبعض الأحزاب والجمعيات المطالبة، بطرد الجزائريين والجالية المغاربية من فرنسا، ونسبتها إلى التخلف والهمجية. يأتي هذا في وقت عرف عن الإعلام الفرنسي تناسي كل إيجابيات بعض من له أصول جزائرية، وحتى جنسية مزدوجة جزائرية، وقام بأعمال إيجابية في صالح الشعب الفرنسي، ومنهم من تقلدوا مناصب وزارية في البلاد، وآخرون أبطال رياضيون أدخلوا البهجة والسرور على قلوب الفرنسين ككريم بن زيمة وزين الدين زيدان اللذين إذا ذكروا فرنسيا فجنسيتهم الفرنسية فقط، دون أي إشارة إلى أصولهم الجزائرية، في مفارقة ليست غريبة على الإعلام الفرنسي، خاصة وأنّ زين الدين زيدان نفسه الذي طالما سموه زيزو، بمجرد أن أخطأ وفق الأعراف الرياضية، وضرب برأسه اللاعب الإيطالي متيرازي في نهائي كأس العالم 2006، حتى أحاله الإعلام الفرنسي مباشرة على أصوله الجزائرية، وتناسى أي انتماء له لأبناء موليار ونابليون، قائلين بلغة الحال لا المقال "سلبياتكم جزائرية وإيجابياتكم نحن صنعناها، فتحملوا جنسكم المتخلف الهمجي ونتحمل نجوميتكم".
الجالية المسلمة تدفع الثمن اعتداءات على مساجد بالرصاص والقنابل والمحجبات فضلن البقاء في بيوتهن تعرض العديد من المساجد لاعتداءات لم توقع ضحايا في ثلاث مدن فرنسية، منذ مساء الأربعاء، ولم تسلم الجالية المسلمة والعربية من الاعتداءات، وفضل غالبيتم البقاء في منازلهم، خشية حصول مكروه لهم، في وقت ستركز المساجد اليوم خلال خطبة الجمعة على فصل الاعتداء الذي استهدف مقر صحيفة شارلي إيبدو عن الإسلام. ذكرت مصادر متطابقة، أن ثلاث قنابل مدوية صوتية ألقيت على مسجد في مدينة لومان- غرب فرنسا- وأطلقت رصاصة على الأقل على مسجد في حي شعبي بعيد منتصف الليل، وفي "بور-لا-نوفيل" بالجنوب الفرنسي، فيما أطلقت رصاصتان على مصلى بعد ساعة تقريبا على انتهاء صلاة العشاء. ووقع انفجار متعمد، أمس، أمام مطعم مجاور لمسجد بالقرب من ليون، وصرح رئيس بلدية المدينة برنار بيرو أن "الأمر مرتبط للوهلة الأولى بالوضع المأساوي" الناجم عن الهجوم على المجلة، ودعا إلى "التضامن والوحدة والاحترام". وكشف رئيس مجلس أئمة فرنسا، الدكتور حسين درويش، في حديث للشروق، عن إحصاء عديد الحالات من الاعتداءات التي استهدف المسلمين، وقال "الوضع صعب حقا على الجالية المسلمة، فقد أبلغني عدد من الإخوة بتعرضهم لإهانات، كما أن المحجبات لم يخرجن من بيوتهن، طيلة يوم أمس، إضافة إلى تعرض بيوت مسلمين لإطلاق نار متعمد". وبخصوص الدور الذي سيقوم به الأئمة لحماية المسلمين من هذه الاعتداءات، قال محدثنا "نحن الآن في محاولة لتبرئة الإسلام مما اتهم به زورا، وأن الذي حصل في شارلي ايبدو ليس هو الإسلام الذي تتميز به الجالية المسلمة في فرنسا، والمعروف عنها التزامها بقوانين الجمهورية الفرنسية". وتحدث الدكتور حسين درويش عن خلل يعتري الخطاب الديني الموجه للجالية، بالقول "الشاب المهاجر يعيش حالة تميز في هويته، فهو غير مقبول في فرنسا، وليس معروفا من البلد الذي جاء منه، كما أن المساجد لا تؤدي دورها، خطابها غير متوازن، وبالمحصلة يتجه الشاب من إسلام إيجابي إلى إسلام سلبي"، وسجل المعني كذلك خللا آخر أجمله في قوله "الخطاب المسجدي المرسل به الكثير من الاختلالات، فغالبية الأئمة في مساجد فرنسا لا يتقنون الفرنسية، ونتيجة لذلك يستعملون العربية فقط، وهذا يجعلهم يخاطبون الجيل القديم من المهاجرين، رغم أن المشكل في الجيل الجديد، كما إن الخطاب المرسل لا يواكب صفات وخصائص المجتمع الفرنسي، في وقت يجب أن يساير الخطاب الفرد، بأن لا يضيّع أصول الدين، وأن يكون فردا إيجابيا في المجتمع".