صارت التشنجات والعصبية الزائدة "ديكورا يوميا" في راهن جزائر 2015، فأينما توجهت يصدمك "منسوب" هائل من التكشير وغالبا ما يحظى المرء بردود جافة، إلاّ نادرا، وذاك حال مختلف المصالح الإدارية والمرافق والمؤسسات وصولا إلى المقاهي والأسواق والحافلات وسيارات الأجرة ومحلات الأكل الخفيف، حتى إنّ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة اشتكى علنا في خطاب رسمي ألقاه في أواخر سنة 2006 من عصبية مواطنيه الزائدة عن اللزوم، فهل سقط الجزائريون في ألغام الكراهية؟ "الشروق أون لاين" قارب المحذور في هذا التحقيق. الملاحظ للسيرورة الاجتماعية العامة، (بروز) حالة من "التكهرب"، على نحو يؤجّج المواقف ويجرّها عارض الاحتقان إلى معارك يومية لا يكتفي فيها "أبطالها" بمبارزات تقليدية تقوم على استخدام الأيادي والأرجل والرؤوس، بل يتم الاستعانة بالخناجر والفؤوس والسيوف والمسدسات أيضا، وتتوسع من شجار بين شخصين إلى حرب بين حيين أو قبيلتين ويسقط فيها ضحايا، وهي حالات ليست بالقليلة غالبا ما تحفل بها المجالس القضائية. اللحن النشاز وفق معاينات ميدانية، باتت الشجارات لحنا نشازا يطارد الأسواق والمراكز التّجارية ومحطات النّقل، وبمختلف الأماكن المكتظة التّي تعرف إقبالا كبيرا للمواطنين، وهو ما لا يفصله البعض عن تبعات الاحتكاك القريب، ما يجعل الكثيرين عرضة للانفعال والاستفزاز الشديدين، حيث غالبا ما يصنع الازدحام مناخا ملائما لاشتعال فتيل الشّجارات التّي لا تخلو من شتائم نابية وكلام بذيء يستبيحه الكثيرون، بلا مراعاة للحرمات. وكثيرا ما أفضى اشتعال الشّجارات إلى نهايات مأساوية كالقتل أو إصابات بليغة غالبا ما تفرز يوميا عددا من ضحايا الاعتداءات الجسدية، على منوال ما حصل ليلة الأحد في ضاحية "الكاليتوس" شرقي الجزائر العاصمة. ملاسنات ظرفية تطورت إلى ضغائن دائمة الغريب إنّ الأمر بعدما ظلّ محصورا في نطاق "الرمضانيات"، على خلفية ما ينجرف إليه فريق من "المتأثرين بالصّيام"، تعدى ليملأ سماء مناطق جزائرية عديدة، وكم هي كثيرة تلك الملاسنات والشجارات التي صارت تنشب لأتفه الأسباب وتزرع الأحقاد والضغينة بين العائلات لتتحول إلى قضايا تتداولها المحاكم لعدة جلسات بعدما تصبح الكلمات كافية لإرتكاب بعض الجرائم. هذه الظاهرة اللاأخلاقية سادت في مجتمعنا، والغريب أنها بعدما كانت حكرا في وقت ما على الجنس الخشن، امتدت لتشمل الوسط النسوي الذي أصبحت له حصته ونصيبه من تلك الأقوال والأفعال التي تنافي قيمنا الإسلامية لأنها تهين كرامة الغير وتلحق الأذى بهم. وأصبح أيّ مكان لا يكاد يخلو من الشجارات العنيفة والكلمات القبيحة التي تصدر من أشخاص وضعوا القيم النبيلة والأطر التربوية جانبا وأصبحوا لا يحترمون غيرهم، والملاحظ أن الأمر لا يقتصر على فئة معينة بل شمل الكثيرين بغض النظر عن جنسهم، سنهم ومستواهم التعليمي والثقافي الذين كان من المفروض أن يكونوا أكثر تخلقا، ما جعل (فنونا) من الشتائم تسود في الأماكن العامة وحتى في كبرى الشركات والمؤسسات. تكاثر قضايا القذف والشتم اللافت هو تكاثر قضايا القذف والشتم وحتى الضرب التي تتداولها المحاكم يوميا، والتي لم تسلم هي الأخرى من تلك الممارسات التي تصدرمن بعض الموكلين وأحيانا من المحاميين لتتناقض تصرفاتهم مع جببهم السوداء وما تمثله من رمزية راقية. هذا ما لمسناه من خلال حكايات شهدنا عليها وأخرى رواها أشخاص عجزوا أحيانا عن توصيف مدى تدّني القيم الأخلاقية في مجتمعنا بعدما تعرضوا لإعتداءات جسدية أوعلى الأقل وجهت لهم شتائم قبيحة على مرأى الجميع، ولكن البعض منهم لا يدرك أن السّب والشتم يعاقب عليه القانون في حال رفع الضحية دعوى قضائية. "فرح" احدى من تعرضوا للشتم والإهانة على مسمع ركاب الحافلة التي كانت تستقلّها دون أن ترتكب أي ذنب حسب قولها، والأدهى في الأمر أن هذه التصرفات صدرت من إحدى بنات جنسها ولأتفه الأسباب. عائلة أخرى اشتكى أفرادها من الشجارات الدائمة والمشادات الكلامية التي تحدث بين أخوين تناسوا صلة الدم بينهما من أجل المال، حيث تقول الأم إن ابنها الأكبرعلى خلاف دائم مع أخيه بسبب رغبته في الإستيلاء على إرث والده بمفرده، وتضيف أن الأمر قد وصل به لأن يتهم أخاه بأنه تعدّى عليه بالضرب بعد أن قام بإحداث جروح في جسده، ليفتري على أخيه كذبا أمام المحكمة فيما لا تتعدى الوقائع سوى كلمات سب وشتم صدرت من الأخ اتجاه أخيه والتي كان من الممكن أن تحل دون اللجوء إلى المحكمة. علاقات الجوار إلى الحضيض تستمر ظاهرة الشجار بين الجيران في الاتساع عبر الأحياء الشعبية، وتقترن هذه الشجارات بأرطال من السباب والشتائم وحتى الضرب وأغلب بطلات تلك الممارسات هن صاحبات الأيادي الناعمة، حيث أكدت لنا "إيمان" أن جارتها قد شتمتها بكلام قبيح وهو ما جعل الخلاف بينهما يتطور إلى شجار عنيف انتهى بإصابتها بكسور خطيرة بعدما وجّهت لها جارتها ضربات عنيفة بواسطة كرسي، وتضيف الضحية أن ذلك الخلاف كان لسبب تافه وهو سقوط قطرات الماء من الملابس المبّللة التي كانت منشورة بالشرفة، وقام زوجها بايداع شكوى ضدها بمركز الشرطة والغريب في الأمر أنها أنكرت ما فعلته جملة وتفصيلا. "كمال" هو الآخر كان ضحية لسلوكات جيرانه العدوانية، حيث أنه تعرّض للضرب من قبل جاره وحسب قوله فإن السبب هو أنه ركن سيارته أمام بيت جاره دون أن يقصد مضايقته لأنه كان مضطرا لذلك، إلا أن الجار لم يتقبل هذا الأمر وثار غضبه وقام بشتمه، وعندما دافع عن نفسه وجه له لكمة أفقدته البصر على مستوى العين اليسرى. "سارة" عاملة بأحد المؤسسات هي الأخرى كابدت التجربة ذاتها، بعدما قام مدير عملها بتوجيه كلام غير لائق لها، وبحسب قولها فإنه قد أهان كرامتها ولم تتوقع أن تسمع كلام السب والشتم من شخصية كانت تقدرها وتحترمها. وتلاقي التصرفات انتقادا شديدا في حال صدرت من أشخاص مثقفين أو أصحاب الشهادات، وهو ما حدث مع "مصطفى" الذي استغرب ما بدر من أحد الأطباء الذي قام بشتمه بكلام قبيح لمجرد أنه طلب منه أن يفحصه جيّدا وهو ما اعتبره الطبيب تشكيكا في قدراته. ثقافة القُبح تشتهر العديد من الأحياء بالعاصمة بشجاراتها العنيفة التي يستخدم بها الشباب الأسلحة البيضاء من مختلف الأنواع والأحجام، والتي تبدأ أغلبها بشتائم قبيحة لتنتهي بجرائم ترتكب دون قصد وتحت تأثيرالغضب حسب التبريرات التي تقدم في كل مرّة، ولم يسلم من تلك السلوكات العنيفة حتى الأطفال الذين كانوا ضحايا لاعتداءات أو أطرافا فيها كلفت الكثير من الشباب سنوات من عمرهم خلف القضبان. وخلال حديثنا مع بعض المواطنين أكدوا لنا أنّ أغلب الشجارات تبدأ بأقوال قبيحة وشتائم لتتطور إلى شجارات عنيفة تستخدم بها الأدوات الحادة والأسلحة البيضاء، والتي يستعملها بعض الشباب للتهديد واستعراض عضلاتهم ليدفعوا الثمن غاليا بعد ارتكابهم لجرائم قتل. حالات أخرى لشباب يتناسون صداقتهم في لمح البصر ليكون تناقض نقاشهم وعدم اتفاقهم حول بعض المواضيع سببا في تبادل الشتائم بينهم، لتتطور تلك الملاسنات إلى سلوكات عدوانية تتحول لشجارات عنيفة لتكون سببا في ارتكاب جرائم بدون قصد، وهو ما مرت به فريدة التي شهدت حادثة وفاة ابنها بأم أعينها من نافذة البيت، حيث علمت أنه رفض إقراض صديقه المال ما أثار غضبه وجعله يوجه له كلاما قبيحا وهو ما جعل الخلاف يتطور لشجارعنيف، حيث وصل الأمر إلى أنه يهدده بسلاح أبيض من نوع "السيف" ولكنه فعلها دون أن يشعر لينصرف تاركا صديقه غارقا في دمه. كوادر وشخصيات سقطوا في الحلبات !!! تعرف قاعات المحاكم قضايا متعلقة بجنح الضرب والقذف والشتم، والتي يكون المتّهمون فيها شباب وأفراد من العائلة نفسها، إضافة إلى أخرى سقط فيها كوادر سامية وشخصيات فاعلة في المجتمع وأصحاب شركات، وأشهر قضية في هذا السياق هي تلك التي تورط فيها وزير سابق للشباب والرياضة لم يتحرج من الاعتداء على مدير المركب الأولمبي في خريف سنة 1995، لا لشيء سوى لأنّ الضحية مكّن البطلان الأولمبيان السابقان "نور الدين مرسلي" و"حسيبة بولمرقة" من عقد مؤتمر صحفي لم يرق محتواه لمزاج معاليه، وعوض أن يتصرف بشكل حضاري، نزل إلى المكان وفعل فعلته، ما دفع الرئيس السابق "اليامين زروال" إلى إقالته. وامتدت رقعة "التنابز بالألقاب" إلى المحامين، حيث اتهم أحد المحاميين زميله في العمل بارتكابه جنحة القذف والشتم عليه، وخلال القضية التي عالجتها محكمة بئر مراد أكد الضحية خلال شهادته أن زميله المدعو (س.ح) وهو محامي دفاع أحد المتهمين، ثارغضبه بمجرد أن طالب خلال مرافعته بإدانة الطرف الثاني بأقصى عقوبة وهو ما جعل المتهم يشتم زميله بكلام غير لائق أمام الجميع ليدان بثلاثة أشهر حبسا ودفع تعويض مالي قدره 50 ألف دينار. كما وجّه أحد مدراء الشركات شتائم غير لائقة لموظفته لرفضه خروجها قبل نهاية وقت العمل رغم مرضها وهو ما أثار غضبها واعتبرته اهانة لكرامتها حسبما أفادت به خلال جلسة محاكمة مديرها بمحكمة بئر مراد رايس والتي التمس خلالها وكيل الجمهورية عقوبة السجن لمدة ستة أشهرمع دفع غرامة مالية قدرها 20000 دينار. ورفع أحد الأطباء شكوى ضد المدعو (ج.م) وهو حارس بأحد المستشفيات يتهمه بضربه وحسب شهادة المتهم أمام الغرفة الجزائية لمحكمة بئر مراد رايس فإن الطبيب أصرّ على ركن سيارته خلف إحدى سيارات المستشفى ما يعرقل خروجها وهو ما أثارغضب الحارس ودفعه الى ضرب الطبيب فيما التمس في حقه وكيل الجمهورية الحبس لمدة ثلاثة أشهر. ويفرض المشرع الجزائري عقوبات على كل من يرتكب جنحة السب والشتم، حيث تنص المادة 297 من قانون العقوبات على أنّ السب والشتم يشمل كل تعبير مشين أوعبارة تتضمن تحقيرا أو قدحا لا ينطوي على اسناد أي واقعة حسب ما نصت عليه المادة القانونية، كما تقرّ المادة 298 معاقبة المتورطين في القذف الموجه إلى الأفراد بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 25 ألف دينار إلى 50 ألف دينار. وللنقابات والأحزاب والنوادي نصيب ... على خلفية التصارع حول الزعامة، شهدت كثير من النقابات والأحزاب والنوادي، مشاجرات محتدمة، كانت أخطرها تلك التي كان المقر المركزي لحركة الإصلاح (الإسلامية) الواقع ببلوزداد مسرحا لها، حيث نشبت مشاداة عنيفة في 16 أكتوبر 2011، تعرض على إثرها العضو القيادي السابق "ميلود قادري" لإصابات ألزمته المكوث لأيام بالمستشفى، كما تعرض عضو قيادي آخر وهو "عبد السلام كسال" لجروح، وذلك على خلفية النزاع الذي وقع بين أعضاء في الإصلاح ومعارضي القائد السابق "حملاوي عكوشي". والمؤسي أنّ المعركة تورط فيها "جهيد يونسي" الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني، وجرى متابعته قضائيا بالضرب والجرح العمدي بالسلاح الأبيض. حادثة أخرى لا تقل فداحة، وتتعلق بانتخابات تجديد نقابة "أرسيلور ميتال" في مجمع الحديد والصلب بالحجار، وأسفرت مشادات واشتباكات عنيفة نشبت بين فرقاء النقابة عن وقوع عشرات الجرحى، بسبب رفض المحسوبين على جناح النائب الحالي بالمجلس الشعبي الوطني إسماعيل قوادرية ، للنتائج المتمخضة عن انتخابات تجديد الفرع النقابي، وبلغ عدد الإصابات نحو 43 إصابة في صفوف الطرفين !!!!! ومن الثرثرة ما قتل .... يلاحظ كثير من مستعملي الحافلات أنها تحولت إلى مجالس يومية للغو المفرط، حيث يفضل قطاع من الشباب والشيوخ وسيما العواجيز إلى طرح مختلف المشاكل الاجتماعية، والانسياق وراء ثرثرة تنمّ عن مكبوتات وشحنات بحاجة إلى تفريغ. خلال رحلة على محور "عين النعجة - ساحة أول ماي"، وقفنا على الظاهرة، حيث بدأ وابل الحديث وإفراغ ما في القلوب قبل أن تنطلق الحافلة، وساهم السائق وتماطله في المغادرة في إثارة حفيظة أغلب الراكبين الذي ثاروا غضبا، فهذا يقرع الزجاج بالنقود وذاك يطلب من الركاب إفراغ الحافلة ليكون درسا لسائقها، وبدأ النقاش والجدال يحتدم بين الركاب من كلا الجنسين حول هذا المشكل، قبل أن يتفرع الحديث، وكل واحد يروي معاناته، ومشاكله اليومية طيلة ساعة من الزمن رغم أنّ الركّاب لا يعرفون بعضهم البعض . الأمر لا يقتصر على أيام وظروف معيّنة، بل صار ظاهرة يومية، منهم من يراها متنفسا حقيقيا، ومنهم من ينزعج منها أيّما انزعاج بسبب كثرة الحديث، في السياق ذاته، يقول بعضهم أنّ الحافلة تحولت إلى فضاء تناقش فيه أغلب المواضيع الاجتماعية، الاقتصادية وحتى السياسية، حيث يمكن للراكب أن يعايش تماوجات الرأي العام في مختلف القضايا، خاصة وأنّ الجميع يعبّرون عن آرائهم بكل حرية وجرأة . ظاهرة المسنين هذا وأكّد بعض الركاب أن كثير من كبار السن ممن يستعملون الحافلة بالكاد يصمتون، فما إن تنطلق حتى يطلقون العنان للحديث عن مشاكلهم، فهذه تشتكي أبنائها وزوجاتهم، وأخرى تحكي عن صراعاتها مع جاراتها، وأخرى تروي معاناتها مع المرض. ورغم أنهن لا يعرفن بعضهن إلا أنّ الراكبات يجعلنّ كتابهنّ مفتوحا، وهذا ما لم يجد له البعض تفسيرا، لكن المهم أنهن يشعرن بارتياح نفسي كبير بل يعتبرن الحافلة وبعض وسائل النقل الأخرى مكانا لإقامة علاقات اجتماعية جديدة. من هؤلاء خالتي "فاطمة" العاملة بسوق الدلالة للذهب التي تستقلّ الحافلة يوميا وتحرص على أن تجلس بجانب قرينتها، وكل يوم رواية جديدة عن مشكل جديد مع أحد أبنائها أو زوجاتهم، ورغم إدراكها أنها تفشي أسرار بيتها، لكنها ترى أنها تحس بتحسن وضعها عندما تحكي عن ذلك، وتلقى بعض من يعشن مشكلتها أو على الأقل يواسينها في ذلك. أما بالنسبة للرجال فيبدون أكثر وعيا، وإن كانوا أقّل كلاما فتجدهم يتحدثون عن الأوضاع المعيشية، بل ويقترحون بعض الحلول حيث لا زال ارتفاع الأسعار، انقطاعات التيار الكهربائي والماء إضافة إلى الأزمة السورية وتعيين الإبراهيمي محّل حديث الشارع. "نسيمة" اعتبرت ظاهرة اللغو في مختلف وسائل النقل، سلبية للغاية، لما فيها من إفشاء للأسرار، غيبة ونميمة على مسمع الجميع، وتضيف عن هذا أنها كانت شاهدة على حادثة عندما كانت إحدى النساء تروي لمن تجلس أمامها في الحافلة عن جارتها وتنعتها بأبشع الصفات وتكشف أسرارها، غير أنه ومن سوء حظها كانت الضحية جالسة بالقرب منها، فتفطنت للأمر خاصة أنّ صوت الجارة ملأ كلّ الحافلة ولكم أن تتخيلوا الشجار الذي قام بينهما. وكثيرا ما يؤجج تضارب الآراء الشحناء، ويذكر أحدهم حادثة وقعت بين راكبين أياما قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث كان أحدهم يؤيد حزبا معينا ويشيد به وبما قدمه، عكس طرح راكب آخر، وبعد أخذ وردّ احتدم الصراع وتعالت الأصوات ليتحول الأمر من مجرّد نقاش إلى ملاسنات كلامية انتهت بمشادات بالأيدي وتهديدات، ولولا تدخّل الركاب لفضّ النزاع لأخذ منعرجا آخر. التنفيس "المَرَضي" وبعيدا عن علاقة هذه الظاهرة بسوء أخلاق بعض الناس، قدمت "فاطمة آيت محند" الأخصائية النفسانية تفسيرا آخر للظاهرة، حيث اعتبرت أنها تبقى بالنسبة للبعض حاجة نفسية يجب قضاؤها، وحسب قولها فإنّ بعض الناس يحتاجون إلى إفراغ ما في أنفسهم من مكبوتات وهموم أثقلت صدورهم، خاصة أمام الضغط الكبير الذي يعيشه بعض الأفراد في ظلّ غياب الحوار مع المقربين من الأهل والأقارب. وحسب المتحدثة، يستغّل البعض تواجده داخل وسيلة نقل التي تكون مكانا تلتقي فيه كثير من الفئات، فيستغّل الظرف للتحدث وهو يدرك أنه سيجد الآذان الصاغية، وأحيانا تكون لديه رغبة نفسية في أن يجد من له المشكل نفسه، حتى لا يشعر بالوحدة والانعزالية، فهناك من يقاسمه المشكل ذاته، وهو بذلك يحقق ارتياحا نفسيا كبيرا. هذا ويفسر أخصائيون اجتماعيون، ارتباط هذه الظاهرة بشريحة المسنين، بكون هذه الفئة تحديدا لا تجد في الغالب من يستمع إليها، لذا يحاول المنتمون إليها إثارة الحديث مع أي كان، لكن هناك بعض الحالات المرضية التي تتمثل في الثرثرة التي قد تكون راسخة في السلوكات اليومية لبعض الأفراد في مختلف الأمكنة، وعليهم التخلي عنها وتعويض ذلك اللغو بالإكثار من الأذكار .