بدعوة كريمة من الجامعة الإسلامية العالمية بكوالا لامبور -وهي إحدى أحسن خمسمائة جامعة عالميا- ؛ والتي أسست من أجل أسلمة المعارف والعلوم؛ لعبت دورا تنويريا لا يستهان به من أجل استقطاب الكفاءات والتأهيل، بالخصوص الأقليات الإسلامية، بالعلم وسلاح المعرفة ؛ * وأثناء تواجدي في هذا البلد ومقابلة العديد من الأفراد قد تذكرت أن صاحب الشاهد على القرن وصاحب شروط النهضة الأستاذ مالك بن نبي كان محقا لما تفطّن للمكانة الريادية للمالاويين ؛ وهم السكان الأصليون لماليزيا، في رفع لواء النهضة والحداثة والحضارة في العالم الإسلامي ؛ وقد تلمس ذلك من خلال الممارسة اليومية للمؤسسات والأفراد ؛ فأثناء تواجدي في الجامعة الإسلامية قد يعجبك دقة نظامهم ؛ وتعدد المراكز البحثية وتخصصها الدقيقة وكمية الدراسات والأبحاث المقدمة؛ والملفت للانتباه أنه يوجد العديد من الجزائريين في حدود ستين أستاذا يزاولون مهامهم العلمية والأكاديمية في الجامعة؛ وأثناء إلقائي محاضرة في مركز هارون هشام للأبحاث والدراسات القانونية؛ كان مرافقي أحد الجزائريين الأستاذ بشير صوالحي والذي اعتبره سفيرا حقيقيا للثقافة الجزائرية من خلال علمه وسلوكه وبعد انتمائه؛ كما له مجهود جد طيب مع الأقليات الإسلامية في جنوب شرق آسيا. * وأثناء تواجدي في ماليزيا؛ حاولت أن أتعرف عن المالاويين وثقافتهم ؛ وجهودهم في أسلمة الحياة والممازجة بين الإسلام وتعاليمه والحياة العصرية ومتطلبتها؛ فأثناء دخولك للمساجد -مثلا- تلاحظ نظافتها وحسن تسييرها وكأنك داخل لفندق خمس نجوم؟!.... فالحراسة والبرشور في كل مسجد الذي يشرح تاريخ المسجد وظروف نشأته.. والحدائق المحيطة به؛ والمكتبات.... فلا يوجد مجال للمقارنة مع مسجدنا في الجزائر كما وكيفا؛ وإنني قد أقولها بدون مبالغة أو مزايدة. * ومن المعالم الأخرى الشاهدة على هذه الممازجة أنه على بعد ثلاثين كيلومترا من العاصمة كوالا لامبور توجد مدينة مسمات "ببتري جاية" وهي مدينة تم إنشاؤها وتصورها الافتراضي من طرف بيل "غيتس" كمدينة نموذجية للقرن الحالي؛ أين التكنولوجيا هي السيدة؛ والممارسات الحديثة من إعلام آلي ؛ وتكنولوجيا حديثة السائدة هي محل اعتزاز وافتخار لكل مسلم، فمقر رئاسة الوزراء الجديد متواجد فيها؛ مع نقل العديد من الوزارات والهيئات الخدمية؛ والملفت للانتباه أنه أمام مقر مجلس الوزراء يوجد مسجد ضخم لتذكير باقي الأقليات أن ماليزيا مسلمة وإسلامية للأبد حسب تفسير العديد من الماليزيين الذين قابلتهم. * وما يشد انتباهك دقة مواعيد المسؤولين واحترامهم للوقت وتمجيده؛ وذلك ما لمسته سواء مع رئيس اللجنة الماليزية لحقوق الإنسان أو نائب رئيس الجامعة ؛ أو بعض عمداء الكليات وذلك سر آخر لأسباب الإقلاع الحضاري والتفوق العلمي في شتى الميادين. * والعاصمة الماليزية يوجد بها العديد من المعالم الثقافية والترفيهية والعلمية، فقد استطاعت المدينة أن تبني لنفسها فضاء للعلم والمعرفة ولاستكشاف وإبراز التنوع والخيرات العديدة التي تزخر بها ماليزيا. * فأثناء دخولك إلى المطار، تلاحظ على أفراد الشرطة، رجالا ونساء، سمات الانضباط وعلامات التدين والترحيب؛ كما قد تنبهر بدقة التنظيم في المطار وغيره من المؤسسات التي زرتها، فأثناء إحدى الجلسات مع نائب رئيس الجامعة الإسلامية العالمية؛ قد أكد لي أن دور الجامعة في أسلمة المعارف؛ أسلمة التخصصات الدقيقة (تكنولوجيا وطب) إلى جانب العلوم الإنسانية ؛ كما أنه ما لا يقل عن مئة وعشرين جنسية يدرسون فيها؛ بمن فيهم الجزائريون. * وقد تلاحظ على المجتمع الماليزي التنوع ووجود إثنيات أخرى، وبالأخص الهنود والصينيين ؛ الذين تم غرسهم من طرف المستعمر البريطاني حتى لا يكون العنصر الإسلامي هو الغالب ؛ ولكن نواميس الحياة بعد الاستقلال كانت على غير الموازين التي أريد لها ولذلك نلاحظ تعايشا بين الاثينيات رغم الصراع الخفي حول الموقع السياسي وفي مجال التجارة والأعمال.... * ورغم ذلك يمكن اعتبار ماليزيا نموذجا موفقا مزج بين الحداثة والإسلام والمزاوجة بينهما، فتوجد هيئة تابعة لمجلس الوزراء دورها رصد تطور الاجتهاد الفقهي والحلول التي أعطيت ؛ حتى يتم الاستفادة منها وتطبيقها؛ ويكفينا فخرا بماليزيا أنه بلد احتضن أول شرارة للبنوك الإسلامية والتأمين؛ فلا توجد مظاهر محاربة التدين عكس العديد من الأنظمة التي ورثتها بعد أزمات فائقة لأنظمتها السياسية.