لعلّه البرلمان الوحيد في العالم الذي وجّه قرابة 1500 سؤال للحكومة في ظرف قياسي لم يتعدّ ثلاث سنوات، ولعله كذلك البرلمان الوحيد في العالم الذي تتجاهله الهيئة التنفيذية ويتعفّف الوزراء من "النزول" إليه وإهدار أوقاتهم الثمينة في الرّد على أسئلة النواب الشّفوية التي لا تنتهي !! قبل أيام وجّه النّائب لخضر بن خلاف رسالة إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني يحتج فيها عن قرصنة أسئلته الشفوية والكتابية الموجهة إلى أعضاء الحكومة وعدم الرد عليها، كما احتج بن خلاف على ما وصفه بعدم نزول الوزراء إلى الهيئة السفلى للبرلمان للإجابة عن الأسئلة، ويبدو أن بن خلاف كان صادقا لمّا طالب بنزول الوزراء للتّكرّم بالرّد على الأسئلة الشّفوية، وليس الصّعود إلى الهيئة التشريعية لتتم محاسبتهم على أساس أنّ الهيئة التشريعية أعلى سلطة من الهيئة التنفيذية. هذا هو واقع البرلمان بغرفتيه في الجزائر، كما يراها النّواب أنفسهم.. .مجرّد وكالة لتسجيل القوانين التي تحيلها القطاعات الوزارية ليصادق عليها برفع الأيدي مع بعض التعديلات الشكلية التي لا تتعدى الإطار الاستعراضي لإعطاء الانطباع بأن النواب يقومون بواجبهم. والغريب في علاقة الحكومة بالبرلمان أن الوزراء وعبر مصالحهم أجابوا على كل الأسئلة الكتابية التي قراب عددها 1000 سؤال بينما رفضوا الإجابة على الأسئلة الشفوية وعددها يقارب 500 سؤال شفوي، وهو ما يؤكد أن الوزراء مخيرون بين "النزول" إلى البرلمان والإجابة على الأسئلة الشفوية أو البقاء في بروجهم العاجية، وتصوروا نوعية الأسئلة التي يتفضلون بالإجابة عنها والتي غالبا ما تكون مجاملاتية، أي أن النائب يمنح فرصة ثمينة لصديقه الوزير ليتكلم في الموضوع الذي يفضله. ومع هذه المعطيات هل يجوز أن يستمر البرلمان بشكله ودوره الحالي في اقتطاع ما يزيد عن 500 مليار سنتيم سنويا من قوت الشّعب لإنتاج الأسئلة الشّفوية والكتابية؟! وإلى متى تستمر الحكومة في استصغار ممثلي الشعب وإهانتهم؟ وإلى متى يستمر النّواب في تلقّي الإهانة واستلام الملايين من قوت الشّعب دون تقديم جهد مقنع. إنّ الحل الأنسب لمشكلة الأسئلة الشفوية التي تحولت إلى معضلة لدى نوابنا الأفاضل هو حلّ البرلمان كلّه وإعادة توجيه الأموال التي يستهلكها إلى مستحقيها مادام هيكلا بلا روح، ولعلّ استقالة ثلاثة نواب إلى الآن، في سابقة لم تحدث هي الأولى من نوعها، دليل على أن الانتماء إلى البرلمان بشكله الحالي هو نوع من الفساد وإهدار المال العام في أنشطة لا طائل منها.