أثارت التجاذبات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في اليومين الأخيرين بشأن انتهاك الطائرات الروسية المغيرة في سوريا للمجال الجوي لتركيا، العضو في الناتو، أجواء تذكر بالحرب الباردة بين الشرق والغرب، وتكرار ما حدث في بداية الأزمة الأوكرانية. وتكيل موسكو اتهامات للناتو بالقيام بإجراءات استفزازية وأعمال عدائية تهدف إلى محاولة تطويق روسيا وتهميشها على الساحة الدولية وإضعافها وتهديد أمنها القومي، حيث تصاعدت حدة القلق الغربي، خاصة بعد التدخل الروسي في أوكرانيا في أزمة القرم، ومؤخرا في الأزمة السورية. إلا أن التحركات الأخيرة غير المتوقعة من الجانب الروسي الأسبوع الماضي بالدخول عسكريا في الأزمة السورية، أثارت احتمالات بحدوث مواجهات بين روسيا والغرب، خاصة بعد حادثة خرق مقاتلة روسية للأجواء التركية قرب الحدود السورية جنوبي إقليم هاتاي، والتهديد بالرد، إضافة إلى القصف الذي طال قوات من المعارضة السورية التي عكفت الولاياتالمتحدة على تدريبها. فقد ندد بيان لحلف شمال الأطلسي من مغبة تكرار انتهاك المجال الجوي لتركيا، مطالبا بالوقف الفوري للغارات التي تشنها المقاتلات الروسية في سوريا، معربا عن القلق بشأن الضربات الجوية التي تشنها طائرات سلاح الجو الروسي في حماة وحمص وإدلب في سوريا. وفي الآونة الأخيرة، عكف حلف شمال الأطلسي على العمل على عدة خطوات من شأنها أن تثير حفيظة "الدب الروسي"، بينها قرار إنشاء قوة تدخل سريع عسكرية في عام 2016 في الدول المحاذية لروسيا، تشمل قطعات عسكرية برية تدعمها وحدات جوية وبحرية، بالإضافة إلى إنشاء مقار للقيادة العسكرية للحلف متعددة الجنسيات في دول بأوروبا الشرقية. ورغم تصريحات المسؤولين الروس بأن أي منظومة صاروخية يتم نشرها في الشرق الأوروبي لن تعتبر كقوة ردع استراتيجي أو تقوض قدراتها العسكرية، إلا أن هناك مخاوف من أن التوسع في نشر نظام الدرع الصاروخي للحلف هو موجه بالدرجة الأولى لروسيا. هذه التحركات العسكرية دفعت بروسيا والحلف لاتهامات بانتهاج أيدولوجية عقلية الحرب الباردة، إلا أن الحلف يقول إن هناك سلسلة من المبادرات للشراكة مع روسيا -دون غيرها من الدول- توجت بتأسيس مجلس مشترك في عام 2002، نافيا في بيان له في قمة الحلف في ويلز في سبتمبر 2014 أنه يسعى لأي مواجهة، أو أنه يشكل تهديدا لأمن روسيا. من ناحية أخرى، اتهم تقرير للقيادة الأوروبية للحلف موسكو بأن تزايد المناورات العسكرية التي تقوم بها روسيا وحلف الناتو يضاعف احتمالات نشوب حرب، وأن الجانبين في طور الاستعداد لصدامات محتملة في القارة العجوز. وتبقى وتيرة القلق متزايدة بين بين قطبين رئيسيين من أٌقطاب النفوذ العالمي سواء في شرق أوروبا أو حتى في سوريا، خاصة في ظل تعليق العمل بمجلس الناتو- روسيا الذي اعتبر إحدى مبادرات الشراكة لتخفيف حدة التوتر بين الجانبين، لتلوح في الأفق أجواء الحرب الباردة التي انتهت قبل نحو عشرين عاما.