عندما يبلغ رقم السيارات المسروقة والمفقودة عندنا في ثمانية أشهر حوالي إثنى عشرة ألف سيارة، فمعنى ذلك أننا صرنا نمتلك "أمة" موازية لا تحترف السرقة فقط، وإنما تهواها وتمارسها عن حب وبإتقان. * فسرقة سيارة في أي دولة أوربية أو حتى نامية هو (إنجاز) إجرامي أكثر تعقيدا من خطف طفل صغير، إذ يتطلب مراقبة السيارة وصاحبها وفتح بابها المغلق بأقفال خاصة مصنوعة في اليابان أو أوربا وتفعيل محركها والاختفاء عن الأنظار بكومة من حديد، أي أن ما حققه المجرمون عندنا خلال ثمانية أشهر في الكمية والنوعية يجعلهم كيانا قائما بذاته؛ لأن ما سرقوه من سيارات يفوق عدد السيارات التي تمتلكها بعض الدول في حظائرها الوطنية. * فالسارق هنا لا يقتحم منزلا في غياب أصحابه أو يخطف سلسلة ويدسها في جيبه أو يراود صبيا بقطع من الحلوى، وإنما يتجرأ على كتلة من حديد مركونة أمام الملإ ويجرها إلى حيث يشاء وكيفما شاء ومتى شاء، وأحيانا يعرج بها من مدينة إلى أخرى، وهي جرأة تؤكد ما بلغه بعض المجرمين وعددهم حسب الأرقام بالآلاف، إلى درجة أن حولوا الجريمة من احتراف لأجل العيش إلى هواية يمارسونها بملكات ومواهب وكأنها موروثة في كروموزوماتهم. في بعض البلدان الهادئة مثل النمسا وسويسرا والسويد، يكفي أن تختفي سيارة عن شوارع المدينة حتى يتصدر خبر سرقتها الصفحات الأولى؛ لأن الحدث الحقيقي ليس في السيارة المسروقة، وإنما في الفاعل وفي الفعل الذي هو أشد مراتب الإجرام خطرا؛ لأن تجار المخدرات يتحركون بالسيارات المسروقة وبارونات التهريب يستعملون السيارات المسروقة والإرهابيون الذين يفجرون أنفسهم في المؤسسات والشوارع يستعملون السيارات المسروقة. * الجرأة على الإجرام زرعت لدى عامة الناس مشاعر الخوف؛ فالجزائري هو الوحيد الذي يركن سيارته ولا يضمن أن يجدها بعد عودته، وهو الوحيد الذي يدخل المستشفى مريضا ويخشى أن يغادره بدون أشيائه، وهو الوحيد الذي يدخل للصلاة في المساجد ويخشى أن يعود إلى بيته حافيا، وبالتأكيد هو الوحيد الذي حوّل مسكنه ومقر عمله إلى سجن من حديد خشية أن يهاجمه اللصوص من الأبواب والنوافذ ومن فوقه ومن تحته، مثل القدر المحتوم أو الأجل الذي لا مفر منه.