شيع ظهر السبت في مدينة السادس من أكتوبر جثمان الناشر المصري محمد مدبولي الذي توفي ليل يوم الجمعة عن 70 عاما في مستشفى بالقاهرة بعد صراع مع المرض استمر عدة أشهر. * بدأ مدبولي حياته ببيع الصحف قبل أن يبيع الكتب على عربة متنقلة صغيرة ثم أصبح من أشهر الناشرين المصريين منذ افتتح (مكتبة مدبولي)، التي أصبحت أشهر مكتبة بوسط العاصمة المصرية على مدى 50 عاما. * وعني مدبولي الذي لم يكمل تعليمه بإرضاء الأذواق المختلفة للقراء اذ كان ينشر أعمالا لأبرز الأدباء والمفكرين العرب الى جانب الكتب ذات الطابع الشعبي. * وفي السنوات الأخيرة اهتم مدبولي بنشر موسوعات في الفلسفة والتصوف والتاريخ دون أن ينحاز لشخص أو تيار، ومن أبرز الأمثلة نشر موسوعة تاريخية من ستة آلاف صفحة عنوانها (تاريخ مصر من بدايات القرن الأول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع). * وكان حريصا على توفير الكتب المحظور طبعاتها وتداولها في مصر ومنها كتب لمحمد حسنين هيكل ورواية (أولاد حارتنا) للروائي المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب، حيث ظلت تطبع في بيروت منذ الستينيات لكنها كانت تتاح لمن يطلبها من مكتبة مدبولي. * وتعرض مدبولي عام 1991 لتهديد من متشددين إسلاميين بسبب توزيعه رواية عنوانها (مسافة في عقل رجل)، وفي العام نفسه صدر حكم قضائي بسجنه للسبب نفسه حيث وجهت للرواية تهمة ازدراء الأديان. وتضامن المثقفون مع مدبولي حتى ان الرئيس المصري أوقف تنفيذ الحكم. * وظل كثير من الكتب التي يصدرها مدبولي موضع شك من طرف السلطات ومنها بعض مؤلفات نوال السعداوي وأخرها كتاب (الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الديني) حيث قال مدبولي لرويترز انذاك ان شرطة المصنفات الفنية داهمت مكتبته وقبضت على أحد العاملين بها وتحفظت على 280 نسخة من الكتاب بتعليمات من مجمع البحوث الاسلامية بالقاهرة. * وقد كانت مكتبته الشهيرة الكائنة في ميدان طلعت حرب تعد من معالم القاهرة ويحرص السائحون والعرب منهم خاصة على زيارتها للتزود بالجديد في عالم الكتاب ،وخاصة أن كثير من كتبه كانت تتحدى الرقابة وتخترق المحاذير السياسية والدينية والاجتماعية الأمر الذي سبب انتقادات شديدة وجهت للناشر مدبولي . * * من صاحب كشك صغير إلى أكبر ناشر مصري * * ولد في فترة الاستعمار الإنجليزي لمصر وكان والده متعهد توزيع للمجلات الأجنبية وخاصة الإنجليزية فورث الصغير مهنة الأب، وعبر كشكه الصغير بدأ الحاج مدبولي رحلته في هذا العالم، يبيع الصحف والمجلات باللغات الإنجليزية والفرنسية واليونانية. * وأصيب عمله بالكساد في عام 1956 حيث العدوان الثلاثي على مصر ؛ إذ تسببت الحرب الشهيرة من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل ضد مصر في هجرة الكثير من الأجانب ، واتجه بعدها لنشر الكتب الغربية الفلسفية للشباب العربي مثل أعمال سارتر وكامو ومسرح اللامعقول إلى جانب الكتب التي تتحدث سير القادة العسكريين الكبار وحقق نجاحا في هذا المجال . * وفي حواره مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية قال : " لكن بعد سنة .. بدأتُ ألاحظ تركيزا شديدا على كتب الإستراتيجية العسكرية وصولا إلى سنة 70 حيث تصاعد الطلب على الكتب السياسية والاقتصادية». «أما بعد مجيء أنور السادات الرئيس المصري الراحل الذي لا يحبه الحاج مدبولي فطغى الكتاب السياسي وانحسر الكتاب الأدبي بشكل لافت». * أخيرا يشار الى ان الحاج محمد مدبولي قد دخل موسوعة أعلام مصر في القرن العشرين التي صدرت عن وكالة أنباء الشرق الأوسط بوصفه ابرز ناشر مصري.