ما نراه اليوم من تهجم غربي، يقوده منتسبون إلى جماعات اليمين المتطرف غالبا، على المقدسات الإسلامية، بشرا ومساجد ومقابر، ليس أمرا نشازا يحاول المسؤولون الأوروبيون احتواءه بعد كل حادثة ببيانات التنديد والاستنكار.. * بدعوى أن هذه الأفعال "القروسطية" نسبة إلى القرون الوسطى لا تمت بصلة لعالم الحضارة والمدنية الغربية التي بنيت على قيم التسامح والعدالة والمساواة، وإن كانت هذه القيم مجرد مصطلحات يتم التلاعب بها باستمرار لتصب في صالح الغرب ورعاياه في مواجهة الشرق الذي مثّل مصدر الخطر الرئيسي منذ الفتح الإسلامي لمستعمراته السابقة، ابتداء من الشام وانتهاء بالأندلس والنمسا. * هذا التهجم الغربي الذي بدأ يشهد تصاعدا مخيفا، ويهدد المسلمين في الدول الغربية في أرواحهم وممتلكاتهم وأماكن عبادتهم، وفي كرامتهم، هو النتيجة الطبيعية، والحتمية، لحملات الدعاية الغربية المغرضة ضد الإسلام الذي جعلوه مرادفا للإرهاب، وضد أتباعه الذين وُصفوا، في وسائل الإعلام وسيناريوهات الأفلام بأنهم دمويون إرهابيون حاقدون على الحضارة الغربية ويسعون إلى تدميرها من الداخل. * حملات الدعاية التي استهدفت الإسلام وخوّفت من انتشاره، هي التي تقود اليوم إلى هذه التصرفات الهمجية التي تُحيي مآثر الحروب الصليبية من جديد، وهي التي قادت عبر تصريحات جان ماري لوبان وأمثاله إلى صنع رأي عام مفاده أن المسلمين مصدر خطر وتهديد، وحتى رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه سمى أبناء الجاليات العربية والمسلمة، وهم فرنسيو الجنسية، ب"الحثالة"، وهو تعبير يكشف مدى الاحتقار المتغلغل في نظرة مسؤولي فرنسا إلى الفرنسيين ذوي الأصول العربية والمسلمة. * فرنسا، عبر سياسة الكراهية التي وظفت كل إمكاناتها للتبشير بها والدعاية لها، لا ينفعها أن تستنكر نتائج أفعالها وتندد بها، وإنما عليها أن تعالج هذا المشكل من أساسه.. مشكل نبت وفرَّخ وباض في الجمهورية الخامسة عندما أخفق مسؤولوها في إدماج أجيال المهاجرين المسلمين، عربا وأفارقة، في المجتمع الفرنسي، وعزلوهم في محتشدات سكنية جعلتهم عرضة لكل الآفات الاجتماعية التي خلقت دورة جديدة من العنف الذي يولّد عنفا مضادا تنتهجه الدولة، وكراهية شديدة يضمرها المواطنون الأصليون وهم يشهدون نتائج هذا "التوطين" بعيدا عن أسبابه الحقيقية التي أدت إليه. * فرنسا فشلت في إدماج العرب والأفارقة الذين حملوا جنسيتها، وبدل البحث عن حلول لهذا الفشل، فتحت أمامهم بابا للشر: باب الإرهاب والإجرام، وفتحت على مواطنيها الأصليين بابا آخر للشر: باب العنصرية والتطرف. لكن أكبر فشل هو أن تتحول جمهورية "الحرية والمساواة والإخاء" إلى جمهورية ل"القمع والتمييز والعداء".