في يوم التقيت المرحوم الشريف مساعدية في بيته بالجزائر العاصمة أيام مفاوضات أوسلو، وقبل ان يصافحني نظر إلي بتجهم معروف في الرجل قائلا: اذا تخليتم انتم عن نصيبكم في فلسطين فاعلموا اننا نحن الجزائريين لن نتخلى عن نصيبنا في فلسطين.. * لقد ذهبت تلك الكلمات عميقا في وجداني واستحضرت التاريخ كله من العالم الرباني الصوفي العظيم سي بومدين الذي جهز المجاهدين من الجزائر وانطلق لنجدة صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس الشريف، وعلى عتبات القدس قطعت ساقه الكريمة ودفنها في محيط الأقصى واعطى اسما لأحد ابواب المسجد الأقصى والذي أخذ اسم باب المغاربة، وفي القدس أوقف سي بومدين اكثر من عشرين الف دونم للحجاج المغاربة الذين يقصدون تلك الديار. وللعلم ان الكنيست الاسرائيلي يقام الآن على ارض سيدي بومدين.. واتذكر العالم الرباني مجدد الاسلام بالجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي صرخ في ثلاثينيات القرن الفائت: يا عرب.. اما فلسطين او الموت. وسجل في ذمة الزمان موقف الجزائر بقوله: باسم الجزائر كلها من الأجنة في ارحام النساء الى الأموات في الأجداث نستنكر ما حل بأرض القدس الشريف.. اما البشير الابراهيمي ملك البيان بلا منازع فلقد قال: يا قدس انت حبل الله، فلئن اختار الله مكة لهبوط الانسان، فلقد اختارك الله لصعوده.. هذا المقام لا يتسع لذكر مواقف الرجال.. الرجال من اهل الجزائر.. اهل النخوة والبطولات نحو فلسطين.. هواري بومدين صاحب القولة الشهيرة: مع فلسطين ظالمة ومظلومة.. والذي مد الثورة الفلسطينية بكل ما تحتاج من سلاح وعتاد وكان فلسطينيا اكثر من كل القادة الفلسطينيين.. ولقد قام وزير خارجيته أنذاك السيد بوتفليقه بإدخال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الى الأممالمتحدة.. اما الشيخ محفوظ نحناح فلم يكن يتمالك نفسه كلما ذكرت فلسطين فيبكي كالطفل، كان يقول لي دوما: نحن لفلسطين وفلسطين لنا.. والشيخ احمد سحنون وأشعاره ومالك بن نبي وأفكاره.. بل كل الجزائر بكل اتجاهاتها ورجالها ونسائها وشيبها وشبابها.. كلها مباركة تمحض فلسطين حبها وهنا ليس مجال رد الجميل. * * ونحن هنا في غزة نعرف ان لنا إخوة في جبال الأطلس وسهل الحضنة وسهل متيجة في تيارت أهل الخيل، ومعسكر الأمير وبلعباس ووهران الشيخ محي الدين وتلمسان وجيجل وقسنطينة العلم وجزائر البحر وعنابة الجميلة.. لنا أهل في مضارب العرب الكرام الفارين من الاندلس وأحفاد الفاتحين العظام، ولنا أهل في البربر الصيد حماة الدين والوطن.. في غزة وان اظلمت علينا الدنيا فإن نخوة الجزائر اضاءت لنا الدنيا واشرقت ارواحنا بها. ان نخوتكم وصلت. فشكرا يا جزائر يا معقل الاسلام يا مهد العروبة... شكرا لصدق كرمكم وشكرا.. شكرا لكم.. * * *