يعاني بعض الآباء الأمرَّين بعد اصطحابهم أبناءهم لشواطئ البحر، فهم يفقدون بذلك لذة التمتع بزرقته، فتراهم منشغلين بين حراسة الأطفال على طول الشاطئ الممتد مخافة غرقهم. * * وبين كبح جماح فلذات أكبادهم الذين ينطلقون في جميع الاتجاهات غير مدركين للمخاطر التي تتربص بهم، وهو ما جعل المصطافين يعتادون على منظر أم باكية تجري بحثا عن فلذة كبدها التائه، وبين أب يتشوّق للسباحة لكن عدوانية ابنه وحركاته الكثيرة تمنعانه من ذلك. * إذا كانت بعض العائلات تعود من الشواطئ مسرورة، فان غيرها كثير ممن يعودون منهارين ومرهقين، فترى الوالدين بالكاد تحملهما أرجلهما، والسبب أنهما أمضيا فترة راحتهما بالبحر في البحث عن طفلهما الذي تاه وسط المصطافين، وبين حراسة البقية. حيث تشهد الشواطئ الجزائرية عديد حالات ضياع الأطفال والتي تصل أحيانا في اليوم الواحد وفي بعض الشواطئ المكتظة إلى العشر حالات، تنتهي دائما بإيجاد التائه من طرف حراس الشاطئ أو رجال الدرك المنتشرين به، أو بعد تكاتف جهود المصطافين والانتشار بحثا عن الطفل في هَبّة تضامنية. ففي شاطئ بولاية تيبازة مؤخرا، وبعد انشغال الوالدة بطفلتيها الرضيعتين، تسلل الإبن صاحب الأربع سنوات متجها نحو الشاطئ للسباحة، ولأنه أطال الغياب سارعت الوالدة لإرجاعه، لتتفاجأ بعدم وجوده مع الأطفال، فانطلق الوالد في جميع الاتجاهات بحثا عنه، في حين كانت الأم تبكي وتنادي على ابنها راجية المولى أن لا يكون قد تعرض للخطف، ولقد حال تواجد ابنتيها الرضيعتين دون انطلاقها في البحث عنه، وزادت حسرتها عندما اقترب منها المصطافون كل يؤكد رؤية الصغير في مكان معيّن، وبعد ترقب عاد الوالد مصحوبا بالطفل الذي وجده يبكي في مكان بعيد عن الشاطئ، وقد تناست الوالدة أنها السبب في ضياعه بغفلتها عنه، وقامت بضربه وتعنيفه. وفي الشاطئ نفسه وبعد تنفس الجميع الصعداء بعودة التائه، فإذا بسيدة أخرى تجري في جميع الاتجاهات وهي تبحث عن ابنتها الضائعة وسط المصطافين. * سيدة ثالثة سمعناها تنادي على ابنها في جميع الاتجاهات، وتعطي مواصفاته للمصطافين علّ أحدهم شاهده. * الظاهرة عائدة بالدرجة الأولى لانشغال الوالدين عن أبنائهم ، فالأب يفضل السباحة لمسافات بعيدة والأم تنشغل بالأطفال الرضع، أو بالأحاديث النسوية سواء مع القريبات أو حتى مع نساء تعرفت عليهن بالبحر، فيما يبقى الأطفال بمفردهم على الشاطئ، حيث يغيب تركيزهم وسط كمّ البشر الموجود، فيتخذون مسلكا آخر. كما أن كثرة أفراد العائلة وعدم الإنصات لنصائح الوالدين يزيد من ظاهرة الضياع. * سيدة لاحظناها بشاطئ البحر بزرالدة، فمنذ وطئت قدماها الشاطئ رفقة ثلاث أطفال، وهي واقفة تحرسهم وتوجههم، وبين الحين والآخر تتنفس بحسرة، اقتربنا منها و سألناها عن سبب عدم ركونها للراحة فأجابت: »نحن الأمهات فقدنا لذة التمتع بالبحر، فخفة أطفالنا وكثرة المصطافين، جعلتنا نعيش في خوف دائم من ضياعهم أو غرقهم«، أما »كريم« والذي جاء رفقة صديقه فيقول: »رغم أنه لدي طفلان فإنني آتي مساء للبحر رفقة أصدقائي، لأنني لا أملك الصبر حتى ألاحق الطفلين من مكان لآخر وأحرسهما فأنا أحب التمتع بالسباحة وبالصيد وببال هادئ«، في حين أنه يفقد كل هذا عندما يصطحب طفليه، حسب قوله، ليضيف صديقه ساخرا »من يحضر أبناءه الصغار للشاطئ ما عليه إلا نسيان السباحة«، سيدة أخرى أم لطفلين تحسّرت على أيام زواجها الأولى حيث كانت تستمتع بالبحر رفقة زوجها الصياد، »كنا نسير على طول الشاطئ ونبقى حتى غروب الشمس، ونركب القارب« وبعد إنجابها لولدين أصبح البحر لها بمثابة الكابوس، لأن الزوج يتركها غارقة مع الطفلين بينما يتفرغ هو للصيد، واشتكت من تصرفات ابنها البكر صاحب الخمس سنوات، فهو عنيف جدا ويقوم بسرقة ألعاب الأطفال على الشاطئ ويضربهم، ويركض في جميع الاتجاهات«، كما أخبرتنا بأنها قصدت مختصة نفسانية لتستفسر عن سلوكات ابنها الغريبة والتي تظهر فقط بالشاطئ، بينما يكون هادئا بالمنزل. *